شبكة بي بي سي: في أكبر مزرعة حشرات في إيطاليا يتم تحويل نحو مليون صرصور إلى مكونات غذائية تدخل في صناعة العديد من الأطباق بشكل يومي
غرفة صغيرة بالقرب من جبال الألب في شمال إيطاليا، توجد حاويات مليئة بملايين حشرات صرصار الليل، مكدسة فوق بعضها البعض.
هل تعلم أن هذه الحشرات التي تقفز وتصدر ضجيجا عاليا على وشك أن تصبح طعاما شهيا للبعض!
ببساطة سيتم تجميدها، وغليها، وتجفيفها ثم طحنها.
هنا في مزرعة الصراصير الإيطالية، أكبر مزرعة حشرات في البلاد، يتم تحويل حوالي مليون صرصور إلى مكونات غذائية تدخل في صناعة العديد من الأطباق بشكل يومي.
إيفان ألبانو، والذي يدير المزرعة، يقوم بفتح غطاء إحدى الحاويات المليئة بدقيق الصراصير المائل الى اللون البني. لاحقا سيستخدم هذا الدقيق في صنع الباستا، والخبز، والفطائر، وألواح الطاقة المعروفة باسم “بروتين بار” وحتى المشروبات الرياضية.
أكل الصراصير، والنمل، والديدان أمر شائع في أجزاء عديدة من العالم مثل آسيا منذ آلاف السنين،
وفي وقت سابق من هذا العام، وافق الاتحاد الأوروبي على بيع الحشرات واستهلاكها كغذاء للبشر. ويبقى السؤال الآن هل سنرى تحولا في مواقف جميع الدول الأوروبية بهذا الشأن؟
لا توجد دولة في أوروبا تقاوم وترفض فكرة إدراج الحشرات في قائمة طعام البشر أكثر من إيطاليا. ووفقا للبيانات الصادرة من شركة YouGov العالمية المختصة بمعرفة الرأي العام، فإن إيطاليا تتصدر قائمة الدول المعترضة على تلك الفكرة، وبالفعل اتخذت الحكومة الإيطالية خطوات لحظر استخدام دقيق الصراصير في صناعة البيتزا والمعكرونة.
وعلى فيسبوك، علّق نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني قائلا:” سوف نعارض، بكل السبل وفي أي مكان، هذا الجنون الذي من شأنه إفقار وإضعاف زراعتنا وثقافتنا”.
لكن هل نحن مقبلون على مرحلة التغيير؟ لقد عكف العديد من المنتجين الإيطاليين على صناعة المعكرونة، والبيتزا، والوجبات الخفيفة من دقيق الصراصير وبصورة متقنة أيضا.
يقول إيفان: “ما نقوم به هنا يحقق مفهومة الاستدامة؛ فنحن نستخدم حوالي 12 لترا من الماء لإنتاج كيلو واحد من دقيق الصراصير، بينما يتطلب الأمر آلاف اللترات من الماء لإنتاج نفس الكمية من البروتين البقري”.
كما أن زراعة الحشرات تحتاج مساحات صغيرة إذا ما قورنت بمساحات الأرض المستخدمة لتربية الحيوانات وإنتاج اللحوم. ونظرا للتلوث الناجم عن صناعة اللحوم والألبان، فإن العديد من العلماء يعتقدون أن الحشرات يمكن أن تكون حلا لمعالجة آثار التغير المناخي.
في مطعم بالقرب من مدينة تورين الإيطالية، قرر الشيف سيمون لودو أن يجري تعديلات على وصفة المعكرونة الخاصة به والتي توارثتها الأجيال على مدى 1000 عام. والآن أصبح الشيف يستخدم دقيق الصراصير بنسبة 15 في المئة، في خليطه التقليدي المعتاد.
لطبق المعكرونة هذا رائحة قوية بنكهة المكسرات.
يرفض بعض رواد المطعم تجربة معكرونة التالياتيلي المصنوعة من دقيق الصراصير، لكن أولئك الذين جربوها بمن فيهم أنا تفاجئوا بمذاقها الجيد.
بصرف النظر عن الطعم، فإن دقيق الصراصير يعتبر من الأطعمة الخارقة الغنية بالفيتامينات والألياف والمعادن والأحماض الأمينية. وعلى سبيل المثال، فإن طبقا واحدا من هذا الدقيق يزود الجسم بكمية من الحديد والمنغنيسيوم أكثر من شريحة ستيك بقرية.
لكن هل يعد استخدام دقيق الصراصير بديلا أفضل لمن يرغبون في تقليل استهلاك للحوم؟ المسألة الرئيسية تتمحور حول السعر.
يقول إيفان:” إذا كنت ترغب في شراء طعام يعتمد في صناعته على دقيق الصراصير، فاعلم أن ذلك سيكلفك المزيد من الأموال، هذا منتج فاخر ويكلف حوالي 60 يورو للكيلوغرام الواحد. وإذا كنت تتناول معكرونة مصنوعة منه فيمكن أن يصل سعر العبوة الواحدة إلى 8 يورو”.
وهذا السعر يفوق سعرالمعكرونة العادية التي تباع في المتاجر بثمانية أضعاف.
في الوقت الحالي، لا يزال طعام الحشرات مقتصرا على طبقة معنية في المجتمعات الغربية، فأسعار الدواجن ولحوم البقر منخفضة مقارنة بالحشرات، كما يمكن للمزارعين بيع كميات أكبر منها.
يقول كلاوديو لوتيري، الذي يمتلك مزرعة عائلية متوارثة منذ أربعة أجيال، وتقع بالقرب من روما:” اللحوم التي تنتجها مزرعتي أرخص بكثير من دقيق الصراصير، وهي ذات نوعية جيدة جدا”.
لكن الأمر لا يتعلق بالسعر فقط، بل يتعلق بمدى تقبل المجتمع لمثل هذا الطعام.
في جميع أنحاء إيطاليا، يزداد بشكل سريع عدد الأشخاص الذين يبلغون من العمر مئة عام أو أكثر. ويُشير الكثيرون إلى أن نظام البحر الأبيض المتوسط الغذائي هو بمثابة الكأس المقدسة والسبيل السليم للوصول إلى نمط حياة صحي.
يقول كلاوديو: “الإيطاليون يتناولون اللحوم منذ قرون. وإذا استهلكناها باعتدال، فهي صحية بالتأكيد”.
ويعتقد كلاوديو أن طعام الحشرات يمكن أن يشكل تهديدا لتقاليد الطهي الإيطالية المقدسة في هذا البلد.
يقول أيضا: “هذه المنتجات عبارة عن قمامة، نحن لسنا معتادين عليها، فهي ليست جزءا من نظام البحر الأبيض المتوسط الغذائي. ويمكن أن تهدد صحتنا، فنحن لا نعرف ماذا يمكن أن تفعل هذه الحشرات بأجسامنا. أنا ضد هذه المنتجات الغذائية الجديدة تماما وأرفض تناولها”.
وبينما تزداد تربية الحشرات في أوروبا، فإن العداء تجاه هذه الفكرة يزداد أيضا.
ووصف عضو في الحزب اليميني المتطرف “الإخوة الإيطالية” الحاكم، موافقة الاتحاد الأوروبي على استخدام الحشرات للاستهلالك البشري بأنه قرار “يقترب من الجنون”.
وبعد انتخابها، أسست رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني التي تصف إيطاليا بأنها “قوة عظمى في الغذاء” وزارة “صنع في إيطاليا” مهمتها الحفاظ على التقاليد.
وظهرت ميلوني في شريط فيديو وهي تقول بإشمئزاز: ” منتجات الحشرات موجودة على أرفف محالات البقالة! الطحين واليرقات … جيدة ولذيذة؟”.
ووسط مخاوف من أن ترتبط الحشرات بالمطبخ الإيطالي، أصدر ثلاثة وزراء بالحكومة أربعة مراسيم تهدف إلى التصدي لتلك الفكرة. وقال وزير الزراعة فرانشيسكو لولوبريجيدا “من الأساسيات المهمة لدينا، ألا يتم الخلط بين هذا الدقيق والمنتجات الغذائية المصنوعة في إيطاليا”.
والطعام المصنوع من الحشرات ليس موضوعا جدليا في إيطاليا وحدها. ففي بولندا وقبل انتخابات هذا العام، أصبح هذا الموضوع قضية ساخنة ومثيرة للجدل. وفي مارس/ آذار اتهم سياسيون من الحزبين الرئيسيين بعضهم البعض بإدخال سياسات من شأنها إجبار المواطنين على أكل الحشرات. ووصف زعيم حزب المعارضة الرئيسي، دونالد توسك، الحكومة بأنها “مروج لحساء الديدان”.
في حين أن مواطني النمسا وبلجيكا وهولندا هم أكثر تقبلا لأكل الحشرات. ففي النمسا، يأكلون الحشرات المجففة من أجل فتح الشهية، والبلجيكيون منفتحون على تناول الديدان الموجودة في مشروبات الطاقة وسندويشات البرغر، والشوربات.
يقول دانيال سكونياميلو، الذي يدير مطعما يقدم معكرونة التالياتيلي بدقيق الصراصير: ” لسوء الحظ، لا يزال هناك الكثير من المعلومات الخاطئة حول أكل الحشرات”.
يُضيف أيضا:” لقد تعرضت للنقد ولحملات كراهية. تقاليد الطعام مقدسة لدى الكثيرين من الناس. لا يريدون تغيير عاداتهم الغذائية”.
لكنه يقول إن مزيدا من الناس وبدافع الفضول في كثير من الأحيان، يطلبون تذوق منتجات مصنوعة من هذا الدقيق.
الآن، ومع تجاوز عدد سكان العالم ثمانية مليارات نسمة، فإن هناك مخاوف من أن موارد كوكب الأرض قد لا تلبي الاحتياجات الغذائية للعديد من الناس.
ولهذا سيتعين علينا زيادة الإنتاج الزراعي في جميع أنحاء العالم بنسبة 70 في المئة، وفقا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
وقد يصبح الاعتماد على البروتينات الصديقة للبيئة مثل الحشرات في نظامنا الغذائي أمرا ضروريا.
حتى الآن، لا تزال فرص إنتاج وتسويق الأغذية المصنوعة من الحشرات محدودة. لكن من المتوقع أن ينمو هذا القطاع وتنخفض الأسعار بشكل كبير؛ بعد موافقة الاتحاد الأوروبي على استخدام الحشرات للاستهلاك البشري.
يقول إيفان إن الكثير من أصحاب المطاعم والمتاجر يطلبون منتجات مزرعته.
ويضيف “تأثير هذه الصناعة على البيئة يكاد يكون معدوما. نحن جزء صغير من الجهد الذي يمكن أن ينقذ كوكبنا”.(BBC)[ads3]