باحثون : استراتيجية ألمانيا الأمنية لا ترتقي إلى دور قيادي عسكري في أوروبا
أصدرت ألمانيا هذا الصيف أول استراتيجية لها على الإطلاق بشأن الأمن القومي وأول استراتيجية بشأن الصين، وتعد كلتا الوثيقتين علامة بارزة في السياسة الخارجية الألمانية.
ولكن ليانا فيكس وكارولين كاب الباحثتين الأمريكيتين في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، قالتا إنه “بينما الاستراتيجية الخاصة بالصين أكثر جرأة مما كان متوقعاً، لا ترقى الاستراتيجية الخاصة بالأمن القومي لمستوى طموحات خطاب المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي تحدث فيه عن تغيير الزمن العام الماضي، ولا تتضمن في وضع ألمانيا في دور قيادي عسكري في أوروبا”.
وأضافت فيكس وكاب، في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أن أول استراتيجية ألمانية بشان الأمن القومي، والتي تتمحور حول موضوعات “القوة” و”المرونة” و”الاستدامة”، تسلك نهجاً شاملاً من المفهوم أن يكون أوسع نطاقاً من مجرد الأمن والدفاع الصلب.
وتابعت الباحثتان أن مجال الاستراتيجية يشمل موضوعات متنوعة مثل مخاطر التغير المناخي، وتطبيق سياسية خارجية نسوية (تعمل على تحقيق المساواة بين الجنسين وانخراط المرأة في السياسة)، وتغيير المفهوم العام السلبي على نطاق واسع للسياسة الأمنية والقوة العسكرية في ألمانيا في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وتؤكد استراتيجية الأمن القومي أهمية شراكات ألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وتذكر على وجه الخصوص أن العلاقات مع واشنطن وباريس أساسية بالنسبة لبرلين. وتحدد هذه الاستراتيجية أيضاً روسيا بوصفها التهديد الأكبر للسلام والأمن في منطقة الأورو أطلسي، وتنتقد الصين لإعادة تشكيل النظام الدولي الحالي القائم على قواعد، بينما تدعو في نفس الوقت إلى استمرار التعاون بين برلين وبكين.
وتؤكد استراتيجية الأمن القومي التزام ألمانيا بإنفاق 2% من إجمالي ناتجها المحلي على الدفاع، وهو معيار الناتو الذي لم تطبقه ألمانيا طوال سنوات كثيرة، وبدون زيادات في موازنة الدفاع الاعتيادية، هناك خطر بأن لا يتم الوفاء بالتزامات ألمانيا الخاصة بالإنفاق، وهو السمة المميزة لخطاب شولتس، حتى تتولى حكومة ألمانية جديدة السلطة بعد الانتخابات البرلمانية في خريف عام 2025.
وذكرت الباحثتان أن استراتيجية الأمن القومي الألمانية لم تشمل أيضاً إنشاء هيئة مؤسساتية يتم تكليفها بتنسيق الأمن القومي وتطبيق الاستراتيجية، ولم تتحقق المقترحات بأن ألمانيا سوف تؤسس مجلساً للأمن القومي، مثلما فعل الكثير من حلفائها الغربيين وشركاء آخرون (على سبيل المثال أنشأت اليابان مجلساً للأمن القومي في عام 2013، بعد إعلان أول استراتيجية للأمن القومي لها على الإطلاق).
وسقطت هذه الاقتراحات ضحية لسياسات الصراع على السلطة داخل الحكومة الائتلافية بقيادة شولتس، وكان من المقرر أن يكون مقر مجلس الأمن القومي داخل دار المستشارية الذي يسيطر عليه الاشتراكيون الديمقراطيون بزعامة شولتس. ورفض حزب الخضر الذي يسيطر على وزارة الخارجية التخلي عن المزيد من سلطة صنع القرار للمستشارية.
وتوفر استراتيجية ألمانيا الجديدة بشأن الصين، والتي صاغتها وزارة الخارجية، أساساً مهماً لترسيخ ألمانيا في جوهر إجماع أوروبي جديد يفضل خفض المخاطر على الانفصال، وتحدد الاستراتيجية خفض المخاطر بأنه “تقليص الاعتماد على الآخرين في المجالات المهمة، ووضع الجوانب الجيوسياسية في الاعتبار عند اتخاذ القرارات الاقتصادية، وزيادة “المرونة لدينا”. وتتحدث أيضاً باقتضاب عن المسائل الأمنية فيما يتعلق بالصين.
وفي الشهور التي سبقت إصدار الاستراتيجية، أثارت زيارة المستشار شولتس لبكين مخاوف بشأن المدى الذي سوف تقطعه ألمانيا في تطبيق سياسة تغيير الحقبة، وما إذا كانت المصالح التجارية لألمانيا في الصين سوف تقوض الدروس التي تعلمتها على نحو مؤلم بشأن الاعتماد الاقتصادي المفرط على روسيا قبل غزو أوكرانيا.
وأوضحت المشاورات الحكومية الصينية الألمانية في برلين قبل أسابيع قليلة، أن هناك تراجعاً بشأن أجندة خفض المخاطر التي روجت لها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وخلال تلك المحادثات، وصف شولتس الحاجة للتنويع بعيداً عن الصين والحد من التعرض للمخاطر بأنها مسؤولية الشركات وليس الحكومات.
وبشكل كبير على غرار الاتحاد الأوروبي، تميل الاستراتيجية بشدة إلى خطاب خفض المخاطر الاقتصادية وهي أكثر من السابق وضوحاً بشأن التحديات التي تشكلها الصين، ولكنها تؤكد بقوة أيضاً الحاجة للتعاون مع الصين.
وتشير ألمانيا إلى تغير المناح وتبادل الزيارات بين الأشخاص كمجالات مهمة للتعاون وأنها تتمسك بسياسة الاتحاد الأوروبي ثلاثية الأبعاد، التي تصنف الصين كشريك ومنافس وخصم، رغم أنها تشير إلى زيادة في الخصومة والمنافسة في السنوات الأخيرة.
وبالإضافة إلى خفض المخاطر، تتعامل الاستراتيجية مع السياسة الأمنية في بضع فقرات أقصر كثيراً. وتشير الاستراتيجية إلى سلوك أكثر تأكيداً للذات على المستوى الإقليمي والدولي من جانب الصين، وتحدد علاقات الصين مع روسيا “كمصدر قلق أمني فوري” بالنسبة لألمانيا.
وتقول الاستراتيجية إن “الصين لا تدافع على نحو يتسم بالمصداقية عن سيادة أوكرانيا ووحدة وسلامة أراضيها، وأنها بدلاً من ذلك تدعم البيانات الروسية ضد الناتو”، وتحذر الاستراتيجية من عمليات تسليم أسلحة صينية لروسيا، الأمر الذي سوف يكون له تأثير فوري على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين والعلاقات الثنائية.
وفيما يتعلق بمضيق تايوان، تشير الاستراتيجية أيضاً إلى أن ألمانيا تعمل من أجل خفض التصعيد ودعم الوضع الراهن. ويتم وصف الموقف في بحر الصين الجنوبي بعبارات غامضة فقط على أنه يظهر “النزعة العسكرية المتزايدة”. وتعد استراتيجيات ألمانيا الجديدة محاولة لجعل برلين متمشية مع إجماع أوروبي وعبر الأطلسي ناشئ بشأن الأمن والسياسة الدفاعية والأمنية وخفض المخاطر من جانب الصين.
ولكن بينما تصف استراتيجية الأمن القومي بشكل مناسب الوضع الراهن، فإنها تفتقر إلى الطموح لوضع ألمانيا في موقف قيادي عسكري فيما يتعلق بالأمن والدفاع في أوروبا، وتتجنب استراتيجية الأمن القومي تماماً مصطلح “القيادة”، حيث تصف واجبات ومهام ألمانيا في أوروبا بأنها “مسؤوليات خاصة”، وهو مصطلح بارز تم استخدامه في الخطاب السياسي الألماني قبل عام 2022 لتجنب ذكر القوة الصلبة والقيادة والزعامة.
وفيما يتعلق بالسياسة الخاصة بالصين، تقدم الاستراتيجية الجديدة لهجة جديدة وخطاً أساسياً مهماً لا يجب أن تتخطاه ألمانيا، ولكنها لاتتجاوز حدود السياسة الأوروبية بشأن الصين، وهذا يتعارض مع طموح ألمانيا فيما يتعلق بتغيير الزمن.
وإذا كان يتعين أن تصبح ألمانيا ضامنة للأمن في أوروبا، وواحدة في طليعة السياسة الأوروبية بشأن الصين، فإنها سوف تحتاج إلى أن تضع نفسها كقائدة وليست كتابعة، وأن تسجل هذا الطموح في وثائقها الاستراتيجية. (DPA)
[ads3]