ألمانيا : انقسامات في الائتلاف الحاكم بشأن الاعتماد على الصين
يستعد المستشار الألماني أولاف شوتز الأسبوع المقبل، لاستقبال وفد صيني كبير في برلين، إلا أن ائتلافه الحاكم المكون من ثلاثة أحزاب يخفي انقسامات بشأن ما يجب أن يفعله أقوى اقتصاد أوروبي بشأن الاعتماد على الصين، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
ورغم اتفاق الجميع على “إزالة المخاطر”، المصطلح الذي يتردد أيضاً في بروكسل وواشنطن، فإن تفسيرات المفهوم تتراوح بين تقييد التجارة والاستثمار في التقنيات شديدة الحساسية إلى مصطلحات أوسع.
وأثار البعض في الحكومة الفيدرالية الألمانية شكوكاً بشأن “النهج الحذر” الذي يتبعه شولتز بينما تسعى ألمانيا، التي كانت تستورد في الماضي أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا، إلى استخلاص الدروس من الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقالت “فاينانشيال تايمز”، الأحد، إن الجولة السابعة من المشاورات الحكومية المشتركة بين بكين و ألمانيا ستكون أول اجتماع وجهاً لوجه منذ جائحة فيروس كورونا، وستكون أيضاً أول زيارة خارجية لرئيس مجلس الدولة الجديد، لي تشيانج.
ومن المقرر أن يلتقي لي، الأمين السابق للحزب الشيوعي في شنغهاي الذي أقنع شركة تسلا، ببناء أول مصنع لها خارج الولايات المتحدة في المدينة، مع قادة أعمال و وزراء ألمان.
وقال وانج يي وي، مدير معهد الشؤون الدولية بجامعة رينمين الصينية، إن الأولوية القصوى لبكين خلال المحادثات ستكون “إعادة العلاقات بين ألمانيا والصين إلى مسارها الصحيح، بعد الحديث عن إزالة المخاطر، وحرب أوكرانيا، وغياب التواصل أثناء جائحة كورونا”.
حذر شولتز
وتأتي المشاورات في فترة تشهد خلافات داخل الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع بشأن كيفية التعامل مع التوترات العميقة بين الولايات المتحدة والصين وقضية تايوان.
وقال مسؤولون ألمان، إن “حذر” شولتز من الصين يزداد تدريجياً، وأنه لا يتجاهل المخاطر التي تشكلها، إذ أعلنت برلين في وقت سابق العام الجاري، بعد تعرضها لضغط أميركي، استعدادها لإعادة النظر في استخدام مكونات شبكات الاتصال التي تنتجها شركتا “هواوي” و”زد تي إي” الصينيتين.
ورأت الصحيفة أن المستشار الألماني “أكثر تساهلاً” من شركائه في التحالف حزب الخضر، الذين يدعون إلى اتباع نهج أكثر صرامة تجاه الصين، بما في ذلك وزيرة الخارجية، أنالينا بيربوك، ونائب المستشار، روبرت هابيك.
ورفض شولتز، الشهر الماضي، اعتراضات تحالف الخضر على موافقته على خطة لاستحواذ تكتل صيني على حصة نسبتها 24.99% في محطة الحاويات في ميناء هامبورج.
بدوره، قال ميكو هووتاري، المدير التنفيذي لمؤسسة معهد مركاتور لدراسات الصين البحثية الألمانية، إن الأولوية الرئيسية لسياسة إزالة الخطر الألمانية تتمثل في المواد الخام الهامة وسلسلة التوريد.
ويرى هووتاري أن اتباع نهج تكاملي من شأنه أن “يقيم الدور الذي تلعبه الشركات الصينية في البنية التحتية الحيوية في ألمانيا، وضوابط التكنولوجيا، وأساليب فحص الاستثمارات الخارجية، والاعتماد المفرط للشركات الألمانية على الصين”.
وقبل أيام من وصول الوفد الصيني، الذي سيضم وزراء ورجال أعمال، إلى ألمانيا، تبنت حكومة شولتز أول استراتيجية للأمن القومي في تاريخ البلاد، والتي وصفت بكين بأنها تسعى بشكل عدواني إلى الهيمنة الإقليمية، وترتكب أعمالاً متكررة تتعارض مع مصالح وقيم ألمانيا.
أكبر شريك تجاري
ومع ذلك، كانت الصين أكبر شريك تجاري لألمانيا للعام السابع على التوالي في عام 2022، إذ بلغت قيمة التجارة الثنائية 300 مليار يورو تقريباً، وهو رقم كبير مقارنة بحجم تجارة ألمانيا مع روسيا قبل غزو أوكرانيا.
ووصلت تدفقات الاستثمار الألمانية المباشرة في الصين إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في عام 2022، عندما بلغت 11.5 مليار يورو.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر لألمانيا في الصين بلغ 114 مليار يورو في نفس العام، وفقاً لمعهد كولونيا للأبحاث الاقتصادية.
علاوة على ذلك، تعتبر أكبر شركات صناعة السيارات في ألمانيا مثل “فولكس فاجن”، وBMW، ومرسيدس بنز، الصين أكبر سوق لها، وتستثمر فيها للدفاع عن حصتها في السوق، وسط تصاعد المنافسة مع شركات السيارات الصينية.
ورغم تحذيرات الحكومة، تعهد مسؤولون تنفيذيون في شركات صناعة السيارات، وشركة “باسف” العملاقة للكيماويات، وشركة “سيمنس” بالدفاع عن تواجدهم في الصين والعمل على توسيع نطاقه.
وقال مسؤول أوروبي كبير، إن الشركات الألمانية الكبيرة “انفصلت عن الحكومة” فيما يتعلق بالصين، لافتاً إلى أن محاولة عرقلة الشركات الألمانية التي تحقق أرباحاً كبيرة في الصين ستكون “غبية”.
لكن آخرون في برلين ينظرون إلى الأمر بشكل مختلف، حيث يشعرون بالقلق من عواقب السماح لبعض من أقوى الشركات في البلاد بالاستمرار في تجاهل المخاطر الجيوسياسية عن عمد، بحسب الصحيفة.
وقال مسؤولون وممثلون لدوائر الصناعة في ألمانيا إن مواقف الشركات، بعيداً عن قطاعي السيارات والكيماويات، تجاه الصين تتغير، وأن الشركات المتوسطة، التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الألماني، تتبع نهجاً أكثر حذراً إزاء المخاطر الجيوسياسية.
ورغم أن ما يقرب من 55 % من الشركات الألمانية تخطط إلى زيادة استثماراتها في الصين، لا يزال هذا الرقم أقل بكثير من المستوى الذي كان عليه قبل جائحة كورونا، عندما بلغت النسبة 72%، بحسب دراسة حديثة أجرتها غرفة التجارة الألمانية في الصين.[ads3]