دويتشه فيله : وسط ضغوط اقتصادية .. بنوك الطعام الألمانية في أزمة فمن المنقذ ؟
تضم ألمانيا أكثر من 900 بنك طعام تحت إشراف “تافل دويتشلاند”، وهو الاسم الذي يُطلق على اتحاد بنوك الطعام في ألمانيا، والتي تساعد بدورها أي شخص يثبت أنه يواجه صعوبات مالية. لكن هذه البنوك تواجه ضغوطا متزايدة في الوقت الراهن جراء نقص التبرعات التي تقدمها الشركات.
يتزامن هذا مع تزايد عدد الأسر التي ترغب في الحصول على خدمات بنوك الطعام وسط ارتفاع معدلات التضخم وتدفق اللاجئين من أوكرانيا.
وعلى وقع ذلك، ترغب بنوك الطعام في الحصول على دعم حكومي لكي تستطيع الاستمرار في مساعدة من هم في أمس الحاجة إلى الغذاء في البلاد.
ويمكن رصد الضغوط التي تتعرض لها بنوك الطعام في ألمانيا من خلال زيارة منطقة كوبينيك بالعاصمة برلين حيث جرى تحويل مركز لمشجعي نادي “إف. سي. يونيون برلين” إلى نقطة لتوزيع المواد الغذائية على الفقراء والمحتاجين.
ورغم الطقس الحار ينتظر أمام المركز الكثير من الفقراء في طابور طويلللحصول على بعض الطعام الطعام . تعد دنيس واحدة من أولئك الذين يعتمدون على بنوك الطعام في برلين، وتشير إلى أنها في السابق كانت مترددة في اللجوء إلى بنوك الطعام، لكنها في نهاية المطاف لم تجد بديلا.
وفي مقابلة مع DW أضافت دنيس، وهي أم لطفل “كنت مترددة للغاية في البداية، كنت أشعر بالخجل في الماضي، لكني قررت أن أجرب بنوك الطعام لأنه بات من الصعب تدبير أموري مع ارتفاع أسعار المواد الغذاء”.
الجدير بالذكر أن أسعار الطعام والمواد الغذائية قد ارتفعت في البلاد بنسبة 15 بالمائة تقريبا مقارنة بما كانت عليه العام الماضي فيما بلغ معدل التضخم 7,3 بالمائة، بحسب بيانات مكتب الإحصاء الفيدرالي.
وإزاء ذلك، بات كثيرون يعتمدون على بنوك الطعام التي شهدت منذ الغزو الروسي لأوكرانيا زيادة كبيرة في عدد الأسر التي تحتاج مساعدتها، وتقول مؤسسة “تافل دويتشلاند” إن 20 بالمائة من بنوك الطعام باتت تواجه ضعف عدد الأشخاص الذين يعتمدون عليها.
وفي مقابلة مع DW، قالت كارول سيلي، متطوعة في بنك الطعام بمنطقة كوبينيك، “قبل الحرب، كان عدد الأشخاص الذين يأتون أيام الثلاثاء لا يتجاوز 340 شخصا، لكن هذا الرقم ارتفع إلى أكثر من 500 شخص”. واضافت “لقد رأينا المزيد والمزيد من الأسر التي تأتي إلينا بسبب الحرب. لحسن الحظ، لم نضطر بعد إلى غلق أبوابنا أمام الأشخاص الجدد”.
الحرب في أوكرانيا
بدورها، أشارت ريتا هيرش، وهي متطوعة أخرى، إلى أنها تمتلك سجلا لأحد بنوك الطعام تديره كنسية في برلين، مضيفة “بلغ العدد الجمعة الماضية 564 شخصا”.
الجدير بالذكر أنه من أجل الحصول على دعم من بنوك الطعام يتعين إثبات الحاجة إلى الحصول على مساعدات غذائية. ونتيجة تزايد الاعتماد على بنوك الطعام، بدأت بعضها في تقليل كميات الأطعمة التي تقدمها للفقراء، فيما اضطرت بنوك أخرى إلى التوقف عن قبول أشخاص جدد.
الأوكرانية تاتيانا كودينا، التي فرت مع طفلها من الحرب الروسية، تعتبر بنك الطعام في برلين المنقذ الوحيد لها ولطفلها في ظل تزايد الأعباء المالية التي أثقلت كاهلها المثقل أصلا جراء الفرار من بلدها. وقالت في مقابلة مع DW، تساعدني بنوك الطعام “على توفير الكثير من المال، فضلا عن أني التقى بداخلها مع ألمان وأوكرانيين”.
وتعود فكرة تأسيس أول بنك للطعام في برلين إلى عام 1993. وتساعد بنوك الطعام في الوقت الراهن حوالي مليوني شخص، فيما تقدم كبرى سلاسل المتاجر تبرعات لمساعدة هذه الكيانات على توفير الغذاء للفقراء.
شريان حياة
ويدور العمل في بنوك الطعام “تافل” حول فكرة قيام المتطوعين بالذهاب إلى متاجر الأغذية وتجار التجزئة والمخابز عدة مرات في الأسبوع وأحيانا بشكل يومي من أجل جمع بقايا الأطعمة التي ما زالت صالحة للأكل لتحقيق هدفين: الأول تخفيف عبء النفايات على كاهل أصحاب المتاجر، والهدف الثاني وهو الأهم يتمثل في دعم الذين يعانون من الفقر.
وفي بعض الأحيان، يقوم أصحاب سلاسل المتاجر الكبيرة بتسليم البضائع الزائدة عن حاجتها إلى بنوك الطعام في المساء مرة أو مرتين أسبوعيا. وعقب ذلك، تفتح بنوك الطعام أبوابها أمام المحتاجين الذين يتعين عليهم إثبات ذلك عن طريق إظهار وثيقة من مكتب الرعاية الاجتماعية، قبل أن يتمكنوا من الحصول على الأغذية والأطعمة والفاكهة.
وتوفر بنوك الطعام في ألمانيا خدماتها ليس فقط للمشردين وإنما أيضا للعديد من الأسر والأباء والأمهات وأصحاب المعاشات واللاجئين ممن يعانون من أوضاع اقتصادية متردية والراغبين في توفير بعض النفقات الهامة كشراء الكتب المدرسية لأطفالهم.
وتساعد بنوك الطعام الألمانية الأفراد والأسر الفقيرة، أي الأفراد الذين يمتلكون أقل من 60 في المائة من متوسط صافي الدخل، فيما يبلغ عدد الذين هم تحت خط الفقر حوالي 13 مليون شخص.
والجدير بالذكر أن مصطلح “الفقر” في ألمانيا يدل على “الفقر النسبي” وليس “الفقر المطلق” إذ لا تعاني هذه القطاعات من مجاعة وشيكة. حيث يدخل الفقر في ألمانيا في نطاق عدم المشاركة في الأنشطة الاجتماعية ومعاناة الأطفال من الجوع دون غداء وعدم السفر في الإجازات وعدم الحصول على التعليم الأساسي.
وفي بيان لـ DW، قالت مؤسسة “تافل دويتشلاند” إن التبرعات الغذائية التي تحصل عليها بنوك الطعام “آخذة في الانخفاض”. من جانبه، يسلط أندرياس ستيبوهن، الرئيس الجديد لمؤسسة “تافل دويتشلاند”، الضوء على العوامل وراء نقص التبرعات، قائلا: “تُقدم المتاجر الكبرى في الوقت الراهن على العمل بشكل اقتصادي، ما يسمح لها بعدم إبقاء الكثير من الأطعمة على الأرفف في نهاية اليوم”.
وأضاف “هذا الأمر مرحب به من حيث المبدأ، لأنه من الجيد تقليل هدر الطعام إلى الحد الأدنى، لكن بنوك الطعام في الوقت الراهن باتت في حاجة ماسة إلى مزيد من التبرعات الغذائية لدعم هذا العدد المتزايد من الفقراء والأشخاص الذين يعتمدون عليها”.
وأشار ستيبوهن إلى أن أزمة تلوح في الأفق تطارد بنوك الطعام، مضيفا “هذه البنوك لا تستطيع تعويض إخفاق الدولة والمؤسسة السياسية في الوفاء بواجباتها”. ورغم تشديده على ضرورة الحفاظ على استقلالية بنوك الطعام، إلا أن ستيبوهن يدعو إلى “توفير تمويل أساسي [من الحكومة] حتى تمضي بنوك الطعام قدما في مساعدة الفقراء”. لكن في الوقت الحالي لا يزال الغموض يكتنف مسألة ما إذا كانت الحكومة سوف تدعم بنوك الطعام أم لا؟
وبالعودة إلى دنيس التي تعد واحدة من أولئك الذين يعتمدون على بنوك الطعام في برلين، قالت إن ما نال إعجابها في عمل بنوك الطعام يتمثل في اعتمادها بشكل أساسي على العمل التطوعي”. ويتوافق حديث دنيس مع بيانات مؤسسة “تافل دويتشلاند” التي تشير إلى أن بنوك الطعام تعتمد على نحو 60 ألف متطوع.
ومنذ تأسيس أول بنك للطعام في ألمانيا عام 1993، يؤكد القائمون عليها عدم رغبتهم في أن تكون بنوك “تافل” جزءًا من منظومة الرعاية الاجتماعية الحكومية. (DW)[ads3]