أزمة العقارات المكتبية تغير وجه مدن ألمانية
دخلت سوق العقارات التجارية في ألمانيا بعد عقد من النمو الهائل، مرحلة التصحيح إلى حد بعيد.
وبحسب أرقام القسم العقاري في بنك “بي إن بي باريبا”، انخفض حجم المعاملات في العقارات المكتبية بنسبة 76% في الأشهر التسعة الأولى من العام، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، أي إلى ما يقرب من 4.6 مليار يورو وفقاَ لصحيفة لو موند.
وأفادت مجموعة الخدمات العقارية الأميركية “جونز لانج لاسال” أن المعاملات العقارية في أكبر سبع مدن ألمانية، انخفضت بنسبة 36.3% خلال الفترة نفسها. وارتفع معدل شغور المكاتب في المدن الألمانية الكبرى إلى 5.5% في الأشهر التسعة الأولى، مقارنة بـ4.7% فقط في الفترة المماثلة من العام 2022.
وهناك عدة عوامل تفسر هذا الاتجاه. ومن أهمها التباطؤ الاقتصادي منذ بداية عام 2023، والقيود الائتمانية التي تؤثر في الاستثمار في الأعمال التجارية.
والملاحظ على نحو خاص، هو انخفاض عام في الطلب على المساحات المكتبية، وذلك نتيجة تعميم العمل عن بعد منذ جائحة كوفيد.
ووفقا لدراسة حديثة أجراها معهد “إيفو”، هناك 61% من الشركات الألمانية وخصوصا الشركات الكبرى، تسمح حالياً لموظفيها بالعمل من المنزل. ويستفيد ربع الموظفين بانتظام من هذه الفرصة.
ووفقاً للخبراء الصناعيين، من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه. لكن التأثيرات على السوق بدأت تظهر، وذلك بسبب المدة الطويلة لعقود إيجار المكاتب لـ 10 سنوات عادة.
وفي الوقت الحالي، لا يزال الرؤساء مترددين: البعض يريد إعادة موظفيهم إلى مكاتبهم، والبعض الآخر يختبر حلول العمل عن بعد.
فقط في الأماكن التي يكون فيها العمل عن بعد أكثر رسوخًا، تقرر الشركات تقليص مساحتها وإقامة أعمالها في المواقع المركزة في المدن، والتي تظل جذابة.
وفي معظم الأحيان، تميل هذه الشركات للبقاء في مبانيها وترفض التوسع، حتى عندما تكبر.
ويوضح كريستيان أوبرست، الخبير العقاري في معهد كولونيا الاقتصادي، أن “لا أحد يبدأ مشروع بناء جديد”.
والنتيجة أن المعاملات في الأسواق قليلة والعديد من المساحات تكافح للعثور على مشترين إذا لم تكن في مواقع جيدة .
وبحسب بنك “دي زد” انخفضت أسعار شراء العقارات التجارية بنسبة 10% مقارنة بمنتصف عام 2022، وأسعار العقارات المكتبية بنسبة 8%. فهل يمكن أن يؤدي هذا التطور إلى أزمة مالية كما تخشى بعض الأسواق؟
ويضع أوبرست الأمور في نصابها الصحيح وقال: “أعتقد أن الخطر أقل مما هو عليه في الولايات المتحدة”. فهناك تنخفض الأسعار بنسبة 20%، وهو ما لا يزال بعيداً جداً عما نلاحظه في ألمانيا”.
وقد تغيّر الأوضاع الجديدة وجه المدن، وخصوصاُ المدن الكبيرة.
وذكرت “ايفو” أن 12.3% من أماكن العمل غير مستغلة يومياً، بشكل كافٍ بسبب العمل عن بعد.
ويشير سيمون كراوس، الخبير في القضايا العقارية في إيفو، إلى أن “هذه الحصة تضاعفت ثلاث مرات منذ عام 2019″.
كما ساهم تعميم العمل من المنزل في إفراغ بعض مراكز المدن، التي كانت ذات يوم مفعمة بالحيوية. وتشهد ألمانيا تحولا في النشاط، إذ تشهد مراكز التسوق ومناطق المطاعم في ضواحي المدن الكبرى ازدهارا، مع حجم مبيعات أعلى بكثير مما كان عليه قبل الوباء”.
وبالنسبة للمساحات المكتبية التي تركت شاغرة، فقد حان الوقت لإعادة هيكلتها.
فعندما تصبح المكاتب الفارغة قديمة وتقع في الضواحي، فمن الممكن تحويلها إلى مساكن.
وهذا الحل مكلف ومعقد وأقل ربحية، ولا يفضله المستثمرون. ومع ذلك، فمن مصلحة القادة السياسيين التخفيف من أزمة السكن الحادة التي تؤثر في البلاد.
وترى برلين إمكانية بناء 235 ألف منزل جديد بفضل تحويل مباني المكاتب إلى شقق سكنية. وتحقيقاً لهذه الغاية، ستوفر الحكومة قريبًا 480 مليون يورو في شكل قروض مدعومة. (erembusiness)
[ads3]