دويتشه فيله : ما أسباب تزايد شعبية حزب البديل اليميني الشعبوي في ألمانيا ؟
يشعر الساسة ووسائل الإعلام في ألمانيا بالقلق إزاء صعود أسهم الحركات اليمينية الشعبوية بعد فوز حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي بمنصب عمدة مدينة في ولاية سكسونيا-آنهالت وقبله فاز الحزب بأول منصب قيادي في البلديات الألمانية.
وبهذا، يعد “البديل” أول حزب يميني شعبوي يحقق هذا النجاح منذ الحرب العالمية الثانية بعد أن فاز مرشحه هانيس لوت في جولة الإعادة التي جرت الأحد (الثاني من تموز/ يوليو 2023) في انتخابات مدينة راغون-يسنيتس بولاية سكسونيا-آنهالت على منافسه المرشح المستقل نيلز ناومان.
وقبل أسبوع، فاز الحزب اليميني الشعبوي بأول منصب قيادي في البلديات الألمانية عندما تمكن روبرت زيسلمان السياسي المنتمي للحزب من حسم انتخابات الإعادة على منصب رئيس دائرة زونيبرغ جنوب ولاية تورينغن شرقي ألمانيا.
ورغم أن تعداد سكان زونيبرغ وراغون-يسنيتس صغير نسبياً، إلا أن نتائج الانتخابات بهما تعد هامة لأنها تؤكد على وجود نزعة متزايدة في ألمانيا تشير إلى أن حزب “البديل” يحظى الآن بدعم 20 ٪ من الناخبين الألمان وهي نسبة تقترب من نسبة تأييد الحزب الديمقراطي الاشتراكي المنتمي إلى تيار يسار الوسط بزعامة المستشار أولاف شولتس.
ويختلف المحللون السياسيون في تفسير ما يحدث؛ إذ يرجع البعض ذلك إلى الخلافات بين أركان الحكومة لا سيما حول قوانين حماية المناخ. وفي ذلك، قالت أورسولا مونش، مديرة “أكاديمية توتزينغ للتثقيف السياسي” في بافاريا، إن سياسات الحكومة الائتلافية “تثير قلق الناس، وأعتقد أن الذين يشعرون بالسخط تجاه سياسة الحكومة يتم حشدهم عن طريق حزب البديل في الوقت الراهن بوتيرة كبيرة”.
وتقدم جامعة لايبزيغ من خلال دراسة نشرتها مؤخراً، تفسيراً بسيطاً لهذا الأمر لكنها أثارت الكثير من القلق إذ تفيد بأن العديد من الناخبين الألمان خاصة في شرق البلاد لديهم وجهات نظر عنصرية.
وفي نهاية يونيو / حزيران الماضي، أثارت نتائج استطلاع آخر أجراه معهد سينوس للأبحاث الاجتماعية نفس القدر من القلق إذ كشفت عن أن التوجه الشعبوي لحزب البديل يكتسب المزيد من الدعم بين الألمان من أبناء الطبقة الوسطى. وأشارت الدراسة إلى نمو شريحة الطبقة الوسطى من ناخبي حزب البديل من نسبة 43٪ قبل عامين إلى نسبة 56٪ في الوقت الراهن.
ولم يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل أشار الاستطلاع إلى وجود مؤشرات على اتساع القاعدة الانتخابية لحزب “البديل”؛ إذ أن ناخبي الحزب اليميني الشعبوي ممن ينتمون إلى الطبقة الوسطى ليسوا محصورين في الطيف الذي يطلق عليه استطلاع “معهد سينوس للأبحاث الاجتماعية” الطيف “المحافظ الذي يشعر بالحنين إلى الماضي” بين الطبقة الوسطى بل يمتد إلى الطيف “البراغماتي التكيفي” في إشارة إلى فئات المجتمع التي تغير ولاءاتها السياسية حسب ظروف كل مرحلة.
وفي مقابلة مع DW، قالت زيلكه بورغشتيت، مديرة “معهد سينوس للأبحاث الاجتماعية”، إن ما نرصده في الوقت الراهن يشير إلى أن “الطبقات المتوسطة الأصغر والأكثر حداثة التي في الواقع أكثر تعليماً تظهر أيضاً ميلاً إلى حزب البديل، وذلك على الرغم من أننا لا نستطيع القول حتى الآن بأن ذلك يرجع إلى تقاعس الأحزاب الأخرى عن وضع برنامج مناسب أم أن الأمر كان قراراً واعياً”.
من جانبه، أكد المستشار الألماني أولاف شولتس على أن صعود حزب البديل ليس له علاقة بالخلافات داخل أركان حكومته؛ إذ أن الحزب الذي يمكن القول بإنه يواجه أكبر معضلة هو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي يمثل تيار يمين الوسط. فرغم تقدم الحزب في استطلاعات الرأي، إلا أنه لم يستفيد بشكل كبير من الخلافات داخل الحكومة الائتلافية. فعلى سبيل المثال، اضطر فريدريش ميرتس، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي، إلى التراجع عن الوعد الذي قطعه على نفسه عام 2019 بأنه سيعمل على خفض قاعدة ناخبي حزب البديل بمعدل النصف فيما ظل خطابه معادياً أكثر لتيار اليسار أكثر من مناهضة الأحزاب اليمينية.
وحتى بعد النجاحات الأخيرة التي حققها حزب البديل، أعلن ميرتس الأسبوع الماضي أن حزب الخضر يظل “الخصم الرئيسي” لحزبه على الرغم من أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي منخرطاً في تحالف حكومي مع حزب الخضر في ست ولايات من أصل 16 ولاية في ألمانيا.
وتقول أورسولا مونش، مديرة “أكاديمية توتزينغ للتثقيف السياسي” في بافاريا، إنها ليست على يقين حيال نجاعة مثل هذا الأسلوب في انتقاد حزب الخضر، لكنها تعتقد أن آخر شيء يمكن أن تفعله الأحزاب الكبرى في البلاد يتمثل في بناء “جدار واقي” حول التيارات اليمينية المتشددة من خلال رفض التطرق إلى قضايا معينة لا سيما الهجرة.
وأضافت في مقابلة مع DW: “أعتقد أنه من المهم أن تحاول هذه الأحزاب التنافس سياسياً مع حزب البديل؛ إذ لا يجب أن يبقوا على موقفهم بأن هذا الحزب يعد كياناً يمينياً متشدداً، وبالتالي يرفض التعامل معه بأي شكل من الأشكال”.
يختلف السياسيون في الأحزاب المحافظة في ألمانيا حول المسار الذي يتعين عليهم اتخاذه لمواجهة صعود الحركات الشعبوية المتشددة؛ إذ في الوقت الذي تجنب فيه البعض الخطاب الانفعالي الذي يؤجج المشاعر بهدف تقديم أنفسهم على أنهم شخصيات حزبية مسؤولة تنتمي إلى الحكومة، حقق آخرون نجاحاً كبيراً. ويعد هوبرت أيفانجر زعيم حزب “الناخبين الأحرار” في ولاية بافاريا الغنية من الأمثلة البارزة على ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن حزب “الناخبين الأحرار” يعد حزباً شعبويا يمينياً، إلا أنه ليس متطرفاً.
وانطلاقاً من موقعه كوزير الاقتصاد في حكومة ولاية بافاريا وزعيم الأقلية الشريكة في حكومة الولاية مع الاتحاد الاجتماعي المسيحي المحافظ، فقد أثار أيوانجر مؤخراً ضجة عندما قال أمام حشد من المتظاهرين ضد سياسات الحكومة الفيدرالية لحماية المناخ: “بلغنا الآن نقطة تفرض على الغالبية العظمى الصامتة في هذا البلد استعادة الديمقراطية”.
وقد أثارت هذه التصريحات دعوات تطالب أيفانجر بالاستقالة، لكنه أصر على أن حديثه لم يكن سوى محاولة للدفاع عن قاعدة تيار الوسط الديمقراطي حيث قال في مقابلة مع صحيفة “دي تسايت”: “لولي لكانت ولاية بافاريا تعيش في وضع أكثر استقطاباً”، مشيراً إلى أن حزب “البديل” في ولاية بافاريا لا يمكنه الحصول إلا على 10٪ في استطلاعات الرأي، أي ما يمثل نصف نسبة دعم حزب “البديل” على الصعيد الوطني في عموم البلاد.
بيد أن ما يثير قلق الكثيرين يكمن في أن العديد من الناخبين الألمان لم يثنهم عن دعم حزب “البديل” كونه عنصرياً بشكل معلن في كثير من الأحيان وأيضاً كونه حزباً يخضع للمراقبة باعتباره تهديداً محتملاً للنظام الدستوري في البلاد.
يشار إلى أن المكتب الفيدرالي لحماية الدستور، جهاز الاستخبارات الداخلي، قد صنف كيانات داخل حزب “البديل” على أنها يمينية متطرفة فيما يمثل الحزب ككل “كياناً يحوطه كثير من الشبهات”.
لكن أورسولا مونش، مديرة “أكاديمية توتزينغ للتثقيف السياسي” في بافاريا، قالت إن الكثير من الألمان ليس فقط في شرق البلاد ينتقدون طريقة عمل أجهزة الاستخبارات. وأضافت أن توماس هالدينوانغ، رئيس المكتب الفيدرالي لحماية الدستور، بدى عليه خلال مؤتمر صحفي مؤخراً بأنه يقترح على الناخبين الألمان التفكير مرتين قبل التصويت لصالح حزب “البديل”. وقالت “هذا الأمر ليس من مهام عمل المكتب الفيدرالي لحماية الدستور؛ إذ أن ناخبي حزب البديل يرون أن مثل هذه المواقف ترمي إلى نزع الشرعية عن الحزب خاصة في شرق البلاد وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية في ضوء تجاربهم مع الشرطة السرية المعروفة باسم “شتازي” في ألمانيا الشرقية بين عامي 1949 و1990″.
ورغم صعود حزب “البديل”، إلا أن زيلكه بورغشتيت، مديرة “معهد سينوس للأبحاث الاجتماعية”، قالت إنه لا داعي لحدوث حالة ذعر بين الأحزاب الكبرى في البلاد، مضيفة “هناك قاعدة يمينية متشددة وهناك قسم من الناخبين يتأثر بشدة بالمزاج الحالي ويتفاعل معه، لذا قد يتأرجح المزاج العام قبل الانتخابات العامة المقبلة في عام 2025”. (DW)[ads3]