وسائل إعلام أمريكية : قصص من غزة .. جثث تملأ المكان و أحياء يبحثون عن الأمان
ما تزال عائلات فلسطينية بأكملها محاصرة تحت الأنقاض، فيما تتلقى طواقم الدفاع المدني عددا متزايدا من نداءات الإنقاذ لأسر راحت ضحية الغارات الجوية الإسرائيلية العنيفة على غزة، والتي تزداد كثافة مع دخول التوتر يومه الرابع.
ما بين جثث ملقاة على أراض المستشفيات والمشارح، ونزوح جماعي للأسر وتوقف الحياة كليا بسبب الحصار، مآسي مختلفة تتعرض لها الأسر الفلسطينية يوميا منذ بدء “الانتقام الإسرائيلي” إذ حاولت وسائل إعلام توثيق ما يجري هناك.
وقصص مآسي الأسر الفلسطينية التي تحدث عنها الإعلام الغربي كان من ضمنها حكاية، ناصر أبو قوطة، التي تسببت غارة جوية إسرائيلية في مقتل 19 فردا من عائلته في لحظة واحدة في مخيم للاجئين جنوب قطاع غزة.
“لقد غمر الغبار المنزل.. كانت هناك صرخات في كل مكان.. واختفت الجدران بعد القصف وأصبح كل شيء مفتوحا” بهذه الكلمات بدأ أبو قوطة، 57 عاما، يروي مأساته لوكالة “أسوشيتد برس”، قائلا “اعتقدت أنني وعائلتي الكبيرة سنكون في أمان لأننا كنا على بعد مئات الأمتار من المنزل الذي تم تنبيهه من قبل القوات الإسرائيلية بضربة وشيكة”.
وأضاف “ولذلك تجمعت مع أقاربي في الطابق الأرضي من المبنى المكون من أربعة طوابق، استعدادًا لإطلاق قصف على المنطقة”، بحسب وكالة “أسوشيتد برس”.
لكن منزل جار أبو قوطة لم يُقصف قط، بحسب ما حكاه للوكالة، وقال إنه في لحظة، وقع انفجار في منزله، ما أدى إلى مقتل 19 فرداً من عائلته، بمن فيهم زوجته وأبناء عمومته. كما أدت الغارة الجوية إلى مقتل خمسة من جيرانه الذين كانوا يقفون بالخارج في مخيم اللاجئين المكتظ، وهو عبارة عن خليط من المباني والأزقة.
وجاءت الغارة الجوية على رفح، وهي بلدة جنوبية على الحدود مع مصر، في الوقت الذي كثفت فيه القوات الإسرائيلية قصفها لأهداف في قطاع غزة في أعقاب هجوم كبير متعدد الجبهات شنه مقاتلو حماس، السبت.
ويبدو بحسب الوكالة أن الجيش الإسرائيلي أطلق عدة غارات جوية مميتة مماثلة على المباني السكنية المزدحمة.
وارتفع عدد الضحايا الفلسطينيين جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 849 شخصا، من بينهم 260 طفلاً و230 امرأة، بينما وصل عدد الجرحى إلى 4360، منذ السبت.
وحتى مساء الاثنين، تم القضاء على ما لا يقل عن 13 عائلة فلسطينية، يبلغ مجموع أفرادها 150 فردًا، جراء الغارات الجوية المباشرة على مبانيها السكنية متعددة الطوابق، وفقًا لوزارة الصحة في غزة.
وقال الجيش الإسرائيلي، السبت، إنه قصف العديد من مكاتب حماس ومراكز القيادة في مبان متعددة الطوابق.
لكن أبو قوطة لا يفهم لماذا قصفت إسرائيل منزله. وأصر على أنه لم يكن هناك مسلحين في المبنى الذي يقيم فيه، ولم يتم تحذير عائلته. وأضاف قريبه خالد أنم لو كان تم تحذيرهم لكانوا أخلوا المنزل.
وقال أبو قوطة، الذي لا يزال مصدوما، لـ”أسوشيتد برس” وهو يتذكر المأساة بتفاصيلها: “هذا منزل آمن، فيه أطفال ونساء”.
واجتاح الحزن أبو قوطة، الأحد، بينما كان يستعد لعملية الدفن مع 24 من أقاربه الباقين على قيد الحياة، بما في ذلك الأطفال والأحفاد الجرحى. وأضاف أن العديد من الجثث التي تم انتشالها من تحت الأنقاض كانت متفحمة ومشوهة.
وبينما تمكن من التعرف على جثث 14 من أفراد الأسرة، ظلت جثث أربعة أطفال على الأقل في المشرحة، ولا يمكن التعرف عليها. وكانت جثة واحدة مفقودة.
وقال: “ربما نضعهم غداً في قبر واحد.. هم في سلام الآن”.
ووفقا للوكالة، يقول الجيش الإسرائيلي إنه يشن ضربات دقيقة تستهدف قادة المتشددين أو مواقع العمليات، وإنه لا يستهدف المدنيين، لكنه أيضا يتحدث عن زرع المسلحين في المناطق المدنية في جميع أنحاء قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة، والذي يخضع لحصار بري وجوي وبحري شديد من قبل إسرائيل ومصر.
وأدت العملية غير المسبوقة التي قامت بها حماس إلى تعهدات بالانتقام من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الذي أعلن أن بلاده في حالة حرب، وتعهد “بالانتقام العظيم لهذا اليوم الأسود”.
وبحلول الاثنين، كان الرد على قدم وساق، حيث أمر وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، بفرض “حصار كامل” على غزة، بدون كهرباء أو ماء أو طعام أو وقود”.
وأوضحت الشبكة أن “العديد من الفلسطينيين خائفين من هذا الانتقام المميت”.
مأساة أخرى في قطاع غزة تحدثت عنها صحيفة “نيويورك تايمز” وهي اكتظاظ المستشفيات والمشارح بالأقارب الذين يبحثون عن أخبار أحبائهم.
وملأت جثث الفلسطينيين مشرحة مستشفى الشفاء، حيث لم تعد هناك مساحة داخل الثلاجات، ووصل لأمر لأن الجثث كانت ملقاة على الأرض مع استمرار وصول المزيد من الجثث والمصابين، وكذلك عائلات القتلى، بحسب الصحيفة.
وتعرض المستشفى الرئيسي في غزة، مستشفى بيت حانون، لأضرار وهو الآن خارج الخدمة بعد أن استهدفت القوات الإسرائيلية المنطقة بشكل متكرر، وفقًا لوزارة الصحة في غزة.
وداخل أحد المستشفيات، رصدت وكالة “رويترز” رجل يرقد بجانب جثة ابن أخيه المكفنة، وهو في حالة هيستيرية من الحزن، ويضرب الأرض حزنا ويحتضن الجثة وهو يصرخ.
وتجوب مواكب الجنازة شوارع غزة كل ساعة. وفي رفح بجنوب البلاد، خرجت جنازة كبيرة خلف جثة ملفوفة بالأبيض لطفل صغير يدعى سعد لباد محمولة على نعش بعدما قُتل في غارات جوية.
وفي المشرحة في مدينة خان يونس بجنوب قطاع غزة، ذكرت “رويترز” أن الجثث كانت ملقاة على نقالات على الأرض، والدماء تلطخ المكان، وكتبت أسماء المتوفين على بطونهم. وكانت إحدى الجثث ملقاة وذراعها ممدودة، وكانت جثث خمسة أطفال صغار مصفوفة بجانب بعضها البعض على الأرض.
وداخل المشرحة، ناشد العمال العائلات جمع الجثث بسرعة لدفنها لإفساح المجال للموتى الآخرين الذين ما زالوا يصلون.
ووسط اشتداد الغارات الجوية، ذكرت “نيويورك تايمز” أن الحياة بكافة أشكالها توقفت. وأغلقت محلات السوبر ماركت والمخابز والصيدليات في غزة أبوابها بعد أن أفرغ الأهالي الرفوف بالفعل، خوفا من الحصار.
كما تم تعليق الدراسة في جميع أنحاء غزة، وبدأ الناس في التجمع في المباني المدرسية الفارغة للاحتماء، بحسب الصحيفة.
ودمرت مئات الشقق والمنازل في قطاع غزة، بما في ذلك مخيمات اللاجئين، ما أدى إلى نزوح أكثر من 123 ألف شخص، وفقا للأمم المتحدة.
ويلجأ أكثر من 73 ألف شخص إلى المدارس، بحسب “نيويورك تايمز”.
وبمجرد غروب الشمس، يغرق قطاع غزة في الظلام، ولذلك توجهت بعض العائلات التي تعيش في شمال غزة إلى جنوب مدينة غزة وإلى منازل أقاربها، بعد أن استيقظت على أصوات الانفجارات وخشيت على حياة أطفالها.
كما تم تدمير مركز اتصالات رئيسي في غزة جراء الغارات الجوية، ما جعل من الصعب الوصول إلى الإنترنت أو إجراء مكالمات هاتفية.
مآسي الأمهات الفلسطينيات كانت حاضرة في المشهد الصادم، فقد عرضت وكالة “رويترز” قصة امرأة من غزة جمعت أمتعتها وأطفالها الستة في سيارة بعد ليلة مرعبة من الغارات الجوية التي دمرت منزلهم. وقالت هي تبكي: “ماذا فعل أطفالي ليستحقوا هذا؟… ما ذنبنا؟ لا يوجد كهرباء ولا إنترنت ولا طعام ولا ماء”.
وبحزن شديد، حكت الأم الغزية، إيمان طاهر، لـ”رويترز” أنها ليس لديها أي فكرة عن المكان الذي ستذهب إليه بحثاً عن الأمان مع وأطفالها الصغار.
وحكت: “الليلة الماضية كانت أصعب ليلة قضيناها في البرج. لقد استهدفوا جميع المناطق المحيطة وكان الأطفال مرعوبين”.
ودمرت انفجارات الغارات الجوية شرفة شقتهم ونوافذها، فخرجوا وجلسوا في الشارع حتى نقلتهم سيارة إسعاف، بحسب الوكالة.
وقالت إيمان إنه ليس لديها مكان تذهب إليه بعد أن تضررت مباني شخصين كانا قد قدما المأوى لها.
وحاولت جميلة الزنين، 39 عاما، صرف انتباه أطفالها الثلاثة أثناء فرارهم من منزلهم الذي لا يبعد كثيرا عن الحدود مع إسرائيل متجهين جنوبا.
وقالت لـ”نيويورك تايمز”: “كان الأطفال مرعوبين، وبينما كنا نسير في السيارة، كانوا ينظرون يميناً ويساراً، وكانت هناك انفجارات وقذائف في كل مكان.. لقد كانوا في حالة هستيرية.”
واستيقظت أم محمد أبو جراد، 35 عاما، وهي أم لخمسة أطفال، في منزلها بالقرب من الحدود الشمالية لقطاع غزة على أصوات الانفجارات. وقالت إن أطفالها كانوا يصرخون وفروا من منزلهم دون أن يأخذوا معهم أي شيء.
وأضافت للصحيفة: “الوضع صعب للغاية”.
وقالت إنهم سافروا إلى منزل والديها في أقصى الجنوب، لكنها لم تشعر بالأمان حتى هناك، خوفًا من أن تلاحقها الانفجارات في أي مكان في قطاع غزة.
وتحدثت للصحيفة عن استمرار مأساتها، قائلة لقد عاش أطفالها الصغار بالفعل جولات عديدة من الغارات الجوية الإسرائيلية، وتساءلت إلى متى ستستمر حياتهم على هذا النحو.
وقالت: “لقد تعبنا… في كل حرب نهرب من منزل إلى منزل”.
وذكرت منظمة “أنقذوا الأطفال” الدولية أن الأطفال الفلسطينيين هم الذين يدفعون الثمن الأكبر للقصف الإسرائيلي. وأوضحت أن الغارات الجوية دمرت منازل الأطفال والأسر في غزة، في حين تضررت ثلاث مدارس على الأقل ومستشفى واحد.
وقال جيسون لي، مدير المنظمة في الأرض الفلسطينية، إن شعور الأطفال بالأمان “قد تلاشى.. العائلات والأطفال مرعوبين ويشعرون كأنهم أهداف”.
وأضاف: “الأطفال في جميع أنحاء المنطقة يعيشون في خوف دائم.. يجب أن يتوقف هذا العنف، وإلا فإن الأطفال سيستمرون في دفع الثمن”.
وللمرة الثانية في أقل من ثلاث سنوات، كان الدكتور إسماعيل، وهو طبيب نفساني في مدينة غزة، يحاول، لكنه فشل، في العثور على مأوى آمن لإجلاء زوجته وأطفاله الستة مع تكثيف الغارات الجوية الإسرائيلية.
وقال لـ”نيويورك تايمز”: “أتذكر أنني عشت هذه الظروف مع أطفالي، في مايو 2021، نفس الخوف من العيش تحت القصف، وسماع الغارات الجوية ورؤية الجثث على مسافة ليست بعيدة عن منزلنا”. وتحدث عن غضبه وخوفه قائلا “عائلتي مرعوبة للغاية، رؤية جثث الجرحى والموتى تعيد لنا الألم النفسي الذي عشناه في ذلك الوقت”.
ويحكي الفلسطيني هاني البواب، 75 عاما، لـ”سي أن أن” أنه وأسرته المكونة من أربعة أفراد ظلوا مستيقظين طوال الليل خوفاً من الغارات الجوية. وقصفت إسرائيل البرج المجاور لمنزله خلال الليل، ما أدى إلى انهياره على منزله وجعله وعائلته بلا مأوى.
وقال البواب: “لا أعرف ماذا أفعل”. وهو يعيش الآن في الشارع، بينما تقيم زوجته مع أحد معارفها.
وأضاف أن الفلسطينيين في غزة يعيشون في حالة “ذعر وخوف”، ويستعدون في كل لحظة لسقوط قنبلة على أحد المباني.
وقال للشبكة “أريد فقط منزلا أعيش فيه مع أطفالي.. أريد فقط المأوى”.
ويروي سليم حسين، 55 عاما، للشبكة مأساته هو الآخر، قائلا إنه فقد منزله في غارة جوية إسرائيلية، وكان يعيش في الطابق الأول من أحد الأبراج، مضيفا أنه وعائلته تلقوا تحذيرات من إسرائيل قبل لحظات فقط من قصف المبنى.
وقال حسين إنه لا يعرف سبب قصف البرج. وكان قد انتقل للعيش فيه مع عائلته منذ خمسة أشهر فقط.
وقال للشبكة: “لقد غادرنا البرج فقط بالملابس التي كنا نرتديها”، مضيفاً أنه وعائلته لم يبق لديهم الآن أي شيء ولا مكان يذهبون إليه. (alhurra)
[ads3]