عشرات المليارات من اليوروهات .. ألمانيا تشهد انتكاسة قوية في جهود مكافحة التغيرات المناخية

 

وذهبت جهود تغير المناخ في ألمانيا سُدى في أعقاب صدور حكم قضائي يقضي بعدم قانونية مصدر التمويلات التي جرى تخصيصها لهذا البند، على أساس أنها تمثّل خرقًا للدستور.

وتمضي برلين قدمًا في مسار الجهود الرامية لمكافحة التغيرات المناخية، عبر تبني إستراتيجية تستهدف استعمال مصادر الطاقة المتجددة، واستبدالها بنظيرتها التقليدية الحساسة جدًا للبيئة، وفق تقارير اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

وفي هذا السياق تواجه خطط حكومية لمكافحة تغير المناخ في ألمانيا تهديدًا خطيرًا، بعد أن ألغت المحكمة العليا عنصرًا رئيسًا من تلك الخطط يتعلق بالتمويل، ما سدد طعنة نافذة للجهود التي يبذلها الائتلاف الحكومي برئاسة المستشار أولاف شولتس، الذي أدخل سياسة الميزانية في حالة من الفوضى، وفق ما أوردته شبكة بلومبرغ (Bloomberg).

ونصّ حكم المحكمة الدستورية الفيدرالية على أن تحويل مبلغ الـ60 مليار يورو (65.2 مليار دولار)، المخصصة لمواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” إلى صندوق خارج الموازنة “ينتهك القانون الدستوري الألماني”.

كان الطعن قد قُدم من قبل أعضاء البرلمان من تحالف المعارضة المحافظ، الذي قال إنهم أرادوا ضمان استدامة التمويلات العامة في ألمانيا، وفق معلومات رصدتها منضة الطاقة المتخصصة.

وفي بيان رسمي صدر اليوم الأربعاء 15 نوفمبر/تشرين الثاني (2023)، قالت هيئة المحكمة إن نطاق التمويل الذي وصل في أغسطس/آب (2023) إلى ما إجمالي قيمته 212 مليار يورو خلال المدة من 2024 إلى 2027، يتعيّن خفضه بواقع 60 مليار يورو.

ولا يفرض الحكم الصادر، بأي حال من الأحوال، قيدًا على المبلغ الذي تستطيع الحكومة إنفاقه على مواجهة تغير المناخ في ألمانيا، بل إنه يَحُد من أساليب الموازنة التي من الممكن أن تستعملها.

قالت نائبة رئيس المحكمة دوريس كوينغ: “إذا كان هذا يعني أن الالتزامات التي جرى الاتفاق عليها بالفعل لا يمكن الوفاء بها، يلتزم المشرع بتعويض هذا بطريقة أو بأخرى”، خلال النطق بالحكم في الجلسة التي بثها التلفزيون الألماني.

ويتعيّن إنفاق الأموال في السنة المصرح بها لهذا الغرض، ولا يجوز للحكومة أن تتلاعب بتلك القواعد عبر تحويل الأموال إلى صندوق خارج الموازنة.

وتمحور الخلاف حول إذا ما كانت الحكومة الألمانية قد انتهكت القواعد المتضمنة في مبدأ كبح الديون، الذي تم استحداثه في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي اندلعت شرارتها الأولى في عام 2008، ويخفض صافي الاقتراض السنوي الجديد إلى 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي.

غير أن هناك استثناءات يُسمَح بها للمساعدة في التعامل مع الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ الأخرى، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

ومنح البرلمان الضوء الأخضر لتعليق العمل بمبدأ كبح الديون لمدة 3 سنوات، تنتهي في عام 2022، لمواجهة وباء كورونا، غير أن الحكومة حوّلت أموال الاقتراض غير المستغلة، والبالغة قيمتها 60 مليار يورو، إلى صندوق المناخ والتحول المعروف اختصارًا بـ”كي تي إف” ( KTF).

قال أعضاء البرلمان الألماني من المعارضة، إنه بنقل مخصصات الديون تلك إلى صندوق “كي تي إف”، فإن حكومة المستشار أولاف شولتس قد انتهكت قواعد كبح الديون.

في المقابل فشل الائتلاف في إثبات أن الأموال كانت ما تزال كافية لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، بهدف تبرير المناورة، وفق ما ورد في حيثيات الحكم القضائي الصادر، الذي طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وأشارت حيثيات الحكم، التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، إلى أن الائتلاف الحكومي قد خرق الدستور بموافقته على اقتراض جديد إضافي في أوائل العام الماضي (2022) حينما انتهت موازنة العام قبل الماضي (2021).

وقالت الخبيرة الإستراتيجية في بنك ميزوهو إنترناشيونال (Mizuho International) إيفلين جوميز ليختي، إن قرار المحكمة من الممكن أن يقود إلى تعديل احتياجات التمويل لصندوق المناخ والتحول، ما يعني إصدارات ديون أقل من المتوقع في العام المقبل (2024) وما بعده.

من جهته أوضح الخبير الاقتصادي في مؤسسة ناتيكسيس إس إيه (Natixis SA) ديرك شوماخر، أن مدى التشديد المالي الذي يدل عليه الحكم القضائي ليس واضحًا.

وقال: “هناك طرق أخرى يمكن من خلالها أن تجمع الحكومة الأموال، وإن كانت أقل ملاءمة من الطريقة التي اختارتها هي بنفسها”.

كانت سياسة الموازنة إحدى نقاط الخلاف الرئيسة في ائتلاف شولتس الذي يضم الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الخضر والديمقراطيين الأحرار، وقد يؤدي الحكم الصادر إلى تجدد الخلاف الداخلي.

ويُعد زعيم الديمقراطيين الأحرار كريستيان ليندنر، أحد صقور الموازنة الذين أصروا على استعادة مبدأ كبح الديون، في حين يُبدي الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب الخضر استعدادًا أكبر لتخفيف قواعد الاقتراض.

ومن المرجح أن تمثل تلك القضية حجر الزاوية في حملات المرشحين في الانتخابات العامة المقبلة، والمقرر إجراؤها في خريف العام بعد المقبل (2025).

ويدعم صندوق المناخ والتحول “كي تي إف” مجموعة واسعة من الإجراءات التي تستهدف تسريع جهود تغير المناخ في ألمانيا وتحولها إلى اقتصاد منخفض الانبعاثات، من بينها استعمال مضخات حرارية، أو النقل الكهربائي أو البنية التحتية لمشروعات الهيدروجين الأخضر.

كما يدعم الصندوق كذلك الاستثمارات في شبكة السكك الحديدية وفي إنتاج الرقائق الإلكترونية، من بينها دعم بقيمة 10 مليارات يورو لمصنع جديد تابع لشركة إنتل كورب (Intel Corp) في مدينة ماغديبورغ شرق ألمانيا، علمًا بأن الأموال التي اختصتها القضية الصادر بها الحكم اليوم الأربعاء 15 نوفمبر/تشرين الثاني (2023)، لم تكن مُخصصة لذلك المشروع.

كان للحكم القضائي مغزى بالنسبة إلى بعض الصناديق الخاصة الأخرى خارج الموازنة، من بينها صندوق بقيمة 100 مليار يورو للاستثمار في القوات المسلحة الألمانية.

ويصل عدد تلك الصناديق الخاصة -حاليًا- إلى قرابة 30، وقد تعهد ليندنر برفع هذا العدد تدريجيًا، علمًا بأن محكمة المدققين الفيدرالية قد انتقدت تلك الصناديق، واصفةً إياها بأنها تمثل خرقًا واضحًا لشفافية الموازنة.

من جهته، قال عضو البرلمان عن الاتحاد الديمقراطي المسيحي، رئيس الغرفة الصغرى في لجنة الموازنة بالبرلمان الألماني هلغي برون: “اليوم أنقذت المحكمة الفيدرالية مبدأ كبح الديون، ومن ثم فقد أسهمت في إقرار العدالة المالية”، في منشور على منصة إكس (تويتر سابقًا)، تابعته منصة الطاقة المتخصصة.

وأضاف برون: “يعكس هذا سياسة الحكومة المتمثلة في الوفاء ظاهريًا بكبح الديون في الميزانية الفيدرالية، غير أن حجز مبالغ كبيرة من الديون الإضافية في الماضي من خلال ميزانيات الظل الوهمية يُعد مخالفًا للدستور”.

ولا يستوفي قانون الموازنة التكميلية الثانية لعام 2021 الشروط الدستورية للاقتراض الطارئ، إذ يرتكز قرار المحكمة على 3 أسباب رئيسة، كل منها يكفي لإثبات بطلان قانون الموازنة التكميلية الثانية لعام 2021، وفق ما أورده موقع المحكمة الدستورية الألمانية (bundesverfassungsgericht).

أول تلك الأسباب يتمثل في أن المشرعين قد أخفقوا في إظهار الصلة الحقيقية الضرورية بين الطوارئ والإجراءات المتخذة لإدارة الأزمة.

ثانيًا، يمثّل فصل إعلان حالة الطوارئ بموجب البند السادس من المادة 115(2) من القانون الأساسي من الاستعمال الفعلي لأذونات الاقتراض، تعارضًا مع المبادئ الدستورية للموازنة السنوية.

ثالثًا، يمثّل اعتماد قانون الموازنة التكميلية الثانية 2021 بعد نهاية السنة المالية 2021 خرقًا للمبدأ المنصوص عليه في البند الأول من المادة 110(2) من القانون الأساسي، التي تنص على أنه يجب تحديد الميزانية مسبقًا. (attaqa)

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها