دويتشه فيله : المساعدات الألمانية .. سخاء مهدد بالتقشف في خضم تحديات عالمية متزايدة
تعتبر الذرة مادة غذائية مثالية لمكافحة شح الغذاء في ظل التغيرات المناخية فهي تنمو أيضًا في التربة القليلة الخصوبة وتتحمل الجفاف بشكل جيد كما أنها غنية بالعناصر الغذائية. تُزرع هذه النبتة في الهند منذ آلاف السنين، وتنمو أيضًا على أطراف الصحاري وفي الجبال هناك.
وبناء على اقتراح من الهند، أعلنت الأمم المتحدة عام 2023 “عام الذرة”. أمر في محله تقول وزيرة التعاون الاقتصادي الدولي والتنمية الألمانية، سفنيا شولتسه والتي وصفت الذرة بـ”الغذاء الرائع”. وذلك على هامش زيارتها للهند بمناسبة اجتماع وزراء التنمية لمجموعة العشرين في 11 من يونيو/حزيران.
تقول الوزيرة الألمانية “تُزرع الذرة في جميع أنحاء الهند وتساعد في تنويع الزراعة بشكل أكبر”، وتضيف شولتسه “نظرًا لنجاح الهند في هذا المجال، نرغب الآن بالتعاون معها في مساعدة الدول النامية الأخرى في القارة الأفريقية على زراعة الذرة بشكل أكبر”.
إنه تعاون ثلاثي، حيث تستفيد الدول الفقيرة من الأموال والخبرات الألمانية ومن الطموح الاقتصادي للهند. وتعد ألمانيا حاليا واحدة من أكبر الدول المانحة فيما يخص الشراكات الثلاثية، حيث تساهم في أكثر من 150 مشروعا من هذا القبيل.
الاستفادة من الدول الناشئة
“من دون التعاون الاستراتيجي مع الدول الناشئة مثل الهند، لن يكون بإمكاننا التصدي للتحديات العالمية مثل التغير المناخي”، تؤكد الوزيرة شولتسه في حوار مع DW، وتضيف “نعمل مع الهند بنجاح على إيجاد حلول لتحديات العالم”.
من جهته أيضا يعتبر ماتياس موجي، الأمين العام لمنظمة مكافحة الجوع، مثل هذه الشراكات الثلاثية فكرة جيدة. وفي حديثه مع DW يوضح أن ذلك قد يكون أيضا وصفة ناجحة للمنظمات المدنية. ويضيف موجي “برنامجنا للتغذية “Nutrition Smart Villages” الذي يركز على استشارات التغذية أصبح نموذجا ناجحا. نقوم بتنفيذه في بعض الدول الأفريقية الآن بمساعدة خبراء من الهند.” ويوضح موجي أن الهند أصبحت رائدة فيما يتعلق بالخبرة في مجال الزراعة. وإذا استفادت الحكومة الألمانية من هذا الدور الرائد للهند فستكون هناك فائدة”.
أموال أقل لبرامج التنمية؟
سواء تعلق الأمر بالمشاريع الثلاثية أو غيرها من المشاريع التمويلية الأخرى فقد سجلت ألمانيا عام 2022 رقما قياسيا فيما يخص منح المساعدات التنموية التي قدمتها والتي بلغت 33.3 مليار يورو. وبذلك تحتل ألمانيا المركز الثاني في ترتيب البلدان المانحة بعد الولايات المتحدة.
لكن هل سيبقى الأمر كما هو عليه مستقبلا؟ بسبب وباء كورونا والغزو الروسي على أوكرانيا وأزمة الطاقة اضطرت ألمانيا للدخول في مديونية كبيرة. لذلك من المتوقع أن تلجأ الحكومة الألمانية إلى التقشف عام 2024. وتؤكد وزيرة التعاون الدولي والتنمية لـ DW أنها تتواجد حاليا في خضم المناقشات مع وزير المالية الاتحادي حول ميزانية التنمية للعام المقبل.
وتوضح الوزيرة بهذا الخصوص “أدافع على ضرورة وجود تمويل مرضي للعمل التنموي في ظل التحديات العالمية المتزايدة مثل التغير المناخي وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا”.
في اتفاقية التحالف الحكومي، اتفق الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر على زيادة الإنفاق على برامج المساعدات التنموية بشكل متساوي مع زيادة الإنفاق على الجيش. لكن الجيش الألماني سيحصل على 100 مليار يورو إضافية خلال الخمس سنوات القادمة من خارج الموازنة العامة. وبالتالي، تقول الحكومة الاتحادية، فإن الربط بين نفقات الجيش ونفقات التنمية لا ينطبق في هذه الحالة.
من جهته يعبر ماتياس موجي من منظمة مكافحة الجوع عن قلقه من أن تؤدي التقليصات في الميزانية المخصصة للمساعدات التنموية إلى توقف الإجراءات الضرورية سواء تلك المتعلقة بالمساعدات الإنسانية أو المتعلقة بالتعاون التنموي طويل المدى.
ويوضح موجي “ألمانيا في الأعوام الأخيرة أصبحت تتمتع بسمعة جيدة جدا كثاني أكبر دولة مانحة في العالم وكشريك موثوق. على ألمانيا ألا تخيب الآن هذه الثقة وإنما التمسك بمصداقيتها وسخائها”.
“توجه غير مقبول” بالنظر إلى أزمة الجوع العالمية
نفس الرأي يذهب إلية جوشوا هوفرت، المتحدث الرئيسي لمؤسسة “تير ديز أوم” لرعاية الأطفال. ويشير في حوار مع DW إلى أن هناك خشية من أن تخفض الميزانية المخصصة لوزارة التنمية وكذلك لوزارة الخارجية”، “وهذا أمر غير مقبول تمامًا في ظل الأزمات المتعددة التي نواجهها، مثل أزمة المناخ والحرب على أوكرانيا وأزمة الجوع العالمية”، يشدد هوفرت .وقامت منظمة “مكافحة الجوع ومؤسسة “تير ديز أوم” معًا بإصدار “بوصلة 2023 – لواقع السياسة الألمانية للتنمية، وفيها تطالب المنظمتان بأن لا يتم الخفض في النفقات الألمانية المخصصة للتنمية. كما تدعو ألمانيا إلى التركيز على مبادئحقوق الإنسان كمعيار خلال التعاون الإنمائي الدولي.
المساعدات المخصصة للبلدان الأكثر فقرا؟
يقول هوفرت: “ننتقد عدم حصول البلدان الأكثر فقرا على ما يكفي من الدعم من بلد مثل ألمانيا”. في كثير من الأحيان، تركز ألمانيا في التعاون الإنمائي على البلدان التي تمتلك قوة اقتصادية قوية نسبيا مثل الهند، حيث يمكن توقيع اتفاقيات تجارية جيدة. “وهو ما يعود في النهاية بالنفع على ألمانيا نفسها، ولا يكون له أثر كبير في مجال التعاون الإنمائي”، يضيف هوفرت.
وتعقب وزيرة التنمية والتعاون الدولي الألمانية على ذلك بالقول إن معظم الفقراء لا يعيشون في البلدان المتخلفة وإنما في البلدان ذات الدخل المتوسط. وتوضح الوزيرة في مقابلة مع DW “الدول الصناعية وعدت بتخصيص 0.2 من الناتج الإجمالي المحلي لمساعدة البلدان الفقيرة في العالم. رغم ذلك فإن مساهمة ألمانيا في تلك المساعدة بلغت عام 2022، نسبة 0.13 من ناتجها الإجمالي المحلي “.
مجموعة العشرين تريد سياسة تنمية نسوية
بعد اجتماع وزراء التنمية لمجموعة العشرين في الهند، عبرت شولتسه عن سعادتها بكون أن المساواة بين الجنسين ستلعب دورًا أكبر في سياسة التنمية الدولية مستقبلا. إذ لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة إلا من خلال تمكين النساء والفتيات. وترغب شولتسه في الدفاع عن سياسة التنمية النسوية هذه. (DW)[ads3]