دويتشه فيله : سلسلة من الهجمات .. لماذا تُستهدف النصب التذكارية في ألمانيا ؟
في غضون أسبوعين فقط، هزّت ألمانيا عدة هجمات على مواقع لنصب تذكارية: هجوم بدافع معاداة السامية على صندوق كتب في موقع الرصيف 17 في برلين (حيث كان يتم نقل عشرات الآلاف من اليهود، بالقطارات من ذلك الرصيف، إلى معسكرات الاعتقال النازية)، وقع في 12 أغسطس/آب 2023.
وهجوم على خيمة مهرجان أولسدورف للسلام، حيث يتم إحياء ذكرى ضحايا القصف بالقنابل الذي حدث خلال الحرب العالمية الثانية في هامبورغ. وحريق متعمد على النصب التذكاري للمثليين جنسيا المضطهدين من قبل النظام النازي، في حديقة تيرغارتن في برلين. الألواح المدمرة في مقر مؤسسة ساكسونيا السفلى للنصب التذكارية. وهجوم على نادٍ للنساء المثليات في حي نويكولن في برلين.
“عندما علمت بالهجوم على صندوق الكتب الخاص بنا، بقيت ساعة كاملة وأنا أبكي”، كما يقول كونراد كوت لـDW، ويضيف وهو على وشك البكاء مرة أخرى: “لقد كان الأمر بمثابة اعتداء جسدي علي”.
قبل حوالي 15 عاما خطرت لكوت فكرة صناديق الكتب المنتشرة في جميع أنحاء برلين. حيث قام مع متطوعين بتحويل أكشاك الهاتف المهجورة إلى مكتبات في الشوارع.
وكان لصندوق الكتب، الذي تم وضعه بالقرب من النصب التذكاري للرصيف 17، أهمية خاصة بالنسبة له. محتوى الكتب المحترقة، التي يبلغ عددها حوالي 300 كتاب، يدور حول موضوع ترحيل اليهود وقتلهم خلال الحقبة النازية.
تم ترحيل 50 ألف يهودي إلى معسكرات الاعتقال والإبادة، من الرصيف 17 في محطة قطارات غرونيفالد في برلين. ويذكرنا هذا الفعل بحرق الكتب في ساحة بيبيل في برلين، حيث أحرق النازيون أكثر من 20 ألف كتاب في 10 مايو/أيار 1933، والتي اعتبروا أنها “ذات روح غير ألمانية”.
ليست هناك إحصائيات موثوقة حول عدد الهجمات في جميع أنحاء ألمانيا. ولكن هناك شعور بأنها في تزايد، كما يقول المؤرخ كارستن أوهل. لم يعد الحديث عن حالات فردية ممكنا: “الآن أود أن أقول إن لدينا وضعا جديدا: عدد الهجمات التي تعرضنا لها كان مفاجئا وصادما”، كما يوضح الباحث في حديث لـDW. وهو يعمل منذ أشهر قليلة لحساب مؤسسة هامبورغ للنصب التذكارية ومراكز التعلم لإحياء ذكرى جرائم النازية.
قبلها كان أوهل، حتى مايو/أيار، رئيسا للنصب التذكارية لمعسكرات الاعتقال بوخنفالد، وميتلباو دورا. حيث عمل لسنوات هناك في تورينغن في شرق ألمانيا. وحقيقة أن الهجمات في غرب وشرق ألمانيا يتم تسجيلها الآن بهذا التواتر، تظهر شيئا واحدا قبل كل شيء: “هذه الهجمات مشكلة تؤثر على ألمانيا بأكملها، وليست مشكلة شرق ألمانية فقط”، يقول أوهل.
ما دور حزب “البديل” اليميني الشعبوي؟
يقول الباحث أوهل: “لدينا مشهد يميني متطرف يشعر بأنه صار قويا مع حزب البديل”. الحزب اليميني الشعبوي، وفي بعض النواحي هو حزب يميني متطرف ومعادٍ للمثليين، يحظى حاليا بأكثر من 20 بالمئة من أصوات الناخبين على مستوى ألمانيا، في استطلاعات الرأي. ومن الممكن أن يصبح الحزب الأقوى في بعض ولايات ألمانيا الشرقية.
يتحدث أوهل عن مناخ اجتماعي وسياسي يظهر فيه المزيد من الأشخاص الذين يمثلون وجهات نظر يمينية بشكل علني، ويقول: إن “هذا المناخ الذي يخلقه حزب البديل من أجل ألمانيا ومؤيدوه قد يؤدي أيضا إلى التحول من العدوان اللفظي إلى العمل النشط. لم يصل الأمر بعد للاعتداء على أشخاص، ولكن وصل إلى حد إيقاع أضرار جسيمة في الممتلكات”.
العنف أولا ضد الأشياء، ثم ضد الأشخاص؟
ويتفق كارستن كوت، مؤسس مبادرة “صناديق الكتب”، مع هذا التحليل: “لدي شعور بأن حزب البديل من أجل ألمانيا يشجع مرتكبي الجرائم على القيام بشيء كهذا”. ويلاحظ كوت وجود موقف كاره للآخرين ينتشر بشكل متزايد، من قبيل: “إنه لأمر جيد أن الفاعلين أظهروا ذلك أخيرا لليهود أو للمتحولين جنسيا أو للمثليين”.
يقول الباحث أوهل إن المواقع الثقافية والنصب التذكارية لا تزال محور اهتمام الجناة، ولكنهم لا يستهدفون الأشخاص حتى الآن. لكن هذا يمكن أن يتغير. حيث يمكن أن يهاجموا “أعداء اليمين”.
ومن بين هؤلاء الأشخاص الذين قد يتعرضون للهجوم، أولئك الذين قاموا بحملات من أجل المساواة، كما يوضح أوهل، ويضيف: “أو الأقليات كاليهود أو الأشخاص المثليين. وأيضا المجموعات المناهضة للفاشية التي تعلن عن نفسها بوضوح”. وهذا ما صار واضحا، حيث ازدادت فعلا الاعتداءات على المثليين وعلى اليهود، وخاصة في برلين.
فقد تم الإبلاغ في العاصمة عن 105 على الأقل من الجرائم أو المخالفات ذات الدوافع المعادية للسامية، خلال النصف الأول من هذا العام. منها 72 جريمة يمكن تصنيفها بوضوح على أنها جرائم ذات دوافع سياسية، ارتكبها أنصار اليمين، وفق حكومة ولاية برلين. وقد سجل المكتب الجنائي الاتحادي بالفعل 960 جريمة معادية للسامية في جميع أنحاء ألمانيا هذا العام، منها 25 من أعمال العنف ضد أشخاص.
القبض على المشتبه به في برلين بشكل سريع
في غضون ذلك، جرى اعتقال المشتبه به في الهجمات الثلاث التي شهدتها برلين، يومي 12 و14 أغسطس/آب. وهو ألماني يبلغ من العمر 63 عاما. وكان قد جذب الانتباه في السابق بسبب جرائم كراهية، وترك رسالة اعتراف فظة معادية للسامية في مسرح الجريمة، اطلعت عليها DW.
بالنسبة لكونراد كوت، صاحب مبادرة “صندوق الكتب” في مكان النصب التذكاري للرصيف 17، يعتبر القبض عليه “مرضيا” إلى حد ما. ولكن “المؤامرات الحالية ضد التنوع، وضد اليهود، وضد مثليي الجنس”، تقلقه بشكل متزايد. بيد أن كوت يرفض الشعور بالإحباط: “لقد شهدنا الكثير من التضامن وتلقينا التبرعات. ونحن نعيد بناء الصندوق”.
فولكر فيتينغ – دويتشه فيله
[ads3]