ألمانيا : تمهد لإنشاء مجتمعات جديدة ! .. مستوطنات لليمين المتطرف تنتشر في هذه المناطق

بينما يسير العالم نحو المزيد من الانفتاح والمساواة بين الجنسين والابتعاد أكثر عن الأنظمة الذكورية والسلطة الأبوية، تواجه ألمانيا تناميا مفرطا للفكر اليميني المتطرف، حيث يقيم المتطرفون اليمينيون مستوطنات في المناطق الريفية تمهيدا لإنشاء مجتمعات جديدة أكثر انغلاقا وتمسكا بالقيم والعادات والأيديولوجيا القديمة.

من هذه المجتمعات “مستوطنو فولكيش” المنتمون إلى حركة “فولكيش” وهي حركة عرقية قومية ألمانية من أواخر القرن التاسع عشر وحتى العصر النازي، وظهرت حديثا جماعات موالية لها تعارض التغيرات الاجتماعية والثقافية للحداثة.

تدور شكوك كثيرة في ذهن مارتن رابي حيال بعض جيرانه، على الرغم من أن مظهرهم مهندم ويوحي بالأناقة. ويشير رابي وهو قس من قرية إبستورف الألمانية إلى أعضاء مجموعة تعرف باسم “مستوطنو فولكيش”، أي المستوطنون القوميون أو الشعبويون، والذين يعتقد أنهم قريبو الصلة باليمينيين المتطرفين، الذين يستقرون في منطقة لونبرغ الكائنة في الشمال الألماني منذ فترة.

ويسعى رابي الذي تقاعد الآن، لتحذير الناس من هذا الاتجاه طوال سنوات، ولا يولي الكثير من السكان المحليين اهتماما يذكر لهذه المجموعة، على الرغم من أنها محل مراقبة من أجهزة الأمن.

ويرى أنه يجب عدم الاستهانة بأعضاء هذه المجموعة على الرغم من أنهم أقل لفتا للانتباه مقارنة بالجماعات اليمينية المتطرفة الأخرى في ألمانيا، ويقول “إنهم لا يرتدون سترات جلدية تشبه البزة العسكرية، أو يبدون مثل جماعات حليقي الرؤوس، بل هم أشخاص على درجة عالية من التعليم”.

وما يثير قلق القس السابق إلى حد كبير هو النظرة السياسية الاجتماعية لهذه المجموعة تجاه العالم، ويتساءل “هل نريد أن نعيد النساء مرة أخرى إلى ارتداء ملابس طويلة ؟”. ويقول إن “تصورهم عن النساء مخيف، ويعد رجوعا إلى الوراء إلى العصر الحجري”.

ومع تزايد إدراك السكان للمشكلة، تتم دعوة رابي حاليا للتحدث عن القضية في الجامعات، وأيضا لتقديم المشورة للقرى الأصغر حجما.

ويتحدث رابي أيضا مع العمد ومدراء المدارس المحلية، لأنه لاحظ مرارا أن الأطفال الذين ينشأون في أسر تنتمي إلى هذه المجموعة يتم إخراجهم من المدارس المحلية في مرحلة ما، ويختفون عن الأنظار.

وأحد المشاهد التي لا يستطيع نسيانها، هو حفل زفاف أقيم في المنطقة وفقا للتقاليد الألمانية، وسط طقوس زواج وثنية تعرف في أوساط التيار اليميني باسم “إيهيلوته”، وجاء زوار لحضور الحفل من جميع أنحاء ألمانيا، وأيضا من سويسرا والنمسا، ويقول رابي “هذه الطقوس لها صبغة قوية تشبه العقيدة”.

ويضيف أن من يخرجون من هذه المجموعة ينتهي بهم الحال في الغالب إلى العيش في خوف وفي الخفاء.

وعلى الرغم من أن جهاز الاستخبارات الداخلية قد يراقب التجمعات السكانية في ولاية ساكسونيا السفلى، فإن حجم هذه المجموعة غير واضح، فيميل أعضاؤها إلى الابتعاد عن لفت الأنظار إليهم وسط السكان الذين يعيشون في منطقة لونبرغ هايد، في إطار عائلات ممتدة أبا عن جد لعدة أجيال.

وهذه الهياكل السكانية تعني أن المجموعة تتخذ شكلا غامضا، ولكنها تتضمن أشخاصا يرتبط بعضهم ببعض بفكرة المستوطنات العرقية، وبالتطرف اليميني، وبالماضي المشترك، وذلك وفقا لمعلومات جهاز الاستخبارات.

ليس من الممكن الحصول على تصريحات من المستوطنين أنفسهم، وحتى في الماضي لم يحدث أن تحدثت هذه المجموعات علنا أمام الجمهور. ويعلق رابي قائلا “أولئك الأشخاص يفكرون للمدى البعيد، وهم يريدون أن يقيموا مجتمعا مختلفا، ويسعون لتحقيق هذا الهدف بدأب”.

وشكل رابي مجموعة تسمى “بهرزت” أي الشجعان، ولديها نحو 500 مؤيد، غير أنه صاحب التوقيع الوحيد فيها، ويقول إن كثيرا من السكان يشعرون بالخوف من المجموعة المتطرفة، ولكنه يدافع عما يعتقد أنه صواب، حتى على الرغم من أن ذلك يعني تلقيه تهديدات ورسائل كراهية، ومكالمات هاتفية في وقت متأخر من الليل.

ويقول الذين يراقبون المشهد إن مزيدا من المتطرفين اليمينيين يستقرون في جيوب بالمناطق الريفية بولاية ساكسونيا السفلى من أجل الانزواء ثم تنظيم شبكات. وترحب إيفا بان وهي من مجموعة من المستشارين المعارضين للتطرف اليميني والداعمين للديمقراطية، بالجهود التي يبذلها رابي، وتقول إن المجموعات التي تماثل مجموعته تسلط الضوء على مشكلة لم تكن ملحوظة منذ فترة طويلة للغاية.

وتسعى بان للترويج للتعايش الديمقراطي في دولة يوجد فيها قلق إزاء مشاعر الكراهية والعنصرية ومعاداة السامية التي كانت سائدة في الماضي، وإزاء عدة فصائل من المجموعات المتطرفة في الوقت الحاضر.

غير أنه يلاحظ أن في المناطق النائية يواجه “المستوطنون القوميون” معارضة لا تذكر، ومطالب محدودة لإقرار التعددية وحقوق الإنسان. ومن ناحية يريد القادمون الجدد الذين يرغبون في الاستقرار بالمنطقة أن يعزلوا أنفسهم، ولكنهم من ناحية أخرى يحاولون أن يشكلوا حياة القرية وأن يؤثروا فيها. وتقول مصادر الشرطة إن أولئك المستوطنين لا يلفتون الأنظار عن طريق خرق القانون، رغم أيديولوجية اليمين المتشدد التي يعتنقونها.

وفي بلدتي أولزن ولونبرغ تخضع الأسر لمراقبة الشرطة، حتى ولو كانت لا تدافع عن آرائها علنا، وفقا لما يقوله كاي ريختر المسؤول الصحفي بقوة شرطة لونبرغ، ويضيف “لكن السلطات تراقب الوضع عن كثب”، ويتابع “يجب علينا ألا نغمض أعيننا، رغم أن هذه المجموعات لا ترتكب جرائم جنائية”.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها