بي بي سي : من هي العقول المدبرة للحرب في الدائرة المقربة من بوتين ؟
لطالما بدا فلاديمير بوتين وكأنه رجل منعزل مع استمرار الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، لكن حاشية شديدة الولاء تدعم موقفه لم تتغير كثيراً منذ سنوات.
كقائد أعلى، تقع المسؤولية النهائية للغزو على عاتقه، لكنه يعتمد على دائرة داخلية، تشمل العديد ممن دشنوا حياتهم المهنية في أجهزة الأمن الروسية.
وكان رئيس فاغنر يفغيني بريغوجين حليفاً وثيقاً وقوياً، لكنه لم يكن يوماً جزءاً من تلك الدائرة. إذاً لمن يستمع الرئيس الروسي في هذه اللحظة الحاسمة للحرب؟
لأشهر، ظل رجلان في مرمى بريغوجين، وهما وزير الدفاع سيرجي شويغو وقائد القوات المسلحة فاليري غيراسيموف.
واتهم كلاهما بالمسؤولية عن مقتل عشرات الآلاف من الروس في الحرب في أوكرانيا. وبذلك تحول ما كان نزاعاً مريراً وطويل الأمد إلى أزمة وطنية.
إذا كان الرئيس يسمع لرأي أي شخص، فهو وزير دفاعه، المقرب منه منذ فترة طويلة والذي ذهب معه في الماضي في رحلات الصيد وصيد الأسماك في سيبيريا وكان يُنظر إليه على أنه خليفة محتمل.
اتبع شويغو خطى بوتين بإخلاص، أولاً أن روسيا كانت تنزع السلاح عن أوكرانيا ثم أن “الغرب الجماعي” هو الذي شن الحرب، وليس روسيا.
تتساءل أحياناً إلى أي مدى يمكن أن يصل شويغو إلى أذن الرئيس بوتين. التقطت هذه الصورة الاستثنائية بعد ثلاثة أيام من بداية الغزو في فبراير/شباط 2022.
كانت الحملة العسكرية الروسية بالكاد بدأت وكانت روسيا تعاني مع مقاومة أوكرانية غير متوقعة وانخفاض الروح المعنوية العسكرية.
وقالت فيرا ميرونوفا، المتخصصة في النزاعات المسلحة: “كان من المفترض أن يسير شويغو نحو كييف؛ إنه وزير الدفاع وكان من المفترض أن يفوز بها”.
ومع ذلك، لا يزال يلعب دورا حيويا في الحرب، على الرغم من أن بريغوجين يتهمه بالكذب على الرئيس بشأن الواقع على الأرض في أوكرانيا.
كما يُنسب إليه الفضل في الاستيلاء العسكري على شبه جزيرة القرم في العام 2014. وكان أيضاً مسؤولاً عن مديرية المخابرات الرئيسية، المتهمة بارتكاب عمليتي تسمم بغاز الأعصاب في هجوم 2018 المميت في سالزبري في المملكة المتحدة والهجوم شبه المميت على زعيم المعارضة أليكسي نافالني في سيبيريا في العام 2020.
وتبدو الصورة أكثر سوءاً عندما تشاهدها عن قرب. وتقول ميرونوفا: “تبدو وكأنها جنازة”.
قد يبدو الأمر غريباً، لكن الخبير الأمني والكاتب الروسي أندريه سولداتوف، أشار إلى أن وزير الدفاع هو أكثر الأصوات نفوذاً التي يسمعها الرئيس.
وقال: “شويغو ليس مسؤولاً عن الجيش فحسب، بل هو أيضاً مسؤول جزئياً عن الأيديولوجيا – وفي روسيا، الأيديولوجيا تدور في الغالب حول التاريخ وهو مسيطر على السرد”.
فاليري غيراسيموف – رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية
كرئيس للأركان، كانت وظيفته غزو أوكرانيا وإكمال المهمة بسرعة، وبهذا المعيار، لم ينجز المهمة بالشكل المطلوب.
لكن هناك سبب لكونه رئيس الأركان الذي خدم لأطول فترة منذ الحقبة السوفياتية. من الواضح أن فلاديمير بوتين يثق به.
ولعب دوراً رئيسياً في الحملات العسكرية الروسية منذ أن قاد جيشاً في حرب الشيشان في العام 1999 وكان في طليعة التخطيط العسكري لأوكرانيا أيضاً، وأشرف على التدريبات العسكرية قبل الحرب في بيلاروسيا.
ووصف المتخصص في الشأن الروسي، مارك غاليوتي، الجنرال غيراسيموف بأنه “غير مبتسم وخشن” وكان له دور رئيسي في الحملة العسكرية لضم شبه جزيرة القرم.
وفي بداية غزو أوكرانيا، كان هناك حديث عن إمكانية استبداله بسبب البداية المتعثرة للغزو والتقارير عن ضعف الروح المعنوية بين الجنود الروس.
ولم يظهر غيراسيموف في العرض العسكري السنوي في موسكو في مايو/أيار 2022. ومع ذلك، تم تعيينه في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، قائداً للقوات في أوكرانيا، ليحل مكان الجنرال سيرغي سوروفكين، الذي يشغل الآن منصب نائبه.
وقال أندريه سولداتوف: “بوتين لا يمكنه السيطرة على كل طريق وكل كتيبة، وهذا هو دوره”.
نيكولاي باتروشيف – أمين عام مجلس الأمن القومي الروسي
يقول بن نوبل، الأستاذ المشارك في السياسة الروسية في يونيفيرسيتي كوليدج لندن: “باتروشيف هو من الصقور الأكثر تشدداً، حيث يعتقد أن الغرب يسعى للتغلب على روسيا منذ سنوات”.
إنه واحد من ثلاثة من الموالين لبوتين الذين خدموا معه منذ سبعينيات القرن الماضي في سان بطرسبرغ، عندما كانت ثاني مدينة في روسيا لا تزال تُعرف باسم لينينغراد.
والداعمان الآخران هما رئيس جهاز الأمن ألكسندر بورتنيكوف ورئيس المخابرات الخارجية سيرغي ناريشكين. تُعرف جميع الدوائر المقربة من الرئيس باسم “سيلوفيكي”، أو المنفذين، لكن هذا الثلاثي أقرب من الرئيس من جميع الأفراد الآخرين.
قلة هم الذين يملكون نفس القدر من التأثير على الرئيس مثل نيكولاي باتروشيف. لم يعمل معه فقط في لجنة أمن الدولة خلال الحقبة الشيوعية، بل حل محله كرئيس للمنظمة التي خلفتها، جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، من 1999 إلى 2008.
خلال اجتماع غريب لمجلس الأمن الروسي، قبل ثلاثة أيام من بدء الغزو، دفع باتروشيف برأيه القائل بأن “الهدف الملموس” للولايات المتحدة هو تفكيك روسيا.
واتهم منذ ذلك الحين الولايات المتحدة بالتحضير “لحرب بيولوجية”، واتهم كل من واشنطن ولندن بقيادة الغرب على أمل هزيمة روسيا.
وعندما تم تفجير سد كاخوفكا في جنوب أوكرانيا التي تحتلها روسيا في هجوم روسي مشتبه به، ألقى باللوم في الحادثة على أوكرانيا، بدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلفائهما في الناتو.
ويقول بن نوبل: “إنه الشخص الذي لديه صرخة المعركة الرئيسية وهناك شعور بأن بوتين أصبح أقرب من موقفه الأكثر تطرفاً”.
ألكسندر بورتنيكوف – رئيس هيئة الأمن الفيدرالي الروسي
يقول مراقبو الكرملين إن الرئيس يثق في المعلومات التي يتلقاها من الأجهزة الأمنية أكثر من أي مصدر آخر، ويُنظر إلى ألكسندر بورتنيكوف على أنه جزء من حرم بوتين الداخلي.
بورتنيكوف هو عنصر قديم آخر من لجنة أمن الدولة في زمن لينينغراد، وتولى قيادة جهاز الأمن الفيدرالي الروسي البديل عندما ترك نيكولاي باتروشيف منصبه.
ويتمتع الجهاز بنفوذ كبير على أجهزة إنفاذ القانون الأخرى وحتى أن لديه قواته الخاصة.
ويعتبر بورتنيكوف مهماً، لكنه ليس موجوداً لتحدي الزعيم الروسي أو تقديم المشورة مثل الآخرين، بحسب ما يعتقد أندريه سولداتوف.
سيرغي ناريشكين – مدير جهاز الاستخبارات الخارجية
استكمالاً لثلاثي رجال زمن لينينغراد القدامى، ظل سيرغي ناريشكين إلى جانب الرئيس طوال معظم حياته المهنية.
لم يمنع ذلك الرئيس بوتين من توبيخه أمام الكاميرات عندما نسي ما يجب عليه القول عند سؤاله عن تقييمه للوضع قبل الحرب.
وتم تحرير فيديو الجلسة المطولة، ولذلك يمكن القول إن الكرملين قرر بوضوح إظهار عدم ارتياح ناريشكين أمام جمهور تلفزيوني كبير.
وقال أندريه سولداتوف: “يحب بوتين المزاح مع دائرته الداخلية، وقد جعله [ناريشكين] يبدو أحمقاً”.
ولطالما عمل سيرغي ناريشكين كرئيس ظل في سان بطرسبرج في التسعينيات، ثم في مكتب بوتين في عام 2004 وأصبح في النهاية رئيساً للبرلمان. لكنه أيضاً يرأس الجمعية التاريخية الروسية وأثبت أهميته في تزويد الرئيس بأسباب أيديولوجية لأفعاله.
ونفى ذات مرة في مقابلة مع ستيف روزنبرغ محرر بي بي سي روسيا، أن موسكو نفذت عمليات تسميم أو قامت بهجمات إلكترونية أو تدخلت في انتخابات دول أخرى.
سيرغي لافروف – وزير الخارجية
كان أكبر دبلوماسي روسي على مدى 19 عاماً، حيث قدم قضية روسيا إلى العالم، حتى لو لم يكن يعتبر أن له دوراً كبيراً في صنع القرار.
سيرغي لافروف، 73 عاماً، هو دليل آخر على أن فلاديمير بوتين يعتمد بشدة على شخصيات من ماضيه.
ومن غير المرجح أن يكون قد اهتم لانسحاب معظم أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بينما كان يحاول الدفاع عن الغزو الروسي لأوكرانيا بعد أيام من بدئه.
وعلى الرغم من أنه كان موالياً لبوتين منذ البداية، إلا أنه لا يُعتقد أن له أي دور في صنع القرار بشأن أوكرانيا.
وتتمثل مهمته في حشد الدعم لروسيا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأماكن أخرى والترويج لبلاده كمحارب للاستعمار.
ولقد أخذ لافروف خطاب الحرب الروسي إلى أقصى الحدود في محاولة تصويره أوكرانيا على أنها “نظام نازي”.
وقال إن حقيقة كون رئيس أوكرانيا يهودياً لا تعني شيئاً. وأضاف: “يمكن أن أكون مخطئاً، ولكن هتلر أيضاً كان لديه دم يهودي”.
فالنتينا ماتفيينكو – رئيسة مجلس الاتحاد
هي وجه أنثوي نادر في حاشية بوتين، أشرفت على تصويت مجلس الشيوخ للمصادقة على نشر القوات الروسية في الخارج، مما مهد الطريق لغزو أوكرانيا.
فالنتينا ماتفينكو موالية أخرى لبوتين من سان بطرسبرغ، ساعدت أيضاً في توجيه عملية ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014.
لكنها لا تعتبر من صناع القرار الأساسيين. ولذلك، قلة من الناس يمكنهم أن يقولوا بيقين كامل من الذي يتخذ القرارات المهمة والكبرى في روسيا.
فيكتور زولوتوف – مدير الحرس الوطني
كان حارساً شخصياً سابقاً للرئيس، وهو يدير الآن الحرس الوطني الروسي، الذي شكله الرئيس بوتين في العام 2016 كنوع من الجيش الشخصي على غرار الحرس الإمبراطوري الروماني.
من خلال اختياره لحارس أمنه الشخصي لقيادته، تأكد بوتين من ولائه، وزاد فيكتور زولوتوف أعداد عناصره إلى 400000.
وعلى الرغم من أنه ليس لديه خلفية عسكرية، فقد تم تكليف الحرس الوطني بمجموعة واسعة من المهام للسيطرة على المناطق المحتلة في أوكرانيا خلف خط المواجهة ويقال إنه تكبد خسائر فادحة في صفوفه.
وقالت المخابرات الدفاعية البريطانية إن قوات الأمن الروسية “وخاصة الحرس الوطني” ستكون أساسية لكيفية انتهاء أزمة بريغوجين.
إلى من يستمع بوتين أيضاً؟
لدى رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، مهمة لا يحسد عليها لإنقاذ الاقتصاد، ولكن ليس له رأي يذكر في الحرب.
عمدة موسكو سيرغي سوبيانين ورئيس شركة النفط الحكومية العملاقة روسنفت، إيغور سيتشين، مقربان أيضاً من الرئيس، وفقاً للمحلل السياسي يفغيني مينتشينكو.
ولطالما كان الأخوان المليارديران بوريس وأركادي روتنبرغ، اللذين كانا أصدقاء طفولة للرئيس، من أقرب المقربين أيضاً. وفي العام 2020، صنفتهم مجلة فوربس على أنهما أغنى عائلة في روسيا. (BBC)
[ads3]