كيف تربي طفلاً مسلماً في بلاد الغرب ؟

يتعرض أطفال المسلمين في الغرب لثقافة مختلفة، وإغواء لا يواجهه نظراؤهم عادة في الدول ذات الأغلبية المسلمة، لكن لا بأس من تربية طفل مسلم في بلد أجنبي، طالما أن الأبوين متيقنان من أنهما سيدعمانه في كل خطوة.

الأمر ليس سهلًا، لكن الكرة الآن في ملعبكما، وتتوقف درجة إيمان طفلكما على نوعية العلاقة التي تنويان بناءها معه، لذلك نقدم لكل أم وأب في بلاد الغربة أسس تربية طفل مسلم ومنضبط.

لا تكرها الغربة
نقلت صحيفة “المجتمع المسلم في ويسكونسن” محاضرة للمفتي حسين كماني، إمام مسجد النور في بروكفيلد، وأستاذ في برنامج الدراسات الإسلامية في تكساس.

وتحدث كماني عن قلقه في سنوات هجرته الأولى، بسبب أن أطفاله لن يسمعوا الأذان، مثل الأطفال في البلدان الإسلامية. فكر في الانتقال إلى بلد إسلامي، واستعان بمشورة أحد معلميه الذي قال له إن فكرة ترك بلد يعيش فيها قلة من المسلمين فخ من الشيطان، لمنع نشر الإسلام في كل بقاع العالم.

وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم ربى أبناءه في مكة التي كانت مركز المشركين والمضطهدين له ولأتباعه، كما تربى سيدنا موسى في بيت فرعون، وعاش سيدنا إبراهيم بين عبدة الأصنام، لكن لن تتم تلك المعجزات من دون صمود الأسرة إلى جانب أطفالها.

تأسيس بيت سعيد
اعتبر كماني في محاضرته أن الخطوة الأولى لتربية مسلمين مخلصين في بلد أجنبي لا تبدأ من المسجد، بل من المنزل، فينبغي على الوالدين بناء بيت قائم على الحب والهدوء والسكينة، وملجأ يجد فيه الأطفال التشجيع والدعم من الوالدين والأشقاء، وملاذا آمنا يشعرون فيه دومًا بأنهم آمنون ومحبوبون.

المغزى قبل الأمر
لا يمكن توقع التزام الأطفال بالفرائض، واستيعابها دون فهم الهدف من ورائها. لذلك، ينبغي إرشاد الطفل، والحديث معه عن أسباب فرض العبادات، وشرح معاني السور قبل أمره بحفظها، وسماع أسئلته التي لا تنتهي، وشرح كيفية تطبيق ما يقرأه في قصص الأنبياء على ما يمر به.

فلا تملا المجاهدة معه يوميًا للصلاة في جماعة، بالصبر والتقبيل والاحتضان والتشجيع بدلًا من ترهيبه، أو مقارنته بأطفال آخرين، لأنكما ما إن أظهرتما خيبة أملكما في طفلكما، ماتت دوافعه للامتثال لأوامركما، وغلبه الشعور بثقل العبادة.

بيتكما نموذجا
إن غياب التعاليم الإسلامية مثل الرحمة والتسامح والمساواة -عن البيت- هو أحد أسباب ابتعاد الأبناء عن تعاليم الإسلام، لأنهم لا يحبون ما يرونه أو يشعرون به في المنزل، لذلك ينبغي عليكما إظهار القيم الرفيعة بينكما، مثل الاحترام، الكلمة الطيبة، العفو عند المقدرة، الصدق، الأمانة، معاملة ابنكما بالحسنى، من خلال الصبر عليه، العفو عنه، هدايته إلى الصواب، تكرار الآيات والأحاديث النبوية التي تعلي من القيم الأخلاقية، ليتذكر دومًا أن الإسلام أساس الرحمة والحب والتسامح الذين يتمتع بها معكما.

ويكتمل النموذج القويم لبيتكما باحترام بلدكما الأصلي، لغتكما، ثقافتكما، الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وانتمائه لبيئته، لأن احترامكما لثقافتكما دافع لاحترامه اختياراتكما له، وعونًا له عند اصطدامه بثقافة مختلفة.

الصبر
الأبوة والأمومة عمل شاق وطويل كالزراعة، فإذا زرعتما بذرة فلن تحصدا ثمارها في الحال، بل يتطلب الأمر منكما الصبر والرعاية، ولا يمكنكما إهمال زرعكما والانشغال عنه حتى يتاح لكما الوقت وإلا فستموت نبتتكما. وعليكما حماية محصولكما، وتوفير وقت لرعايته.

وتذكرا أن تربية طفل مسلم في بلد أجنبي تتطلب جهدًا مضاعفًا، فينبغي الحديث عن موضوعات لا نتحدث فيها عادة مع أطفالنا في البلاد العربية، مثل أضرار المخدرات، تحريم العلاقات العاطفية في المدارس المشتركة، تحريم شرب الخمر، إلى جانب تعليمه قيمة تقبل الآخر وتنوع المجتمعات.

بناء أواصر قوية
ينمي الأطفال قيمة الولاء بعد شعورهم بإحساس عميق بالاحترام في المنزل، حيث نتعامل مع بعضنا بعضًا بلطف ومراعاة، فإذا شعر الأطفال بالحب والدعم من والديهم، فسيبنون مشاعر الولاء تجاههم بطريقة تلقائية، ثم يتسع مفهوم الولاء ليشمل الأشقاء، المعلمين، من نشاركهم المعتقد والبلد واللغة

وتترسخ مثل هذه القيم داخل الطفل كلما حافظت الأسرة على عاداتها مثل التجمعات والعطلات. ورغم بساطة تلك الأنشطة فإنها تعمق شعورًا بالالتزام والتماسك، لتكون الأسرة فريقًا تربطه علاقة متينة تجعل من السهل بعد ذلك بناء عادات أسرية، مثل صلاة الجمعة، صلاة الفرائض في جماعة، جلسات قراءة القرآن، قبل نموهم وانسحابهم لطرائق منفصلة واهتمامات مختلفة بعيدة عن الأسرة.

الصحبة الصالحة
نعرف الحكمة القائلة إن تربية طفل تحتاج قرية بأكملها، لذلك تأكدا من تربية طفلكما وسط مجتمع تجمعكما به الغاية نفسها.

وقد قدمت جمعية “مسلمي نيو إنجلاند” نصائح لاختيار الصحبة الصالحة، مثل الصحبة الصالحة لمجموعة من الأصدقاء المسلمين الملتزمين ممن لديهم أطفال في سن مقاربة لطفلكما.

وقد يساعدكما المسجد القريب من منزلكما على التعرف على مسلمين يعيشون في الجوار، وهكذا ستتاح الفرصة لطفلكما لتكوين صداقات مع أقران يشبهونه، وتجمعهم التربية الإسلامية والثقافة العربية.

زهراء أحمد – الجزيرة

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. شكرا على هذه المقالة المفيدة. فنحن نواجه فعلا صعوبات في تنشئة أولادنا على الدين الإسلامي في أوروبا، وبخاصة بسبب التفكير العلمي الذي ترسخه المدارس في عقول الأطفال وتدفعهم إلى التشكيك في كل شيء والتساؤل عن كل شي وطلب الدليل الملموس علميا على كل شيء نحاول تعليمه لهم.