نيويورك تايمز : ألمانيا .. استراتيجية جديدة للأمن القومي

ليس من المعتاد أن يكون نشر وثيقة سياسية أمراً مثيراً للإثارة، لكن عندما أطلقت الحكومة الألمانية أول استراتيجية للأمن القومي للبلاد في يونيو الماضي، كان لها صدى كبير.

لكن الوثيقة، في النهاية، كانت مخيبة للآمال إلى حد ما. ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه، على الرغم من كل تركيزها على المسائل الملحة المتعلقة بالسياسة الخارجية، بدا أنها تفتقد إلى شيء مهم: تغيير واضح في توجه البلاد.

لأول مرة في فترة ما بعد الحرب، تولي ألمانيا الاهتمام المناسب لبقية العالم. يبدأ هذا مع المستشار «أولاف شولتز»، الذي جعل ألمانيا تتخطى حدودها الأوروبية المعتادة.

ومع ذلك، فإن التحول إلى الخارج هو أكثر من مجرد تحول في السياسة. لعقود من الزمان، أدت جهود ألمانيا للمصالحة مع الدول التي عانت أكثر من الإرهاب النازي إلى ترسيخ علاقاتها مع الحلفاء وشكلت نظرة الألمان لأنفسهم. لكن الواقع الجديد، الذي أطلقته الحرب في أوكرانيا، يتحدى البلاد للخروج من منطقة الراحة الخاصة بها.

بينما تتجاوز ألمانيا الغرب، في مواجهة تاريخها الاستعماري ووجهات نظر الدول الأخرى المختلفة تماما عن ماضيها، فإنها مجبرة على إعادة النظر في إحساسها بالذات. بالنسبة لدولة تفتخر بنفسها بحكم المسؤولية التاريخية وثقافة إحياء الذكرى الحساسة، فهذه ليست مهمة سهلة. وهذا يثبت أنه درس لا بأس به.

كشفت الحرب في أوكرانيا بشكل حاد عن بعض الجوانب التي لا تبدو جيدة لألمانيا. لقد غيرت الحرب الحسابات الاقتصادية والجيوسياسية أيضا. ومن دون الوصول إلى الغاز الروسي وفي بيئة عالمية متغيرة بشكل عميق، بدأت ألمانيا في البحث عن شركاء وحلفاء وأسواق جديدة. لمعرفة المسار الجديد، ما عليك سوى إلقاء نظرة على رحلات السياسيين الألمان في العام الماضي.

قضى وزير الدفاع، بوريس بيستوريوس، أسبوعاً في آسيا الشهر الماضي، مع توقف في سنغافورة وإندونيسيا والهند، التي كانت محط تركيز خاص. إذ كان رئيس الوزراء ناريندرا مودي من أوائل قادة العالم الذين استضافهم شولتز، وقد التقوا كثيرا منذ ذلك الحين. جنبا إلى جنب مع وزيرة الخارجية، أنالينا بربوك، قضى شولتز وقتا طويلا في أفريقيا، حيث ناقش، خلال جولة واسعة النطاق للقارة في مايو من العام الماضي، صفقة غاز مع السنغال، إلى جانب أمور أخرى.

وقد لقيت الوفود الألمانية، في معظمها، ترحيباً حاراً. ومع ذلك، ليس كل شيء وردياً. فدول مثل الهند ليس لديها نفس النظرة إلى الحرب وهي مترددة في الانضمام إلى التحالف الغربي الداعم لأوكرانيا، خوفا من الخسائر الاقتصادية الناجمة عن استعداء روسيا. لكن الحساسية تجاه المظالم التاريخية هي جزء من تفكيرهم. في العديد من البلدان التي تأمل ألمانيا في خطب ودها، يتعمق الاستياء بعد الاستعمار.

وألمانيا، على الرغم من كل مبادراتها، يُنظر إليها على أنها جزء من الغرب المستعمِر. لقد كان ذلك صدمة إلى حد ما، إذ أن ألمانيا ببساطة لا تعتبر نفسها قوة استعمارية سابقة. صحيح أنه بالمقارنة مع الإمبراطوريات البريطانية والفرنسية والإسبانية والهولندية، فإن استعمار ألمانيا بدأ في وقت لاحق وكان نطاقه أصغر. لكن الإمبراطورية الألمانية احتلت أراضي شاسعة معظمها في جنوب غرب وشرق أفريقيا، وكذلك في المحيط الهادئ. لا يتفق الجميع مع النهج الجديد.

ويشكك البعض في مطالب الاعتراف بالحساسيات التاريخية، ويشعرون أن بعض البلدان تستغل تاريخها لدرء الطلب المعقول تماما للتنديد بالإمبريالية الحقيقية. لكن الحكومة ملتزمة.

ويقود شولتز الطريق، ويتعمق في التاريخ الاستعماري من خلال كتب مثل كتاب بانكاج ميشرا «من أنقاض الإمبراطورية»، حول التحرر الفكري لآسيا من أوروبا، و«ريفولوسي» لديفيد فان ريبروك، والذي يدور حول تاريخ نضال إندونيسيا من أجل الاستقلال.

هذه العملية التعليمية ضرورة مطلقة، ليس فقط على مستوى القيادة الألمانية، بل لأن تاريخ ألمانيا فريد من نوعه، والبلدان الأخرى لها تاريخ يستحق المعرفة أيضا. وإذا كانت ألمانيا لا تريد أن تضيع في العالم الجديد، فعليها أن تحسب حسابا كاملا لماضيها وتتعاطف مع آلام الآخرين. وربما بدأت – بحذر – في القيام بذلك.

آنا سوربيري – نيويورك تايمز / الاتحاد[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها