” وصول إلى حافة اليأس ” .. بولتيكو : الهجرة إلى ألمانيا .. أزمة تعجز حكومة شولتز عن حلها
قالت صحيفة “بولتيكو” الأمريكية، إنه يبدو أن المستشار الألماني أولاف شولتز، وصل إلى حافة اليأس، وبعد أقل من عامين على نهاية فترة حكمه، لاتزال حكومته تصارع من أجل التعامل مع ارتفاع 70% في طلبات اللجوء في العام الجاري. وقال شولتز للصحافيين، الثلاثاء الماضي، في لهجة تبدو فيها مبالغة، بعد الإصلاح الشامل لقوانين اللجوء مع القادة المحليين «لا أريد استخدام كلمات كبيرة، ولكنني أعتقد أنها لحظة تاريخية».
ويحاول شولتز تخفيض عدد طالبي اللجوء الذين يصلون إلى ألمانيا منذ أشهر عدة، وهي الجهود التي يراها العديد من الألمان مُلحة على نحو متزايد، وسط تصاعد الحوادث ضد السامية، التي يقول السياسيون المحافظون إن المهاجرين مسؤولون عنها. وأدى تزايد جريمة الكراهية نحو اليهود إلى إثارة غضب ائتلاف شولتز إلى حد أن نائب المستشار روبرت هابيك، الذي كان مثل معظم أفراد حزب الخضر يؤيدون منذ زمن بعيد حقوق طالبي اللجوء، هدد بترحيل المخالفين الذين لا يملكون تصريح إقامة.
وأصبحت ألمانيا هذا العام في طريقها لفهم معظم طالبي اللجوء منذ ذروة أزمة اللاجئين عام 2015، التي أثارتها الحرب في سورية. ومع وجود نحو ثلاثة ملايين مهاجر يعيشون الآن في الدولة، وهو أكبر عدد منذ موجات هرب ذوي العرق الألماني من أوروبا الشرقية إلى ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، يواجه شولتز ضغوطاً كبيرة من الولايات والبلديات المثقلة بالمشكلات لتخفيف العبء العملي الذي يواجهونه. ويظهر الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه هذا الأسبوع بين شولتز وقادة 16 ولاية ألمانية، المدى الذي وصل إليه المستشار في محاولاته لتحقيق النجاح.
ويتضمن الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه قائمة إجراءات تجميلية، مثل خطة إصدار مزايا للاجئين تتعلق بمنحهم بطاقات ائتمان بدلاً من المال، في حين جعل الواصلين حديثاً ينتظرون فترات أطول من أجل الحصول على المساعدات الألمانية. وتحتوي المبادرة «الجديدة» وعوداً مألوفة لتسريع تقييمات طالبي اللجوء وترحيلهم، وفي الوقت ذاته تعزيز السيطرة على الحدود، ومواصلة المحادثات مع الدول الأخرى في إفريقيا وأماكن أخرى لوقف تدفق طالبي اللجوء.
وعلى الرغم من أن الولايات حققت ما كانت تصبو إليه فعلاً، أي المزيد من المال من الحكومة الفيدرالية كي تنفق على اللاجئين، إلا أن هدف تخفيض أعدادهم يظل مسألة صعبة المنال.
ويعود ذلك إلى أنه على الرغم من الضغوط المالية المتزايدة، ومعارضة العامة بشأن تدفق اللاجئين، إلا أنه يظل التواصل مقطوعاً بين ما يمكن أن يقوم به ائتلاف شولتز الذي يميل إلى اليسار، وما يعتقده الكثيرون حول مقتضيات الأزمة. ويجري رفض المقترحات الأكثر تطرفاً، مثل تحديد حصة سنوية للجوء، أو نقل عملية تقييم اللاجئين إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي، نتيجة مخاوف قانونية، أو لأسباب بيروقراطية، أو كليهما.
ولطالما كانت ألمانيا هي الوجهة المفضلة التي يختارها كثير من اللاجئين، بالنظر إلى معاملتها السخية، ما خلق فيها تجمعات ضخمة من اللاجئين، حيث يكون لهؤلاء القادمين الجدد صلات تسهل عليهم الانتقال من وطنهم الأم. وتم تقديم نحو 60% من طلبات اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي في النصف الأول من عام 2023 في ألمانيا.
وأعلن شولتز، الثلاثاء الماضي، أن «التضامن» الأوروبي لتقاسم عبء استقبال اللاجئين هو الحل الوحيد المعقول لهذه المشكلة. وكانت هذه اللازمة قد رددتها سلفه المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، قبل نحو عقد من الزمن، ولكن قلة من الدول الأوروبية تبدو أنها مهتمة للموضوع. ولذلك يبدو أن ألمانيا والاتحاد الأوروبية متورطان في علاقة غير منسجمة، حيث تتظاهر برلين بأنها تطلب أموراً صعبة من شركائها في الاتحاد الأوروبي، في حين أنهم يتظاهرون بأنهم يستمعون إليها. وتطلب تنفيذ ما تريده ألمانيا ما يعرف بـ«الاتفاق الجديد للهجرة واللجوء»، الذي بدأت مناقشته منذ عام 2020، ووافقت عليه الدول الأوروبية في أكتوبر الماضي، ولكنه لايزال بحاجة إلى البرلمان الأوروبي كي يصبح قيد التنفيذ.
وسيكون لدى دول خط المواجهة التي يصل إليها اللاجئون في البداية، مثل إيطاليا، مساحة لرفض طلبات اللجوء التي تكون فرصها في القبول قليلة، وهي من البنود الموجودة في الاتفاق، والتي واجهت مقاومة كبيرة من دول مثل ألمانيا وآخرين.
وعلى الرغم من الجدل الذي يدور حول خطة الاتحاد الأوروبي، إلا أنه لايزال بعيداً تماماً من أن يحقق تحولاً يذكر في لجم وتيرة الهجرة، لأنه يحتاج إلى إقناع دول المهاجرين كي تعيد مواطنيها الذين لم يحصلوا على قبول الهجرة، ولهذا يجب عقد اتفاقات مع دول شمال إفريقيا لمنع طالبي اللجوء من محاولة عبور البحر المتوسط.
وعلى الرغم من أن ألمانيا تبدو شكلياً بأنها المستفيد الرئيس من الاتفاق، إلا أن أسلوبها إزاء المحادثات يعكس تحفظ الحكومة العميق بشأن اتخاذ موقف أكثر تشدداً بالنسبة للجوء.
وفي الواقع، فإن إحجام برلين عن تبني أحكام أكثر صرامة، كالتي تسمح باحتجاز طالبي اللجوء على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي حتى النظر في قضاياهم، هي أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى استمرار المفاوضات حول الاتفاقية.
ويرى العديد في ائتلاف شولتز، الذي يضم الحزب الاجتماعي الديمقراطي، وحزب الخضر، أن النهج الصارم الوارد في الاتفاق بمثابة جسر بعيد المنال، حتى بدأت ألمانيا تشعر بوطأة التدفق الأخير للاجئين.
وأدى التدفق الأخير إلى جعل العديد من المناطق والبلديات الألمانية تبدي تذمرها من أنه لا يوجد ما يكفي من الإسكان والموظفين لمعالجة طلبات نحو 250 ألف طالب لجوء وصلوا إلى الدولة خلال العام الجاري.
وأصبح الرأي العام الألماني يشعر بالتململ، وأعرب نحو 70% من الشعب الألماني عن استيائهم من تعامل الحكومة مع قضية الهجرة، وفق آخر استطلاع للرأي، الأمر الذي جعل «حزب البديل» اليميني المتطرف يحصل على دعم غير مسبوق من قبل. وأسهم الإحباط من سياسة الحكومة إزاء الهجرة في الهزيمة التي مُني بها حزب شولتز «الاجتماعي الديمقراطي»، الذي حقق أسوأ نتائج انتخابات في ولايات هسي وبافاريا منذ قرن.
وأدى تصاعد شعبية حزب البديل لألمانيا إلى إقناع العديد من أعضاء الحزب الاجتماعي الديمقراطي والخضر بتشديد مواقفهم إزاء اللجوء، ومع ذلك، فإن مشكلة شولتز تظل تكمن في أن العديد من هذه الأحزاب التي تشكل ائتلافه لن تؤيد إصلاحات أكثر جذرية. وحاول حزب يمين الوسط، المسيحي الديمقراطي، أن يقترح مزيد من الإصلاحات، في جهد منه لاستعادة الأصوات التي ذهبت لحزب البديل لألمانيا.
وخلال المفاوضات التي جرت هذا الأسبوع، اقترح الحزب المسيحي الديمقراطي إنشاء مراكز تجميع اللاجئين في دول ثالثة، وهو أمر شبيه بما حاولت المملكة المتحدة القيام به في رواندا. وهي فكرة قديمة، كان وزير الداخلية من الحزب الديمقراطي الاجتماعي أول من طرحها قبل نحو 20 عاماً، ولكنها لم تنل الاستحسان، لأن العديد من اليسار السياسي اعتبروها انتهاكاً لحقوق اللاجئين.
ونظراً إلى أن شولتز لم يتمكن من طرح أفكار جريئة، لجأ الشهر الماضي إلى مجلة درشبيغل، حيث قال لها «لقد حان الوقت للبدء في ترحيل من لم يحصلوا على قبول، وعددهم كبير»، ولكن حديثه كان مجرد تعهدات فارغة أخرى.
وهناك نحو 300 ألف طلب لجوء تم رفضها في ألمانيا. وكانت التحديات التي واجهتها ألمانيا من أجل ترحيلهم جلية تماماً الأسبوع الماضي، عندما سافر شولتز إلى نيجيريا، في محاولة لإقناع قادة هذه الدولة بإرجاع نحو 14 ألفاً من مواطنيها. (emaratalyoum)
[ads3]