ألمانيا تعيد فتح قضية مقتل طالب لجوء في حريق متعمد بعد 32 عاماً
رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود، ما زال الحريق الذي اندلع داخل فندق سابق يقطنه طالبو لجوء في غرب ألمانيا عام 1991 عالقا في ذهن “جو إي*” خاصة وأن الحريق أسفر عن مقتل طالب لجوء من غانا يدعى صامويل ييبواه كان في عامه السابع والعشرين.
لكن ما أثار ذكريات هذه المأساة قيام محكمة ألمانية باستدعاء “جو إي” للمثول أمامها كشاهد حيث لا يوجد في ألمانيا حد زمني لوقف المحاكمات في جرائم القتل فيما استأنفت المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز مساعي حل لغز ما حدث في صباح التاسع عشر من سبتمبر / أيلول عام 1991 في بلدة سارلويس الصغيرة الواقعة في ولاية سارلاند، الولاية الاتحادية الأصغر في ألمانيا.
وفي ذاك اليوم المشؤوم، قام جاني أو أكثر بسكب بنزين على الدرج الخشبية لمركز إيواء طالبي اللجوء وإشعال النار فيه ما أدى إلى انتشار الحريق في النُزل حيث كان يقطنه آنذاك لاجئون فروا من غانا ونيجيريا وساحل العاج وموريتانيا والسودان ومنطقة البلقان وكان من بينهم صامويل ييبواه الذي لقى حتفه إثر الحريق.
وفي محاولة لاستدعاء تفاصيل هذا اليوم، قال “جو إي” إن ثلاثة انفجارات مدوية أيقظته من النوم وإلا كان الموت مصيره، مضيفا “هرعت إلى السلالم ثم رأيت الدخان واللهب حيث كان جدار بأكمله مشتعلًا بالنيران”.
وأضاف أن شابين من نيجيريا أصُيبا بكسور في العظام بعد أن قفزا من النافذة. سيدة فرنسية انهارت كانت في النُزل انهارت في البكاء وهي تصف للمحكمة بعد 32 عاما حالة الصراخ التي انتابت الجميع، فيما حاول كثيرون القفز من النوافذ في مسعى للنجاة من الحريق المستعر.
وقال “جو إي” إنه سمع صاموئيل وهو يستغيث حيث كان يعيش في الطابق العلوي، مضيفا “كان يصرخ ويقول”أنا أموت أموت” حيث كانت النيران تحيطه من كل جانب ولم يتمكن أي شخص من مساعدته حتى جاء رجال الإطفاء وقاموا بانقاذه لكن الحريق كان قد التهم جسده بالكامل”.
ولفظ الشاب أنفاسه الاخيرة بعد ثلاث ساعات من دخوله المستشفى. قال “جو إي” إن صموئيل كان شخصية محبوبة حيث كان يلعب كرة القدم والملاكمة واستطاع تكوين صداقات مع ألمان.
وعلى الفور، بدأت الشرطة الألمانية في سماع شهادات الناجين وشهود العيان مع احتمالية تورط تجار مخدرات أو عصابات الجريمة المنظمة. وبعد أيام، جرى استجواب أعضاء من جماعة من النازيين الجدد من مجموعة “حليقي الرؤوس” في سارلويس، لكن الشرطة أغلقت هذا المسار من التحقيق، وبعد عام جرى إغلاق التحقيق بشكل نهائي.
ولم يكن هذا الحادث الأول الذي يستهدف نُزل خاص باللاجئين، إذ سبقه بشهر وقوع هجوم متعمد على مكان يأوي لاجئين ومهاجرين في سارلويس.
قال “جو إي” إن سكان هذه المكان تلقوا رسائل تهديد مازال يحفظها عن ظهر قلب. واضاف أن الرسالة جاءت كالتالي: “عودوا إلى غابتكم وإلا ستقتلون جميعاً”، فيما قال ضابط كان مشاركا في التحقيقات أمام المحكمة إن سارلويس لم تشهد “هجمات معادية للأجانب”.
بدورها، قالت هايكه كليفنر، التي تعمل في رابطة تعني بمساعدة ضحايا جرائم العنصرية و معاداة السامية واليمين المتطرف، “ثمة انطباع بأن الشرطة تعاملت مع الأمر كما لو كان مزحة صبيانية، لكن لسوء الحظ أدى الأمر إلى مقتل شخص وإصابة آخرين”.
وأضافت “بعث عدم اهتمام سلطات إنفاذ القانون في تسعينيات القرن الماضي برسالة إلى الضحايا مفادها: “حياتكم لا تساوي شيئا من وجهة نظرنا”، مشيرة إلى أن الأمر “بعث أيضا برسالة إلى الجناة مفادها ” سوف تفلتون من العقاب””.
لكن أعيد فتح التحقيق مرة أخرى بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما ويعود الفضل في ذلك إلى مشادة كلامية بين المتهم بارتكاب الجريمة من جهة وبين إحدى الشاهدات في حفل شواء عام 2007 حيث قال لها: “أنا هنا ولم يتم القبض علي.” وعندما عملت السيدة عام 2019 أن شابا قتل في هذا الحريق سارعت إلى إبلاغ الشرطة.
وخلافًا لما حدث عام 1991، قامت السلطات هذه المرة بإجراء تحقيقات مكثفة في نشاط المنظمات اليمينية في سارلويس من خلال إجراء عمليات بحث وتحقيق واستدعاء شهود، وتولى القضية رئيس المحكمة القاضي كونراد ليتغيس، الذي أكد لأحد الشهود استمرار الجهود حتى “إنزال العقاب بالجناة”.
ولم يعتذر رئيس شرطة سارلاند عن أوجه القصور في عمل الشرطة إلا بعد إلقاء القبض على المتهم في أبريل / نيسان العام الماضي.
وقد ذكر تقرير أصدره جهاز المخابرات الداخلية الألمانية (مكتب حماية الدستور) عام 1991 أن واقعة الحريق الذي أودى بحياة الشاب الغاني تعد جريمة ذات خلفية يمينية متطرفة.
وفي ذلك، قال “جو إي” إنه سعيد باستئناف المحاكمة، قائلا “يجب أن تظهر الحقيقة للنور.”
ولكونه شاهد عيان جلس “جو إي” في المحكمة على مقربة من المتهم الذي يدعى “بيتر إس” الذي كان إبان الجريمة أحد الأعضاء في جماعة من النازيين الجدد من مجموعة “حليقي الرؤوس” في سارلويس، فيما يجري التحقيق مع اثنين آخرين من المشتبه بهم. وجرى سجن “بيتر. إس” الذي كان زعيم عصابة تضم نازيين جدد في سارلويس، احتياطيا منذ يونيو / حزيران الماضي.
وتندرج الاتهامات من القتل ومحاولة القتل وحتى التسبب في حريق متعمد بدوافع عنصرية. وعرضت المحكمة صورة “بيتر إس” وهو يرتدي زي الوحدات النازية الخاصة (SS) مع شارة الصليب المعقوف.
وفي بداية المحاكمة، قال محاموه إنه كان نائما ليلة الحريق، لكن لاحقا قال “بيتر إس” من خلال محاميه إنه كان متواجدا في مسرح الجريمة عندما قام رجل آخر من مجموعة “حليقي الرؤوس” بسكب البنزين وإشعال النيران في الُنُزل حيث كان يقيم طالبو اللجوء.
الجدير بالذكر أن السنوات التي أعقبت إعادة توحيد ألمانيا شهدت استهداف العديد من مرافق إيواء اللاجئين أعمال حرق متعمد فيما تحدث الادعاء عن “أجواء تشبه مذابح” في ضوء أعمال الشغب اليمينية المتطرفة التي وقعت في أمكان عدة من البلاد ضد طالبي اللجوء.
وقالت هايكه كليفنر إن الشرطة ومسؤولي المخابرات المحلية سجلوا ما لا يقل عن 1250 هجوما شملت أعمال حرق متعمد ذات دوافع يمينية متطرفة بين عامي 1990 و1994. ويقدر علماء الجريمة أنه جرى قد حل 20% من تلك القضايا.
وعلى مدار الثلاثين عاما الماضية، ناضلت ثلاثة منظمات من أجل استمرار التحقيق في الجريمة التي راح ضحيتها الشاب صموئيل مع دعوات لوضع لوحة تذكارية تخليدا لذكراه.
يشار إلى أنه في يونيو/حزيران الماضي، أقرت أنكي ريهلينغر، رئيسة وزراء ولاية سارلاند والتي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي، بأن “الجريمة كانت ذات دوافع عنصرية”، حيث قدمت اعتذارا لبعض الناجين، قائلة “نيابة عن حكومة ولاية سارلاند، أعتذر لضحايا وأقارب هجوم الحرق المتعمد في سارلويس، وعن الإخفاقات السابقة”.
وأعلنت عن إنشاء صندوق لتعويض ضحايا أعمال العنف الخطيرة. ومن المقرر أن يبدأ في أكتوبر/تشرين الأول المقبل تحقيق سياسي في مقتل الشاب وغيره من الهجمات.
وفي ضوء كل هذه المعطيات، قال “جو إي” “طوال هذه السنوات، اعتقدت أنني قد نسيت ما حدث صباح التاسع عشر من سبتمبر / أيلول عام 1991، يحدوني الأمل الآن في أن ينال الجناة العقاب وأن موت صموئيل لم يكن عبثا”.
ومن المتوقع صدور الحكم في هذه القضية في أكتوبر / تشرين الأول المقبل.
أندريا غروناو – دويتشه فيله[ads3]