ألمانيا : جدل بعد مقترح لإلغاء الامتياز الضريبي للمتزوجين
قدم الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة المستشار أولاف شولتس اقتراحا يرمي إلى إلغاء قانون “حساب ضريبة دخل الزوجين المشترك” الذي يعود إلى خمسينيات القرن الماضي والذي يقدم مزايا ضريبية سخية لفئة المتزوجين، رغم تعرضه لانتقادات منذ وقت طويل كونه يصب في صالح الأدوار الجندرية التقليدية، فيما يتعين إنفاق الدعم الحكومي للزواج في مجالات أخرى.
ويسمح القانون بتقسيم الدخل المشترك للزوجين إلى النصف، بعد ذلك يتم احتساب الضريبة عن أحد النصفين ومن ثم مضاعفتها للحصول على ضريبة الدخل المستحقةعلى الدخل المشترك. ومن ميزات ذلك أنه يقلص الضريبة المستحقة على صاحب الدخل الأعلى الذي يكون عادة الزوج، لأن دخل الزوجة أقل في غالب الأحيان. وبالنتيجة فإن المزايا الضريبية تبرز كلما زاد التفاوت في الدخل بين الزوجين.
وبما أن الرجال في ألمانيا يحققون دخولا تزيد في المتوسط بنسبة 18 بالمائة عن النساء، يرى كثيرون أن هذا القانون يصب في صالح الرجال ويمنح المتزوجات حافزا ماليا للبقاء في المنزل، فيما تصل قيمة الدعم الحكومي لفئة المتزوجين إلى 28 مليار يورو.
الجدير بالذكر أن ألمانيا تواجه معضلة تتمثل في ارتفاع الديون، وسط تزايد الضغوط على الميزانية. ما دفعها إلى إعلان إلغاء “إعانة الوالدين” للأسر التي يتجاوز دخلها السنوي الخاضع للضريبة 150 ألف يورو وذلك اعتبارا من العام المقبل، وقد تسبب هذا الإعلان في إثارة الكثير من الجدل.
ونقل عن رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لارس كلينغبيل، قوله إنه يرغب في إلغاء ما وصفه “قانون الضرائب القديم” الذي يصب في صالح التقسيم التقليدي للأدوار بين الرجال والنساء بدلا من إلغاء العلاوة الأبوية.
ووفقا للمعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، فإن المزايا الضريبية بموجب القانون تصل إلى 18 ألف يورو سنويا للأشخاص المتزوجين مع حرمان الآباء والأمهات غير المتزوجين من هذه المزايا.
وتقول أصوات معارضة: إن التخلص من الإعفاء الضريبي لجميع المتزوجين سوف يساعد الحكومة على توفير 20 مليار يورو سنويا، ويمكن استخدام ذلك لزيادة مخصصات الأطفال. حيث تعتبر الحكومة قضية القضاء على الفقر بين الأطفال أحد أهدافها الرئيسية.
وتم سن قانون “حساب ضريبة دخل الزوجين المشترك” عام 1958 بعد نظر المحكمة الدستورية الاتحادية في قانون الضرائب الذي كان في السابق يحرم الأزواج المتزوجين من هذه الميزة، فيما تنص المادة السادسة من الدستور الألماني على أن “الزواج والأسرة يحظيان بحماية خاصة من الدولة”.
وخطط إلغاء هذا القانون ليست وليدة اللحظة، إذ في عام 1981 جرى طرح اقتراح يدعو إلى إلغائه، وقد أدى ذلك إلى استمرار النقاش حول القانون منذ ذلك الحين.
وفي مقابلة مع DW قال يواكيم فيلاند، أستاذ القانون في الجامعة الألمانية للعلوم الإدارية “شباير”، إن المحكمة الدستورية الاتحادية “تصر حتى الآن على أن القانون مسموح به، لكنه ليس إلزاميا. ينص الدستور على حتمية تعزيز الزواج والأسرة. لكن ليس بالضرورة من خلال حساب ضريبة الدخل بشكل مشترك. وقد ظل هذا الأمر قرارا سياسيا سياديا للسلطة التشريعية”.
ويشير فيلاند إلى أن المزايا الضريبية الحالية للأشخاص المتزوجين باتت قديمة وتتسم بالتضليل، لأن العديد من الأزواج يقررون عدم الإنجاب، مضيفا “يجب تخصيص إعانات أكثر للأطفال. إذا لم يكن للزوجين أطفال، فما الحاجة إلى معاملتهم بطريقة أفضل من الأشخاص غير المتزوجين الذين لديهم أطفال؟”.
ويقول معارضو القانون إنه يعزز الأدوار الجندرية التقليدية من خلال جعل البقاء في المنزل أفضل من الناحية المالية في حالات الزواج التي يكون فيها أحد الزوجين يكسب دخلا ماليا أكثر بكثير من الآخر. ما يعني أنه كلما كانت الرواتب متساوية، كلما قلت المزايا التي يحصل عليها الزوجان.
بدورها، تشير كاثرينا فروليتش، الأستاذة المتخصصة في الشؤون المالية العامة والعلوم الجندرية وشؤون العائلة في جامعة بوتسدام، إلى أن النساء “يتأثرن بشكل غير متناسب” بالقانون الحالي. وفي مقابلة مع DW أضافت فروليتش، التي ترأس أيضا مجموعة بحوث اقتصاديات النوع الاجتماعي بالمعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، أن معدلات العمل بدوام جزئي مرتفعة للغاية وفجوة الأجور بين الجنسين واسعة في ألمانيا مقارنة بالدول الأخرى: حيث تحصل النساء على أجور أقل في الساعة ويعملن لساعات أقل، ما يعني “ضعف دخلهن وتعرضهن لتداعيات سلبية جراء قانون الامتياز الضريبي لأحد الزوجين بشكل متكرر أكثر من الرجال.”
الجدير بالذكر أن معدل التوظيف في ألمانيا وصل إلى 73 بالمائة بين النساء و 80 بالمائة بين الرجال العام الماضي، وفقا لبيانات مكتب الإحصاء الفيدرالي. بيد أن أكثر من نصف النساء يعملن بدوام جزئي، فيما يتم دعم النساء بشكل فعال حتى يبقين من ذوي الدخل المنخفض بموجب القانون وبالتالي يتم تشجيعهن على الحفاظ على اعتمادهن المالي على الزوج.
ويقول معارضو القانون أيضا إنه لا يفاقم فقط من عدم المساواة بين الجنسين، وإنما يزيد أيضا من عدم المساواة الاجتماعية بشكل عام لأنه يؤدي إلى تحمل الأزواج ذوي الدخل المرتفع عبئا ضريبيا أقل بكثير مما لو كانوا قد خضعوا للضريبة بشكل فردي. لذا يرون أن إلغاء القانون من شأنه أن يشجع المزيد من النساء على العمل، ما سيصب في صالح الاقتصاد الألماني، إذ سيساعد على التخفيف من أزمة نقص العمالة الماهرة.
مهمة ليست سهلة
ويرى مراقبون أن اقتراح إلغاء القانون الذي قدمه الحزب الاشتراكي الديمقراطي من غير المرجح أن يتم تنفيذه، لأن الحزب الديمقراطي الحر، الذي يعد أحد أحزاب الائتلاف الحكومي، يعارض المقترح لأنه يرى أنه “خدعة” ترمي إلى إدخال زيادات ضريبية.
وتقف المعارضة المتمثلة في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وشقيقه البافاري الاتحاد المسيحي الاجتماعي ضد المقترح، ما يعني صعوبة حصوله على موافقة برلمانية عند التصويت عليه.
وعلى خلاف الدول الأوروبية الأخرى، تقدم ألمانيا مزايا مالية أكبر للمتزوجين، إذ كشف تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية عام 2021 أن الأزواج كانوا أفضل حالا من الناحية المالية في لوكسمبورغ وألمانيا وأيرلندا وبولندا وإسبانيا والتشيك وبلجيكا. فيما كان الأزواج في قبرص ومالطا وإيطاليا واليونان في أسوأ حال على المستوى الأوروبي بسبب انخفاض المزايا الضريبية والمعاشات. وأشار التقرير إلى أن المعاملة غير المتكافئة للأزواج اعتمادا على وضعهم العائلي تنتهك مبادئ المساواة. (DW)[ads3]