دويتشه فيله : صدى الصراع في الشرق الأوسط يصل للمدارس الألمانية

 

بعد الهجوم الإرهابي الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في (السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023)، وصلت تداعيات الصراع في الشرق الأوسط إلى المدارس الألمانية التي تحتضن نسبة كبيرة من التلاميذ من أصول مهاجرة أو لها علاقة بمنطقة النزاع. وغالبًا ما يواجه الأساتذة الألمان صعوبات في التعامل مع أجواء تغلب عليها العواطف أمام ما تنشره وسائل التواصل الاجتماعي من صور العنف والفظاعة. صراع يقع على بعد آلاف الكيلومترات، لكنه يحرك المدارس الألمانية ويطرح عليها إشكالية بالغة الصعوبة.

كيف يمكن التعامل مع هذا الموضوع المعقد بكيفية تسمح برؤية الصراع من جميع الزوايا وفقا لمبادئ الحوار والتسامح، بفهم الموقف الفلسطيني من الصراع وبوضع خط فاصل بين المطالب السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني وأعمال الإرهاب التي تقوم بها حركة حماس، كل ذلك دون الانزلاق إلى مستنقع معاداة السامية في بلد عاش فيه اليهود فظاعة البطش النازي.

وتكمن حساسية هذا الموضوع في إمكانية إحداثه لشروخ داخل الفصول الدراسية، حيث تعتبر المدرسة مؤسسة مركزية للاندماج في المجتمع، خصوصا بالنسبة لأبناء المهاجرين. فقد يتحول صديقان في الفصل إلى عدوين بين عشية وضحاها، ما يهدد السلم المدرسي. وهذا ما حدث، على سبيل المثال، في ثانوية في ولاية بادن فورتمبيرغ، تبلغ فيها نسبة التلاميذ من أصول مهاجرة نحو 40 بالمائة، لكن مدير الثانوية أوضح، وفق ما نقلته صحيفة “شتوتغارتر ناخريشتن” (18 أكتوبر 2023) “لقد تغيرت الأجواء في هذه المدرسة منذ هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل. الآن غالبًا ما يجلب الأطفال معهم مواقف غير مفهومة من البيت حول الأحداث الجارية بمزيج من المشاعر. كثيرون مفتونون بالحرب، في نفس الوقت، يشعرون بالصدمة من المصاعب. إنهم يريدون التحدث عن ذلك في المدرسة، والتعبير عن تعاطفهم مع الضحايا، ويجدون أنفسهم فجأة على طرفي نقيض من الصراع (..) إن الوضع يغلي في الفصول الدراسية التي تضم نسبة عالية من الأجانب، ولا نعرف كيف نتصرف”. ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.

صرامة في التعامل مع المتعاطفين مع حماس

اتخذت وزارة الداخلية الألمانية مجموعة من الإجراءات ضد المتعاطفين مع حركة حماس ومؤيديها في ألمانيا. وبهذا الصدد قالت الوزيرة نانسي فيزر في تصريح لصحف مجموعة فونكه الإعلامية (17 أكتوبر/تشرين الأول) “نحن نستخدم كل وسائل الاستخبارات والشرطة لاتخاذ إجراءات ضد مؤيدي حماس (..) سلطاتنا الأمنية تستهدف المشهد الإسلامي بشكل أوثق من أجل تحديد ردود الفعل على إرهاب حماس على الفور ومنع أي دعم. وهذا ينطبق أيضا على جمع التبرعات لحماس”. ودعت فيزر السلطات الألمانية إلى التدخل باستمرار ضد المظاهرات والتجمعات التي تحتفل بأعمال حماس. وأضافت “يجب استخدام جميع الأدوات بموجب قانون التجمعات لمنع مظاهرات التضامن مع حماس في أقرب وقت ممكن”.

من جهته، أعرب فليكس كلاين، مفوض الحكومة الألمانية لشؤون مكافحة معاداة الساميةعن تخوفه من تزايد الميول المعادية لإسرائيل داخل مدارس البلاد. وقال كلاين في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) (12 أكتوبر/تشرين الأول) “لدى قلق كبير من أنه كلما تقدم الرد الإسرائيلي على هذا الهجوم الإرهابي، إلا وستنقلب الأجواء في المدارس بشكل واضح ضد إسرائيل (..) هناك بالفعل حاليا أخبار صادمة من مدارس، حيث يقوم بعض التلاميذ بلف أعلام فلسطينية حول أكتافهم، أي أنهم يرغبون في نقل هذا النزاع إلى المدارس”، وأشار إلى أنه من المحتمل أن يزداد ذلك. وصرح كلاين بأنه يرى أنه من الضروري تحسين إعداد المعلمين لمثل هذه الوقائع، وقال “يجب جعل المعلمات والمعلمين أكثر وعيا في مكافحة معاداة السامية”، وأشار إلى أنه يجب معالجة الموضوع بشكل منهجي في التدريب المهني للمعلمين ويجب أن يتلقى المعلمون المزيد من التدريب.

من جهتها، أكدت وزيرة التعليم بتينا شتارك-فاتسينغر على ضرورة العمل على التصدي لمعاداة السامية في المدارس وقالت الأربعاء (17 أكتوبر/تشرين الأول) “لا ينبغي أن يكون هناك مكان في ألمانيا لمعاداة السامية وكراهية إسرائيل. هذا الأمر يسري أيضا على مدارسنا”. ورأت أن المعلمين يلعبون دورا محوريا في توعية التلاميذ وبالتالي في التصدي لمعاداة السامية، وقالت إن هذا يشمل معالجة الصراع في الشرق الأوسط و”الإرهاب الحالي من جانب حماس” في الحصص الدراسية بطريقة تتناسب مع العمر وتصنيف هذه الأمور بشكل واضح.

معظم الإسرائيليين والفلسطينيين يسعون للسلام

يبدو أن السلطات التربوية الألمانية لا تملك لحد الآن حلولا جاهزة حول كيفية التعامل مع هذه الإشكالية. وذكرت وزارة الثقافة أن عددا من المدرسين طلبوا الدعم ومعلومات حول سبل التعامل مع الموقف. وبهذا الصدد بلور مركز جودة المدارس وتدريب المعلمين “ZSL”، بالتعاون مع المؤسسة المركزية للتربية السياسية، حزمة معلومات على الإنترنت. ومنذ بداية الأحداث، تقدم “ZSL” ساعات استشارة يومية عبر الإنترنت للحصول على المساعدة الفورية. يمكن للأساتذة ومديري المدارس الحصول على المشورة هناك يوميًا

وحتى الخبراء لا يمكنهم دائما تقديم وصفات سحرية للمشاكل التي تعترض المدرسين. لكن لديهم بالفعل بعض الأفكار لنزع فتيل الصراعات. صحيفة “شتوتغارتر ناخريتشن” أوردت تصورات هاكان توران، وهو أستاذ في مدرسة ثانوية ويقدم دورات تدريبية للمعلمين حول سبل التعامل مع التلاميذ المسلمين. توران ينصح بتجاوز الحاجز القائم بين الجبهتين: إسرائيل وحماس بالقول “يجب أن يكون واضحا أن المواطنين الإسرائيليين لا يمكن اختزالهم في حكومة نتنياهو كما أن الشعب الفلسطيني لا يمكن اختزاله في حركة حماس”. واستطرد توران موضحا “معظم الناس من الجانبين يريدون السلام”. ومن هذا المنطلق يمكن فسح المجال للتعبير عن العواطف وتوضيح الوقائع وشرح لماذا يمكن “وصف حماس بأنها منظمة إرهابية” وبالتالي إدانة أعمالها. وفي الوقت ذاته السماح للجميع بالتعبير عن وجهات نظرهم.

حرية التعبير وثوابت القيم الألمانية.

أقر ميخائيل فرازه، أستاذ العلوم القانونية بجامعة هيلدزهايم والخبير الألماني في القضايا الدستورية بالطابع الإشكالي لإجراءات الحظر المفروضة بشأن التعبير عن التضامن مع الفلسطينيين داخل المدارس أو الفضاءات العمومية خصوصا في العاصمة برلين. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية “د.ب.أ” (19 أكتوبر/تشرين الأول) عن فرازه في حوار له مع موقع “إنتغراسيون” الذي يوفر خدمات بشأن اندماج المهاجرين. وقال فرازه إن تقييد حرية التجمع لا يجوز “إلا إذا كان التجمع نفسه يمثل تهديدا للنظام العام والأمن العام”، مؤكدا أن هذا هو الاستثناء الوحيد المسموح به لحظر حرية التجمع

غير أن فرازه تساءل حول الحجة القائلة بأن أجواء التوتر الحالية المشحونة لدرجة يتعين معها الافتراض في كل تجمع قد تحدث فيه أعمال تقع تحت طائلة القانون مثل “الهجمات الإرهابية” من جانب حركة حماس، وأضاف موضحا “أود أن أضع علامة استفهام كبيرة حول ما إذا كانت مثل هذه الإجراءات واسعة النطاق من الحظر مبررة”

وأعرب فرازه عن اعتقاده بأن وزيرة التعليم في ولاية برلين كاتارينا غونتر-فونش وضعت نفسها في “منطقة رمادية” من خلال المنشور الذي وجهته إلى إدارات المدارس. وكانت السياسية المنتمية إلى الحزب المسيحي الديمقراطي بعثت بهذا المنشور في الثالث عشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حظرت فيه حمل رموز مخالفة للقانون مثل الملصقات التي تحمل عبارة “فلسطين حرة” أو ارتداء الوشاح الفلسطيني، وبررت ذلك بالحفاظ على السلم العام في مدارس الولاية. من جهتها، دافعت وزارة الداخلية الألمانية عن قرارات الحظر الأخيرة بشأن المظاهرات المناوئة لإسرائيل. وقالت وكيلة وزارة الداخلية ريتا شفارتسهلور-زوتر في جلسة نقاش بالبرلمان (18 أكتوبر/تشرين الأول) عن الأحداث الراهنة: إن كل فرد في ألمانيا مسموح له بالتعبير عن رأيه بحرية وبالتظاهر بشكل سلمي. لكنها أضافت بأن “هناك خط أحمر عريض للغاية: ليس هناك أي تسامح مع التحريض المعادي للسامية والمعادي لإسرائيل. ليس هناك أي تسامح مع العنف”

إدماج صراع الشرق الأوسط في المناهج الدراسية

دعت مفوضة الاندماج في الحكومة الألمانية، ريم رادوفان وهي من الحزب الاشتراكي الديموقراطي، إلى إدماج الصراع في الشرق الأوسط كموضوع في المناهج الدراسية. وأكدت في حوار مع أسبوعية “دير شبيغل” (17 أكتوبر/تشرين الأول) أن المدرسين بحاجة إلى “الحديث أكثر عن المحرقة والصراع في الشرق الأوسط، يجب أن يكون ذلك جزءًا لا يتجزأ من المناهج الدراسية”. ويجب أيضًا مناقشة مكافحة معاداة السامية في دورات الاندماج. وشددت المفوضة على أن “أمن إسرائيل هو مصلحة عليا لألمانيا”، واستطردت “علينا أن نملأ هذه الجملة بالحياة ونوضح مرارا وتكرارا ما يعنيه أن ألمانيا تتحمل مسؤولية خاصة”

من جهته، شدد كاي غيرينغ (حزب الخضر)، رئيس لجنة التعليم في البرلمان الألماني (بوندستاغ)، على أهمية موضوع المحرقة التي تعرض لها اليهود كموضوع أساسي. وقال “سواء ولدوا هنا أو في الخارج، سواء كان طفل عامل أو أكاديمي: يجب على الجميع معرفة الفصل الأكثر قتامة في التاريخ الألماني الذي شكل انفصالا عن الحضارة، وبالتالي ضرورة تطوير الوعي بالتاريخ”. وفي الوقت نفسه، دعا غيرينغ المدارس إلى منح التلاميذ مساحة لمناقشة ومعالجة مخاوفهم وتجاربهم الشخصية. الحرب موضوع يصعب على جميع الأطفال والشباب فهمه. وأكد السياسي من حزب الخضر أن “حدود (الحرية) تمتد إلى حيث تبدأ معاداة السامية (..) يجب رفض الاحتفالات بالهجمات الإرهابية والكراهية لإسرائيل بشكل قاطع”.

* العنوان والنص لدويتشه فيله (DW)

 

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها