لماذا لا ينزعج الروس من هبوط الروبل إلى مستويات قياسية ؟
لا عجب إذا اعتقد مشاهدو التلفزيون الرسمي الروسي أن اقتصاد هذه البلاد يعيش حالة من الازدهار.
ورغم اعترافه بأن الدولار الواحد أصبح يساوي 101 بالروبل الروسي، يصرّ مذيع قناة روسيا-24 في الوقت نفسه على أن الاقتصاد الروسي يُبلي بلاء حسنا للغاية، وأن الناتج المحلي الإجمالي الروسي يرتفع، وأن عائدات الغاز الروسي تشهد نموا.
وفي عدد اليوم من أكثر الصحف الروسية اليومية مبيعا، برافدا، نطالع مقالا في الصفحة الثالثة يقول كاتبه إن “الاقتصاد الروسي يسجل ارتفاعا حادا”.
غير أن هبوط سعر الروبل في الواقع موجع؛ حيث تسجّل العملة الروسية حاليا أدنى مستوى لها في 16 شهرا. وتتزايد الضغوط على الاقتصاد الروسي، حيث تزيد الواردات بوتيرة أسرع من الصادرات، في وقت يشهد فيه الإنفاق العسكري تزايدا.
ويتوقع خبراء اقتصاديون أن يؤدي ذلك إلى التضخم. وستصبح رحلات السفر إلى الخارج أعلى تكلفة على المواطن الروسي العادي.
ويقول صاحب وكالة سفريات في موسكو، إنه يتوقع اتجاه كثير من العملاء إلى قضاء العطلات داخل روسيا، بدلا من السفر إلى الخارج.
ولكن السفر إلى الخارج كان بالفعل يواجه إشكالية بالغة التعقيد أمام الروس؛ فالعقوبات الغربية على قطاع الطيران الروسي تجعل السفر إلى الخارج أمرا شديد الصعوبة. وقد أوقفت دول عديدة إصدار جوازات سفر للروس، كما تعني العقوبات الاقتصادية أن البطاقات المصرفية لهؤلاء الروس غير سارية في الغالبية العظمى من الدول الأجنبية.
والواقع أن روسيا شهدت هذه الحال من قبل؛ فالروبل كان قد سجّل تراجعا حادا بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، لكنه تعافى بعد ذلك، ما دفع الرئيس فلاديمير بوتين إلى الإعلان في اجتماع قبل عام واحد أن “الدولار يتراجع بوضوح أمام الروبل”.
لكنّ خبراء اقتصاديين يقولون إن سعر صرف الروبل يخضع للتحكم التام من جانب البنك المركزي – وأن ذلك التعافي إنما كان مصطنعا.
وفي سوق بقلب العاصمة موسكو، سألنا متسوقين عما إذا كان انخفاض سعر الروبل يؤثر عليهم؟ فقال أحدهم ويُدعى دانييل: “بالطبع سيؤثر عليّ، تماما ككل شيء يحدث الآن .. الاقتصاد في أسوأ حالة ممكنة. في حالة انهيار. لم يعد في وُسع أيّ شيء أن يدهشني”.
بينما قالت امرأة شقراء: “صحيح أن الأسعار تشهد ارتفاعا. غير أني أعتقد أن ارتفاع سعر الدولار هو أمر مؤقت. وسيعاود الهبوط مرة أخرى”.
وقد التقينا رجلا يُدعى مكسيم، وهو يصرّ على أن سعر الصرف لا يؤثر عليه على الإطلاق. وحينما سألناه عما إذا كان يثق في الطريقة التي تدير بها السلطات الروسية اقتصاد البلاد، قال مكسيم: “نعم، بالطبع. ولقد وقّعت للتوّ عقدا مع الجيش الروسي، وفي غضون أسبوعين سأنضمّ إلى العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا كجندي متطوع”.
ولا توجد حالة من الذعر في روسيا. كما لا توجد صفوف أمام البنوك. وبعد 18 شهرا من الحرب والعزلة، اعتاد الروس على سماع الأخبار السيئة؛ ولا عجب في ذلك، فروسيا هي أكثر بلد في العالم قد تعرّض لفرض عقوبات.
ومن المقرر أن يعقد البنك المركزي الروسي اجتماعا استثنائيا يوم الثلاثاء لبحث احتمالية رفع معدل الفائدة. ويقول المسؤولون إنه لا تهديد للاستقرار المالي في روسيا. ويبلغ معدّل الفائدة في الوقت الراهن 8.5 في المئة.
ولم ينهار الاقتصاد الروسي كما توقّع خبراء عديدون في الدول الغربية. ولا تزال هناك موارد كافية بأيدي الكرملين تمكّنه من إحكام السيطرة على البلاد. (BBC)
[ads3]