بي بي سي : سارة الزكريا وأخواتها .. ما سرّ شعبية هذا اللون الغنائي ؟

شهدت السنوات القليلة الماضية فورة موسيقية بطلاتها مغنيات يؤدين أغان شعبية، بألحان تقليدية، وكلمات توصف بأنها “فظة” أو “هابطة”، على أنغام الأورغ والطبل، وحولهنّ جمهور متحمس في أماكن السهر.

سهّل تيك توك انتشار هؤلاء المغنيات، فتخطين الحدود، وحققن أرقام مشاهدات بالملايين على منصات التواصل الاجتماعي، وباتت بعض العبارات من أغانيهنّ متداولة بين الناس بشكل كثيف، مثل سارة الزكريا، التي اشتهرت باستخدام عبارة “يا بيبي”.

حتى أن صحيفة “هآرتس” الإسرائلية نشرت، في يناير/كانون الثاني الماضي، تقريراً يتحدث عن انتشار أغنية الزكريا “بيبي” بين المستخدمين الإسرائيليين، وهم يغنون ويرقصون على إيقاع الأغنية.

وعادت سارة الزكريا إلى الواجهة خلال الأيام الماضية، بعد منعها من الغناء في مصر، بسبب قولها عبارة، اعتبرت مسيئة للشعب المصري، خلال حفلة إحدى حفلاتها في “المحروسة”.

كذلك واجهت زميلتها اللبنانية ريم السواس قراراً مماثلاً قبل مدة، بعد اتخاذ نقابة الفنانين السوريين قراراً بمنعها من إحياء حفلات في سوريا، بسبب كلمات أغانيها التي اعتبرت دون المستوى المطلوب.

تتناول أغاني الزكريا والسواس مواضيعاً تعدّ هابطة أو بذيئة، فواحدة تدعو حبيبها للزواج بالسر وتقول له: “تجي نتجوز بالسر، أهلي وأهلك ما يدرون، تجي ناخذ بيت بعيد ونخلف بيبي صغيرون”. والأخرى تقول إن الغلطة الأكبر التي ارتكبها خلال حياتها، هي أنها أحبت “واحد واطي” وعلّت من شأنه.

تقول الناقدة الموسيقية نور عزالدين في اتصال مع بي بي سي نيوز عربي، إنه ليس هناك معايير فعلية “للهبوط”، إلا “عند نقابات الموسيقى أو الأنظمة السياسية والدول التي تقرر ما هو الهابط، وما هو المسيء، وما هو خلاف ذلك”.

وتضيف: “قبل 20 سنة من الآن، كان ما تقدمه روبي يصنف على أنه فن هابط، وأصبح ما تقدمه الآن مجرد أغاني بوب شعبية، مثلها مثل نانسي عجرم وإليسا”.

صحيح أن بعض هذه الأغاني بكلماتها غير المألوفة، حظيت باهتمام أكبر في الفترة الأخيرة، إلا أنها ليست نمطاً فنياً حديث العهد.

إذ تقول نور عزالدين إن هذا اللون المسمّى “باللون الشعبي الشامي”، شائع في لبنان وسوريا والعراق، ونابع من اللهجة البدوية القديمة.

وتوضح أن الأغنية اللبنانية القديمة، التي “بدأت في أربعينيات القرن الماضي مع نجاح سلام وغيرها، كانت تغنى باللهجة البدوية، وذلك لأن اللهجة اللبنانية كانت تعتبر ثقيلة على الموسيقى. وبقيت هذه اللهجة مستخدمة في الأغاني الشائعة في البقاع وبعلبك”.

ويقول الصحافي المختص بالفن ربيع فران، إن المغنية السورية سارية السواس، كانت أول من قدم هذا اللون في إطار معاصر، بدءاً من أواخر التسعينيات، ولكنها لم تكن تستخدم عبارات فظة أو بذيئة. ويضيف: “شخصياً لا أستمع إلى هذا النوع من الأغاني، إلا أنني ضد القمع”.

يلقى هذا اللون الغنائي انتشاراً في وسائل النقل العام، والباصات، وبين سائقي الشاحنات، وامتدت شعبيتها حديثاً إلى ساحات تيك توك.

ويقول فران إلى أن هذا النمط يشار إليه بالغناء “النّواري” نسبةً لقبائل وعشائر النور أو الغجر التي تنتشر في منطقة الشام، و”تعرف بلونها الموسيقي الجميل الذي يستخدم فيه البزق والطبلة”.

ويضيف: “جزء كبير من هذا اللون منتشر في شبه الجزيرة العربية ويعتمد عادةً على الشجن والحزن والحب”.

ترافق انتشار هذا اللون الغنائي مع ظهور أغانٍ تتضمن عبارات جنسية في بعض الأحيان، مثل أغاني المغنيتين سارة جنيد وعلا جامع، واللتين تعيدان إلى الذاكرة شهرة المغنية السورية مها عبد الوهاب في ستينيات القرن الماضي والتي تتضمن أغانيها معانٍ جنسية صريحة.

وتقول نور عز الدين: “يجب ألا ننسى أن هذا النوع من الأغاني يصنع تحت راية الترفيه وهو موجه لجمهور يتواجد في أماكن السهر للغناء والرقص وشرب الكحول والتسلية، وليس لجمهور يفضل الطرب والأغنية النظيفة”.

يلاحظ أن معظم المغنيات الصاعدات ضمن هذا النمط الغنائي، يؤدين أعمالاً لمغنين آخرين خلال حفلاتهم على المسرح، ولا يسجلن أغانٍ خاصة في الأستوديو إلا في ما ندر، لذلك تنتشر أعمالهن بواسطة تسجيلات صوت أو فيديو من الحفلات.

تقول عز الدين: “لا يعتمد عملهن فقط على الغناء، بل على أجواء العرض أيضاً، والتفاعل مع الجمهور، لذلك تحظى تسجيلات حفلاتهن بالفيديو بملايين المشاهدات”.

وتتابع: “ذلك سر نجاحهن، إذ يتحدثن مع الجمهور من دون أي حدود، ويستخدمن عبارات يستخدمها الجميع، في المناطق الشعبية، ومنها الإهانات، وذلك ما يمنحهن قدرة على التطرق إلى مواضيع متعددة لا تتناولها أغاني البوب الرائجة”.

يرى الصحافي المختص بالموسيقى، داني حجار، أنّ الطابع الاستفزازي لكلمات الأغاني التي تغنيها مغنيات مثل سارة الزكريا وريم السواس، نابع من أنهن “نساء قررن الغناء عن أمور عادةً لا يتكلم عنها سوى الرجال، وهناك شيء ثوري ونسوي في تملكهّن لهذه اللغة والخطاب، واستخدامهن لكلام يوصف بأنه بذيء”.

ويقول حجار إن هؤلاء المغنيات تحدّين الوضع القائم في صناعة الموسيقى، وتحدّين معايير ما هو مسموح أو مقبول اجتماعياً، مما يجعل حضورهن على المسرح “فعلاً نسوياً فطرياً”، بحسب تعبيره.

ويلاحظ أن هناك ازدواجية معايير في التعاطي معهن، وفي منعهنّ من الغناء من قبل بعض النقابات الفنية. “إننا لا نرى رجالاً عوقبوا أو منعوا من الغناء بسبب كلمات مهينة أم بذيئة، على الرغم من وجود الكثير من الأمثلة على ذلك”، ومنها بحسب رأيه أغنية “التنورة” للمغني اللبناني فارس كرم، وبعض أعمال المغني اللبناني محمد إسكندر.

ويضيف: “على العكس يحتفى بأغانيهم، وتذاع في الأعراس، ويرددها الجميع ويرقصون على أنغامها”.

وكانت شهرة سارة الزكريا، تصاعدت عام 2021، مع أغنية “تجي نتجوز بالسر”، وحققت قناتها على يوتيوب أكثر من 124 مليون مشاهدة، فيما تحظى بأكثر من مليون و100 ألف متابع على تيك توك، وأكثر من 4 ملايين و500 ألف “إعجاب” على المحتوى الذي تنشره.

وشاركت الزكريا العام الحالي، في الجزء الثالث من مسلسل “للموت”، بأغنية خاصة بعنوان “دشش”، كتبت خصيصاً للمسلسل الذي عرض خلال شهر رمضان الماضي.

فيما اشتهرت السواس بشكل كبير عام 2022 بأغنيتها “أكبر غلطة بحياتي”، وجمعت عبر قناتها على يوتيوب أكثر من 214 مليون و816 ألف مشاهدة، فيما تحظى بأكثر من 3 ملايين و100 ألف متابع على تيك توك، وأكثر من 19 مليون “إعجاب” على المحتوى الذي تنشره.

ويمكن أن نلاحظ أوجه الشبه بين انتشار هذا النوع من الأغاني بأصوات نسائية عربياً، وبين تجارب مغنيات موسيقى الراب الأمريكيات، اللواتي يلجأن إلى كتابة أغانٍ بكلمات بذيئة.

وربما يكون وجه الشبه الأبرز بين الجانبين، هو قدرة هؤلاء المغنيات، على فرض أمر واقع جديد، ينتزعن فيه القدرة على التعبير بحرية، وإن ببعض البذاءة، وتحقيق انتشار جماهيري واسع من مهنتهنّ، وما يلي ذلك من ربح مادي كبير. (BBC)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها