خفايا قبول بشار الأسد في جامعة ويسترن البريطانية

 

تتحدث مراسلات إدارة شؤون الشرق الأدنى وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية البريطانية مع السفارة البريطانية في دمشق، التي أُزيح عنها طابع السرية، أخيراً، عن مقدمات التحاق رئيس النظام السوري الحالي، بشار الأسد، بجامعة مستشفى ويسترن البريطانية لإكمال دراسته في مجال طب العيون. وتروي لنا الوثائق أن بشار الأسد وقبل أن يتوجه إلى بريطانيا، حاول الالتحاق بدورة تدريبية لتقوية لغته الإنجليزية في أستراليا وكان يستعد للسفر إلى هناك باسم مستعار، لكن الإجراءات البطيئة التي اتخذتها الحكومة الأسترالية حالت دون ذلك.

وهنا نصوص من الوثائق التي تكشف جانباً مهماً في سيرة الأسد الابن:

رغبة واستجابة

وتشير البرقية رقم (210600Z) الصادرة في 21 يونيو (حزيران) 1989 عن السفارة البريطانية في دمشق والمرسلة إلى مرجعيتها في لندن، إلى دراسة محتملة لبشار الأسد في بريطانيا. وجاء في البرقية ما نصه، “دراسة محتملة لنجل الرئيس الأسد في المملكة المتحدة. اتصل الدكتور سعيد درويش (المعروف لك) في 16 يونيو ليسأل عن إمكانيات إرسال الابن الثاني للرئيس الأسد، بشار، البالغ من العمر 26 عاماً، خريج الطب حديثاً من جامعة دمشق، إلى المملكة المتحدة للدراسة للحصول على مؤهل أعلى في طب العيون. طلب الدكتور علي عبدالله، وهو طبيب رئاسي، من درويش أن يوصي بإجراء دراسة مناسبة لبشار خارج سوريا. اقترح مازن نفسه المملكة المتحدة”. وتضيف البرقية في فقرتها الثانية، “يقول مازن إن بشار طالب جاد (وليس مستهتراً مثل نجل خدام) لكنه لا يستطيع التعليق على قدرته الطبية أو إجادة اللغة الإنجليزية (لا تخذل أي جامعة سورية نجل الرئيس!). من الواضح أن بشار سيدفع بطريقته الخاصة. يريد مازن في البداية الحصول على المشورة حول ما إذا كان بشار (أو على أي شروط) سيكون موضع ترحيب في المملكة المتحدة، وإذا كان الأمر كذلك، فما الدورات التي قد تكون متاحة؟ مبدئياً لا يمكن القول على وجه اليقين مدى التزام (حافظ) الأسد نفسه بإرسال بشار إلى المملكة المتحدة. ولكن من الواضح أننا يجب أن نتعامل مع الطلب على محمل الجد. إذا كان الرأي الرسمي هو أن بشار سيكون موضع ترحيب في بريطانيا، فقد نقترح زيارة (على نفقة سوريا) من قبل متخصص من المجلس الثقافي البريطاني لتقييم احتياجاته وقدراته. إذا كان بشار غير مقبول، فعلينا أن نرسل إشارة واضحة ولكن مهذبة في أقرب وقت ممكن”.

فشل الذهاب إلى أستراليا

في الفقرة الرابعة من البرقية تخبر السفارة البريطانية لدى دمشق مرجعيتها في لندن بمعلومات سرية حصلت عليها من السفارة الأسترالية في دمشق تشير إلى أن بشار الأسد سبق وحاول متابعة دورة في اللغة الإنجليزية في أستراليا لكنه فشل في ذلك. وجاء في هذه الفقرة ما نصه، “يجب أن تعلم أن بشار تقدم، أخيراً، بطلب لمتابعة دورة في اللغة الإنجليزية في أستراليا. تعثر الاقتراح لأنه بعد سلسلة من الأخطاء البيروقراطية، تأخرت كانبيرا في منح تأشيرة لمرافق بشار، وهو رجل أعمال مقيم في المملكة المتحدة يدعى محمود معروف. كان من المقرر أن يسافر بشار، بموافقة كانبيرا، تحت اسم مستعار. جاء الطلب الأصلي للمساعدة في كانبيرا من أسقف أرثوذكسي أسترالي بناء على طلب رئيس الفرع الداخلي لدائرة المخابرات السورية العامة العميد محمد ناصيف خير بك، على الرغم من أنه تصرف بلا شك بصفته أحد المقربين من عائلة الأسد. من المؤكد أن كانبيرا لم تر شيئاً شريراً في موضوع بشار، ولولا السقطات الإدارية المذكورة أعلاه، فقد توقعت بعض المزايا السياسية في استضافته”.

عدم اعتراض بريطاني

وبعد نحو أسبوعين من برقية السفارة البريطانية في دمشق، ردت وزارة الخارجية البريطانية على سفارتها التي استفسرت عن فرص قبول نجل الرئيس السوري في الجامعات البريطانية. وجاء في البرقية رقم 051934Z بتاريخ الخامس من يوليو (تموز) 1989 ما نصه، “رسالتكم البرقية المؤرخة 21 يونيو، يمكنك إخبار مازن أننا لن نعترض على دراسة بشار في هذا البلد بشرط أن يحصل على تأشيرة بالطريقة المعتادة. تتمثل متطلبات وزارة الهجرة للحصول على تأشيرة طالب في الأساس بأن يمكن للطالب تحمل تكاليف الدورة والإقامة، حيث يتم قبوله من قبل المؤسسة التعليمية، وأنه يعتزم العودة إلى بلده الأصلي عند اكتمال الدورة”.

وحول اقتراح السفارة إرسال متخصص من المجلس الثقافي البريطاني لتقييم احتياجات بشار وقدراته على حساب الحكومة السورية، جاء في البرقية، “لمعلوماتك الخاصة، لا نعتقد أن هذا المقترح الذي يوصي بزيارة ممثل عن المجلس الثقافي البريطاني لسوريا مقبولاً. فبعد كل شيء، كان السوريون هم الذين أوقفوا عمل المجلس في دمشق”.

وصايا ونصائح لندن

وتستعرض وثيقة بريطانية أخرى نقاطاً عدة تتعلق جميعها بفرص مجيء بشار الأسد إلى لندن لإكمال دراسته. جاء في برقية وزارة الخارجية البريطانية الصادرة في السادس من يوليو (تموز) 1989 ما نصه:

“تلقى السيد ديفيز استفساراً حول الدورات الدراسية التي قد تعني أن ابن الرئيس الأسد يرغب في المجيء إلى هنا كطالب وما هي النصائح التي يجب أن نقدمها؟

– أوصي بإرسال معلومات حول الدورات والموافقة على قبول بشار الأسد إذا كان يفي بمتطلبات وزارة الداخلية وما إلى ذلك. لا أعتقد أن ممثل المجلس الثقافي البريطاني في عمان بحاجة إلى القيام بزيارة خاصة إلى دمشق.

– تم رفع الحظر الذي فرضته المفوضية الأوروبية على الزيارات رفيعة المستوى التي فُرضت كأحد تدابير ما بعد الهنداوي في منتصف عام 1987. لم يكن القصد منه أبداً، على أي حال، أن ينطبق على زيارات مثل زيارة بشار الأسد.

– قد يبدو من ضيق الأفق رفض قبول الأسد الشاب لأنه ابن (حافظ الأسد). ومثل هذا الموقف يمكن أيضاً أن يعقّد من دون داع إعادة تأسيس علاقاتنا في نهاية المطاف.

– من ناحية أخرى، ليست هناك حاجة للخروج عن طريقنا للتودد إلى عائلة الأسد من خلال ترتيب زيارة خاصة من المجلس الثقافي البريطاني في عمان. السوريون هم الذين أغلقوا المجلس في دمشق عام 1986. هناك أيضاً احتمال خارجي بأن النتائج النهائية لحادثة لوكيربي قد تعني أنه سيتعين علينا إيجاد طرق جديدة لإلزام السوريين.

– في ظاهر الأمر لن يكون هناك أي اعتراض على قبول بشار، يجب ألا يواجه صعوبة في الامتثال لمتطلبات وزارة الداخلية للحصول على تأشيرة طالب”.

ترتيبات استخباراتية

واستمرت محاولات بشار الأسد طيلة صيف 1989 الحصول على فرصة قبوله في إحدى الجامعات البريطانية لإكمال دراساته العليا في طب العيون وذلك عن طريق عدة شخصيات سورية أبرزها كانا رئيس الفرع الداخلي لدائرة المخابرات العامة، العميد محمد ناصيف خير بك والدكتور سعيد درويش.

وتتضمن البرقية رقم Z070915 الصادرة عن السفارة البريطانية في دمشق بتاريخ السابع من يوليو (تموز) 1989 تعليقاً خطياً، نصه كالتالي، “اتصل الدكتور درويش برفقة زوجته وحماته. لقد قطع هو وعائلته شوطاً طويلاً في هدف الترتيبات التي ينطوي عليها حضور بشار في هذا البلد، هكذا يعتقدون، ثم تساءلوا: هل نريد الأسد في بريطانيا؟ قلت إننا تجنبنا الرفض وقررنا عدم الاعتراض ولكن سيتعين ‏‏على بشار التقديم بالطريقة المعتادة لتلبية معاييرنا للحصول على تأشيرة طالب”.

كانت البرقية تستفسر من مرجعيتها في لندن عن إمكانية التواصل مع الدكتور سعيد درويش الذي كان يمضي عطلته في لندن ومتابعة موضوع دراسة بشار الأسد في بريطانيا.

شروط أكاديمية

وتستعرض البرقية رقم 4805 الصادرة في 11 يوليو 1989 والتي تحمل عنوان: “نجل الرئيس الأسد (بشار 26 عاماً) رقم الملفSYR/630/2 الشروط العامة لمتابعة الدراسات العليا في بريطانيا:

“ستستغرق الدورة الدراسية التي تؤدي إلى الحصول على درجة دراسات عليا جديرة بالاهتمام (في طب العيون في هذه الحالة، أو أي تخصص طبي مهم آخر) سنة واحدة على الأقل وربما سنتان. ستشمل الدورة، التي ستتأثر، الممارسة السريرية التي يكون تسجيلها في المجلس الطبي العام إلزامياً. وهذا بدوره يتطلب:

أ- درجة علمية مقبولة (التي يمتلكها الطبيب)

ب- فترة مقبولة بعد التأهيل للعمل في المستشفى (لا نعرف ما الذي فعله) وإذا كان يسعى للحصول على رعايتنا أو غيرها، فيجب أن يكون قد أمضى ثلاث سنوات في المستشفى، يجب أن تكون إحداها في وظيفة مقبولة في طب العيون.

ج- يجب أن يكون لديه إجادة اللغة الإنجليزية وفقاً لمعايير GMC وهذا هو OBS7 باستخدام اختبار ELT.

إذا استطعنا الحصول على ما سبق، فليس لدي شك في أنه يمكن ترتيب التدريب ولكن لا فائدة من إجراء استفسارات دون وجود خلفية في متناول اليد. يرجى العودة إلينا في شأن النقاط المذكورة أعلاه في الوقت المناسب وسنشرع في التشاور مع وزارة الخارجية”.

حامد الكنكاني – صحيفة إندبندنت (النسخة العربية)

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها