هيئة الإذاعة البريطانية : كيف طورت حماس جناحها العسكري ؟ و من أين تأتي بالسلاح ؟

 

في ذلك اليوم الممطر شديد البرودة من شتاء عام 1987، وبالتحديد في 14ديسمبر/ كانون أول، كانت الساحة الفلسطينية تغلي، والانتفاضة الفلسطينية الأولى قد بدأت قبل أقل من أسبوع، ليخرج مجموعة من الشيوخ على رأسهم الراحل أحمد ياسين، ليعلنوا تأسيس حركة المقاومة الإسلامية، والتي عرفت لاحقا باسم حماس.

في مقابلة متلفزة سابقة مع الشيخ قال إنه أنفق الكثير من الوقت مع آخرين في تربية جيل جديد من الشباب على المقاومة.

ولا يبدو أن أحدا ألقى إلى الرجل بالا عندما ذكر هذا الأمر في نهاية القرن الماضي، قبل سنوات من قيام إسرائيل باغتياله رغم أنه كان قد أضحى شيخا طاعنا في السن، قعيدا، ولا يشارك بأي شكل من الأشكال في إدارة الحركة.

بعد إعلان تأسيس الحركة شرعت بشكل مباشر في تأسيس جناح عسكري، لكنها احتاجت أكثر من عامين تقريبا لتقوم بأول عملية لها ضد مجندين إسرائيليين، ونجحت بقتل وخطف جنديين.

لم يكن للحركة أي ثقل عسكري ملحوظ إلا في أعقاب الانتخابات التشريعية الأولى التي أجريت في قطاع غزة عام 2006.

فالحركة التي أعلنت تبني المقاومة، ورفض أي جهود سياسية باعتبارها مضيعة للوقت، فازت بأغلبية مريحة تضمن لها تشكيل حكومة لإدارة القطاع، لكن العالم لم يرض.

الولايات المتحدة، والغرب وجهات أخرى رفضوا النتائج، وطالبوا الحركة بالتخلي عن “العنف” وإعلان اعترافها بإسرائيل قبل السماح لها بتولي السلطة.

بعد عدة أشهر وقعت اشتباكات بين عناصر حركة فتح، التي تحظى بالاعتراف الدولي كجهة مسؤولة عن الشعب الفلسطيني، وحركة حماس في قطاع غزة، آلت في النهاية إلى إبعاد عناصر فتح، وسيطرة الحركة بشكل كامل على القطاع لتبدأ شق طريقها.

هذا السؤال هو الأهم في الصراع على الإطلاق، ولو عُرفت إجابته بشكل مؤكد، لأوشك الصراع على الانتهاء، لكن الأمر الواقع يرجح بعض التكهنات والتي تبقى دوما في صيغة تحليلية لأ أكثر.

سلاح حماس بدأ بمجرد أسلحة خفيفة ثم قامت بتطوير بعض ورش الحدادة لصنع الذخيرة، وحتى هذه الورش كانت إسرائيل تتبعها وتقوم بقصفها بشكل دوري.

لكن أول صاروخ تم إطلاقة من غزة باتجاه إسرائيل كان في عام 2006، كان من طراز كاتيوشا الروسي الصنع.

في أعقاب ذلك، وبعد عام 2007 تعرض قطاع غزة لحصار تام، وأصبح دخول أي أسلحة أمرا شديد الصعوبة، فاعتمدت الحركة على تطوير وتصنيع أسلحتها، وعلى رأسها صواريخ القسام بأنواعها.

يرى بعض المحللين إن إيران تدعم الحركة عبر حليفها في لبنان “حزب الله” لكن هذه أمور لم تثبت بشكل قطعي، وذلك رغم التقارب بين قيادات حماس، والمسؤولين الإيرانيين.

في مرحلة ما كانت الصواريخ ضغيفة نسبيا، حتى أن بعض السياسيين تهكموا عليها، وسموها “الصواريخ العبثية”، مطالبين بوقف إطلاقها لمنع رد الفعل الإسرائيلي الذي كان دوما يتراوح بين القصف الجوي أو عمليات اجتياح برية سريعة.

في وقت لاحق من العام 2007، برز مصطلح جديد فرضته الحركة على الساحة الدولية وهو “حرب الأنفاق”.

حماس نجحت في سنوات قليلة، بصنع شبكة من الأنفاق المعقدة، والممتدة عبر الحدود بين القطاع ومصر، والأراضي المحتلة، حتى أنها كانت تستخدمها في مفاجأة الجنود الإسرائيليين خلال الاجتياح البري الذي جرى عام 2014، بحيث كان مقاتلوا الحركة يظهرون فجأة من العدم ويطلقون الرصاص ثم يختفون كما ظهروا.

“حرب الأشباح” هذه فرضت على إسرائيل محاولة تدمير هذه الشبكة بأسرع وقت ممكن، لكن الأمر كان أكثر صعوبة مما تخيلت تل أبيب.

على مدار السنوات التالية أصبحت صواريخ حماس أكثر قوة وأبعد مدى، وأكثر تأثيرا، فلم تعد الصواريخ تقتصر على الوصول إلى البلدات الجنوبية الإسرائيلية بل وصلت إلى تل أبيب، وبير السبع، وحيفا.

وأصبحت الصواريخ تصل إلى مطارات إسرائيل الرئيسية، وتستطيع منع حركة الملاحة، وبإمكان حماس استخدام صواريخها متى شاءت لإجبار إسرائيل على إغلاق مدن كاملة، وإجبار سكانها على الفرار إلى الملاجيء، وإيقاف الحياة بشكل كامل.

هذه التبعات الاقتصادية في حد ذاتها تمثل ضغطا على إسرائيل لا يمكنها تحمله لفترة طويلة.

في الاشتباكات الجارية شاهد الجميع إمكانيات جديدة للحركة فقد استخدمت الطائرات الشراعية وطائرات مختلفة للاستطلاع والهجوم، وطوعت أليات مدنية لاستخدامات عسكرية شكلت مفاجأة كبيرة.

تمتلك الحركة مجموعة متنوعة من صواريخ أرض – أرض. ويُعتقد أن بعض هذه الصواريخ (إلى جانب أنظمة أخرى مستخدمة مثل صواريخ كورنيت المضادة للدبابات التي استخدمت في السابق)، قد تم تهريبها عبر الأنفاق من شبه جزيرة سيناء المصرية في أوقات سابقة.

لكن الجانب الأكثر أهمية هو الصواريخ المصنعة محلياً إلى حد بعيد، حيث توجد قدرات تصنيع نشيطة ومتطورة نسبيا داخل قطاع غزة نفسه.

ويعتقد خبراء إسرائيليون وأجانب أن الخبرة والمعرفة الإيرانية لعبت دوراً مهما في بناء هذه الصناعة، وبالتالي كانت مواقع تصنيع وتخزين الأسلحة من بين الأهداف الرئيسية للقصف الإسرائيلي، لكن من الواضح أنها لم تحقق نجاحا كافيا لوقف الحركة.

وتمتلك حماس مخزوناً كبيراً من الصواريخ قصيرة المدى مثل القسام (يبلغ مداه 10 كيلومترات) والقدس 101 (يبلغ مداه حوالي 16 كيلومترا)، كما أن لديها نظام صواريخ غراد (ويصل مداه حتى 55 كيلومترا)، وصاروخ سجيل 55 (ويصل مداه حتى 55 كيلومترا). ومن المحتمل أن تكون هذه الأنواع تمثل الجزء الأكبر من مخزون حركة حماس، وفيما يتعلق بالمدى الأقصر يمكنها استخدام قذائف الهاون.

لكن بحوزة الحركة أيضا مجموعة متنوعة من الأنظمة الصاروخية طويلة المدى مثل إم – 75 (يصل مداه حتى 75 كيلومترا)، والفجر (يصل مداه حتى 100 كيلومتر)، و160 – آر (ويصل مداه حتى 120 كيلومترا)، وبعض صواريخ إم -302 إس التي يبلغ مداها 200 كيلومتر، لذلك من الواضح أن لدى حماس أسلحة يمكنها استهداف القدس وتل أبيب على حد سواء، وتهديد الشريط الساحلي الذي يضم أكبر كثافة سكانية في إسرائيل والبنية التحتية الحيوية بأكملها.

في النهاية بين أول صاروخ كاتيوشا، وأحدث طائرة استطلاع مسيرة، تبقى قدرات حماس العسكرية مثل جبل الجليد، ما يظهر منه أقل بكثير مما خفي. (BBC)

 

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها