ألمانيا : دراسة ترصد مكامن النقص في سوق العمالة الماهرة
نشرت وكالة العمل الألمانية ومقرها نورمبرغ تحليلا شاملا يرصد مكامن نقص العمالة الماهرة خلال العام الماضي (2022)، كاشفة بعض النتائج المقلقة، حيث زاد عدد القطاعات المهنية المتأثرة بهذا النقص بمقدار الربع مقارنة بعام 2021.
النقص في العمالة الماهرة المتخصصة في ألمانيا ظهر بشكل واضح في مهن التمريض والسياقة ومهن البناء وكذلك في رعاية الأطفال وهندسة السيارات ومهن تكنولوجيا المعلومات. كما تفاقم الوضع في مهن الخدمات الفندقية والمطاعم والبناء وسياقة الحافلات.
وقامت الوكالة بتحليل دقيق وشامل لما لا يقل عن 1200 قطاع مهني على أساس 14 مؤشرا. توصيف “عنق الزجاجة” تعبير حددته الدراسة حينما تجتمع ست مؤشرات (شروط) على الأقل، تُفضي إلى حالة عجز حاد في وظيفة ما. وتشمل هذه المؤشرات، على سبيل المثال، طول الفترة الزمنية التي يتم فيها شغل الوظائف المعلن عنها، ومعدل البطالة الخاص بكل وظيفة على حدة، إضافة إلى تطور أجورها.
وفقًا لوكالة العمل، بدأ عام 2022 بشكل جيد بعد انحسار الاختلالات التي طالت سلاسل التوريد عقب جائحة كورونا في العديد من المجالات. غير أن العدوان الروسي على أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022 كان حدثًا مفصليا، إذ فر الكثير من الأوكرانيين ووجدوا الحماية في ألمانيا، من بين أماكن أخرى.
هذا التطور كان له تأثير واضح على سوق العمل. فمع تسجيل المواطنين الأوكرانيين، ارتفعت نسبة البطالة في النصف الثاني من عام 2022. وبالموازاة مع ذلك استمرت حاجة الشركات إلى عمال جدد في النمو حيث وصل عدد الوظائف الشاغرة إلى مستوى قياسي اقترب من حوالي مليوني وظيفة.
البحث الشاق عن عمالة عالية التأهيل
وهكذا ارتفع عدد المهن التي وصلت لمستوى “عنق الزجاجة” إلى 200 مهنة كحد أقصى. نصف هذه الفئات المهنية تهم العمال المهرة، والربع يشمل المتخصصين وحوالي الخمس خبراء في مجالات محددة في عموم ألمانيا.
دراسة وكالة العمل الألمانية كشفت أن هناك 153 مهنة فقط لم يُسجل فيها أي مؤشر من مؤشرات العجز. الدراسة تميز بين العمال المهرة والمتخصصين المؤهلين تأهيلا عاليا والمدربين على وجه التحديد والخبراء ذوي التدريب الأكاديمي.
هذه النتائج لم تكن في الواقع مفاجئة تمامًا، ففي أبريل/ نيسان الماضي، دق مركز الكفاءة لتأمين العمال المهرة (Kofa) التابع لمعهد الاقتصاد الألماني (القريب من أرباب العمل)، ناقوس الخطر. إذ كشف أن أكثر من 630 ألف وظيفة للعمال المهرة لم تجد من يشغلها العام الماضي بسبب عدم وجود عاطلين مؤهلين بشكل مناسب في جميع أنحاء البلاد.
وأوضح خبراء المعهد أنه كلما ارتفعت درجة تأهيل وتخصص الوظيفة، كلما زادت صعوبة ملئها. بيد أن الدراسة أكدت أنه لا توجد مؤشرات على عجز عام في العمالة يهم كل القطاعات، بل أكدت على أن عرض العمالة المتاحة يفوق بشكل كبير الطلب في عدد من المهن.
ومع ذلك، ومقارنة بالسنوات السابقة، تم رصد نقص متزايد في سوق العمل الجزئي للعمال المهرة في قطاعات محددة، وهو ما ينعكس على الزيادة الكبيرة في عدد المهن التي تعيش حالة اختناق (عنق الزجاجة).
الرقمنة تفاقم مظاهر النقص
الدراسة رصدت عجزا حادا فيما مجموعه 105 من القطاعات المهنية التي تتطلب تأهيلا خاصا خلال عام 2022. ويتعلق الأمر بمهن التمريض والمهن الطبية والصحية وكذلك الحرف. وسجل نقص أيضا في مهن البيع، خاصة تجارة المواد الغذائية، وكذلك مهن الطبخ والسياق المحترفة.
وتم تحديد العجز فيما مجموعه 56 قطاعا مهنيا آخر، كالتعليم والمهن ذات العلاقة بالعلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي والتمريض وقطاع تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الكهرباء والاتصالات.
كما تم تحديد نقص العمالة الماهرة في فئة أخرى من 39 مهنة على مستوى “الخبراء”. ويتعلق الأمر هنا بشكل خاص بالأطباء والصيادلة والعمل الاجتماعي والمعلمين في المدارس المهنية أو في البناء (المهندسين المعماريين والمهندسين المدنيين). علاوة على ذلك، تنعكس زيادة الرقمنة بشكل متزايد على نقص العمالة الماهرة في تطوير البرمجيات.
لا تحسن في الأفق
الدراسة أكدت أيضا على حالات “عنق الزجاجة” (الاختناق) في عموم ألمانيا في مهن تشييد المباني والهندسة المدنية في عام 2022، رغم وجود اختلافات طفيفة بين مختلف ولايات البلاد، غير أن هناك نقصا واضحا في عدد المهندسين المعماريين والمهندسين المدنيين في جميع الولايات.
أما العجز بشأن خبراء تكنولوجيا المعلومات فواضح في عموم ألمانيا منذ سنوات ومن غير المرجح أن يتغير الوضع في المستقبل القريب. بدلاً من ذلك، من المرجح أن تؤدي تحولات الرقمنة إلى زيادة الحاجة إلى خبراء المعلومات في سياق العجز المزمن في مجال تطوير البرمجيات. (DW)[ads3]