دويتشه فيله : اليسار المتطرف على بعد خطوة من ” الإرهاب ” في ألمانيا
بتهم الضرب والجرح والأذى الجسدي الخطير والانتماء إلى منظمة إجرامية حكمت محكمة دريسدن العليا (31 مايو/ أيار 2023) على الطالبة لينا إي. بالسجن خمس سنوات وثلاثة أشهر، فيما حكم على ثلاثة متهمين آخرين بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات وثلاثة أشهر. الضحايا الذين هاجمهم الرباعي ينتمون لليمين المتطرف .
في تعليله للحكم، ذكًر القاضي، هانس شلوتر ستاتس، بالهجوم على مشتبه به من النازيين الجدد الذي تعرض للضرب المبرح بسبب قبعة عليها شعار يميني متطرف. ويُظهر هذا الاعتداء إلى أين يمكن أن تقود أفعال المتشددين اليساريين المناهضين للفاشية.
المتطرفون اليساريون الأكثر عنفا
يتناسب هذا التوصيف مع ما رصده المكتب الألماني لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) عام 2022 في تقريره عن التطرف اليساري في ألمانيا، حين أكد أن احتمالات الخطر بهذا الشأن “مرتفعة”. فقد زاد عدد المتطرفين اليساريين العنيفين من حوالي 700 إلى 10.300 ناشط. “يتم تنفيذ أعمال العنف بطريقة مخططة ومحددة من قبل جماعات صغيرة تآمرية تعمل باحترافية”.
وبحسب مكتب حماية الدستور، فإن العنف مُوجه بشكل خاص ضد “الشرطة والمتطرفين اليمينيين الذين تم تحديدهم على هذا النحو، ولكن أيضا ضد الشركات التجارية، وخاصة تلك التي تعمل في قطاع العقارات”. بالإضافة إلى ذلك، هناك محاولات من قبل اليسار المتطرف للتأثير على الناشطين في مجال حماية البيئة.
تراجع في جرائم التطرف اليساري ولكن!
من وجهة نظر إحصائية بحتة، فإن التطرف اليساري آخذ في التراجع، على الأقل من حيث الجرائم المسجلة. حيث تظهر الأرقام أن الجرائم بدوافع سياسية التي قدمها المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية (BKA) في مايو/ أيار 2023 انخفضت بنسبة 31 بالمائة بشكل عام. غير أن هذا ينطبق بشكل أساسي على جرائم الدعاية والأضرار التي تلحق بالممتلكات. فقد انخفض عدد الإصابات الجسدية المسجلة بأقل من تسعة في المائة من 438 إلى 399 على أساس سنوي. ويمكن ملاحظة العكس بالنسبة للتطرف اليميني الذي ارتفعت نسبته بما قدره 16٪ من 869 إلى 10.013 حالة.
ويأخذ رئيس BKA هولغه مونخ، هذه التطورات على محمل الجد بالقول “إنها تتعارض مع نظامنا الأساسي الديمقراطي الحر وتُعرض سلامنا الاجتماعي للخطر”. وهو يقصد بهذا على وجه الخصوص التطرف اليميني وجرائم الكراهية المنتشرة على الإنترنت.
وبالموازاة مع ذلك تؤكد الاستخبارات الداخلية أن اليسار العنيف يحتفظ بـ”مستوى عال من التطرف”. إن الرغبة في استخدام العنف واضحة للغاية في هذا الوسط “لدرجة أنهم ينأون بأنفسهم عن بقية الطيف المتطرف ويرتكبون أفعالهم الخاصة، والتي يتم التخطيط لها بدقة وغالبًا ما تكون شديدة الوحشية في مجموعات صغيرة”.
البؤر الساخنة: برلين، هامبورغ ولايبزيغ
تم تحديد البؤر الأكثر خطورة في مدن برلين، هامبورغ ولايبزيغ. لينا إي. على سبيل المثال، أصلها من لايبزيغ. وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايزر علقت على الحكم القضائي وقالت “يجب ألا تزيد دوامة التطرف والعنف أكثر مما عليه”، معتبرة أنه يبدو أن عتبة ممارسة العنف باتت متدنية، وفق السياسية المنتمية للحزب الديموقراطي الاشتراكي المشارك في الائتلاف الحاكم في برلين.
وأضافت فايزر أن الأحكام الصادرة ضد لينا إي. والمتهمين الآخرين قوبلت بتفاعل كبير في المشهد اليساري المتطرف. ولهذا السبب فإن السلطات الأمنية “تراقبهم عن كثب”. وتم اتخاذ الإجراءات بشكل حاسم ضد التطرف اليساري مثل التطرف اليميني أو الإرهاب الإسلامي وفق الوزيرة.
حماية الدستور: دعوة لمواصلة اليقظة
على الرغم من انخفاض الجرائم العنيفة المنسوبة لليسار المتطرف مؤخرًا، لا ترى الاستخبارات الداخلية الألمانية أي سبب للتراخي في محاربة الظاهرة. فبعد الزيادة الحادة في السنوات الماضية، يجب أن يُنظر إلى هذا التراجع كمجرد “تكريس لمستوى عالٍ” أصلا من العنف. ويصنف رئيس مكتب حماية الدستور توماس هالدينفانغ قضية لينا إي. كجزء من تطور طويل الأمد بالقول “إذا استمرت دوامة التطرف في هذا المنعطف وأصبحت الأفعال أكثر وحشية وغير مقيدة، فإن اللحظة تقترب أكثر التي سيتعين فيها الحديث أيضا عن الإرهاب اليساري”.
في سياق متصل، كان الاحتجاج المتزايد ضد سياسة المناخ على رادار السلطات الأمنية في ألمانيا منذ زمن ليس بالقصير. وبحسب تقرير مكتب حماية الدستور، حاول المتطرفون اليساريون تبرير أفعالهم العنيفة، بما في ذلك ارتكاب أعمال إجرامية، باعتبارها “وسائل مشروعة” في معركة الآراء السياسية.
وظهرت مؤخرا درجات كبيرة من العنف في احتجاجات الحركة التي تطلق على نفسها “الجيل الأخير” التي تقيم حواجز على الطرق في ألمانيا بدعوى إثارة الانتباه إلى حماية المناخ. أعضاء الحركة اشتهروا أيضا بربط أيديهم على الطرق السريعة والتسبب في توقف خطير لحركة المرور. هؤلاء ينتهي بهم المطاف أيضا إلى خلف القضبان. في مايو/ أيار 2023، نُفِّذت مداهمات في جميع أنحاء البلاد ضد أعضاء الحركة للاشتباه في دعمهم لمنظمة إجرامية. مبادرة السلطات الأمنية أثارت حينها جدلاً كبيرا، حول ما إذا كانت تتناسب مع الخطر الذي تشكله. (DW)[ads3]