دويتشه فيله : جرائم الطعن في ألمانيا .. مادة خصبة لخطاب حزب البديل الشعبوي

 

في 25 يناير/ كانون الثاني 2023، في قطار إقليمي بين هامبورغ وكيل، طعن رجل سبعة ركاب وأصيب اثنان بجروح قاتلة. الجاني المشتبه به هو فلسطيني بدون جنسية، والآن يجب أن يحاكم أمام المحكمة على الجرائم المتهم بارتكابها. ومن المقرر سماع الشهود في 17 يوليو/ تموز الجاري. ولكن هل يفترض أن يُذكر أصل المتهم هنا أصلا؟

مجلس الصحافة الألماني، وهو مجلس رقابة طوعية لوسائل الإعلام المطبوعة ولمواقعها على الإنترنت، في قواعد السلوك الخاصة به، يوصي بشكل عام: “عند النشر عن الجرائم الجنائية، يجب الحرص على أن لا يؤدي ذكر انتماء المشتبه فيهم أو الجناة، إلى أي تعميم تمييزي ضد الأقليات الإثنية أو الدينية أو غيرها من الأقليات بسبب سوء سلوك فردي”.

يعتبر مجلس الصحافة الاستثناءات مبررة فقط إذا كانت هناك مصلحة عامة في ذكر أصل الجاني أو المشتبه به. ولكن متى تكون هناك مصلحة عامة مبررة؟ وسائل الإعلام تفسر ذلك بشكل مختلف تماما.

الصحفي السابق توماس هيسترمان، أجرى بحثا في كيفية تأثير ذلك على إعداد التقارير في محطات التلفزة واسعة الانتشار ووسائل الإعلام المطبوعة، بما في ذلك المواقع الإلكترونية، خلال الفترة الممتدة منذ عام 2007.

الباحث في مجال الإعلام في الجامعة التقنية في هامبورغ قام ​​بإعداد دراسة حديثة، لصالح مؤسسة “ميديين دينست”، حول التغطية الإعلامية لجرائم العنف، مع التركيز على الهجمات بالسكاكين. قام هيسترمان وفريقه بتحليل 645 تقريرا، وفي 81 منها كان سلاح الجريمة عبارة عن سكين. وفي 26 حالة منها، تم ذكر الأصل الأجنبي للمشتبه به، وفي حالة واحدة كان أصل الفاعل ألمانيا.

بالنظر إلى الوراء، يظهر مدى التغيير الذي حدث بالتركيز على الجنسية: “في عام 2014، لم يكن أصل المشتبه بهم يلعب أي دور عملي في التقارير التلفزيونية عن جرائم العنف” ، كما يقول الخبير هيسترمان. وفقط في 4.8 بالمئة من التقارير التلفزيونية التي تم فحصها، تم ذكر الجنسية.

تغير ذلك بعد أحداث ليلة رأس السنة الجديدة في 2015/ 2016، عندما تم ارتكاب مئات الجرائم، معظمها من جانب شباب من شمال إفريقيا، قرب المحطة الرئيسية للقطارات في كولونيا. ومن هنا ارتفعت نسبة التقارير التلفزيونية التي تذكر أصل الجناة المشتبه بهم إلى 31.4 بالمئة، بحلول عام 2019. تفسير هيسترمان لهذا الاتجاه: “الجرائم العنيفة ترسم منحنى التوتر في المجتمع. ومنحنى التوتر هذا يرتفع بشكل حاد حاليا”.

التركيز كان بشكل خاص على الهجمات بالسكاكين. شكل من أشكال الجرائم العنيفة يتم استغلاله بشكل واضح في بعض الدوائر السياسية والاجتماعية، لأغراض خاصة: “الشعبويون اليمينيون، وخاصة حزب البديل من أجل ألمانيا، اكتشفوا ما يسمى بـ `مهاجري السكاكين´ كشخصية مخيفة”، يصف هيسترمان هذه الظاهرة.

ويشير أستاذ الإعلام، إلى زعيمة الكتلة البرلمانية لحزب البديل من أجل ألمانيا في البرلمان الألماني (بوندستاغ)، أليس فايدل، على سبيل المثال. تحدثت في خطاب أمام البرلمان عن “رجال السكين المُغذيّين” في البرلمان. ويمكن على حسابات تويتر الخاصة بالحزب قراءة مثل هذه العبارات: “وباء السكاكين يتفشى”. وعن ذلك يقول هيسترمان: هذه الصورة تتسرب إلى الوعي الجمعي للسكان عبر وسائل الإعلام. وهو أمر يستقطب اهتماما وعواطف قوية.

تتوافق تجربة شرطة برلين مع هذا التقييم. حيث أكدت المتحدثة الصحفية باسمها، بياته أوسترتاغ، بداية على أن المنشورات التي تصدرها دوائرهم لا تذكر جنسية المشتبه بهم. ولكنهم يقدمون معلومات عن أصول المشتبه بهم إذا طلبت ذلك وسائل الإعلام أو البرلمانيون من خلال طلب رسمي. لأن الشرطة ملزمة قانونا بتقديم المعلومات حينها.

وبهذه الطريقة يحصل حزب البديل من أجل ألمانيا على الاسم الأول للمشتبه بهم وعلى معلومات إحصائية إضافية. وما يحدث بعد ذلك بهذه المعلومات، لا يمكن للشرطة أن تتحكم به. وتشرح المتحدثة بياته أوسترتاغ عما تواجهه خلال عملها اليومي، وكيف تتسرب بعدها تلك المعلومات غالبا إلى وسائل الإعلام.

توضح المتحدثة باسم الشرطة ذلك بالاستناد للأرقام والأسماء الأولى لرجال مشتبه بهم في برلين: في عام 2021 ، كانت نسبة الألمان أقل من 50 في المائة. وذكرت أوسترتاغ أيضا الأسماء الأولى الأكثر شيوعا للمشتبه بهم: “ألكسندر، كريستيان، دافيد، ثم يأتي مصطفى في المركز الرابع، ثم باتريك، ثم دانيال، ثم بلال، وهناك أسماء أولى ألمانية أخرى”. بدا الأمر مشابها في عام 2022، كما تقول بياته أوسترتاغ.

وتختلف الأرقام في برلين عن تلك الموجودة في الولايات الألمانية الأخرى. حيث كانت نسبة المشتبه بهم الأجانب في جرائم السكاكين في ولاية شمال الراين وستفاليا، في عام 2021، 42.6 في المئة.

وأكدت المتحدثة باسم الشرطة أوسترتاغ أن مجرد ذكر أسماء المشتبه بهم وأصولهم “لا يعطي أي معلومات على الإطلاق عن خلفية الجريمة”. ومع ذلك، يتجاهل حزب البديل من أجل ألمانيا هذا العامل، كما يؤكد توماس هيسترمان في تحليله: “في البيانات الصحفية لحزب البديل من أجل ألمانيا بخصوص الجرائم الجنائية في ألمانيا، فإن 95 بالمئة، من جميع المشتبه بهم الذين ذكروا، أصلهم من الأجانب”.

استنتاج أستاذ الإعلام ثنائي: فهو لم يعثر على مصطلحات مثل “مهاجرو السكاكين” في التقارير التي تم فحصها. “ولكن هناك الكثير من أنماط الاختيار اليمينية الشعبوية، التي تنتهجها وسائل الإعلام الرائدة أيضا”. ويفسر هيسترمان ذلك برغبة وسائل الإعلام، لا سيما التابعة للقطاع الخاص، في تحقيق نسبة مبيعات وانتشار أعلى.

ولذلك فهي تتّبع أيضا “الاهتمامات المفترضة للجمهور”. وكصحفي سابق، فهو يعرف جيدا ردود الفعل هذه. وتحذيره لزميلاته وزملائه السابقين: من يصف الأشخاص من أصل أجنبي الذين يعيشون في ألمانيا بأنهم عوامل خطر محتملة، فإنه “يثير مخاوف غير عقلانية”.

مارسيل فروستناو – دويتشه فيله

 [ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها