دويتشه فيله : شابة عربية .. من عالمة في الطب إلى مدربة للمهاجرين الجدد في ألمانيا ( فيديو )

بعد 11 عاما على هجرتها إلى ألمانيا، تتذوق الشابة المصرية سارة حجي طعم النجاح مرة أخرى، فقد حصلت للتو على تصريح إقامة للعمل كمدربة “نمط حياة” للمهاجرين الجدد لتحسين عملية اندماجهم في المجتمع الأوروبي.

في عام 2012، تخرجت سارة حجي من كلية الصيدلة بالجامعة الألمانية بالقاهرة، قبل أن تقرر الهجرة إلى ألمانيا لدراسة الماجستير في العلوم الحيوية بجامعة هايدلبرغ في برلين، لتبدأ رحلتها مع العلوم والاندماج.

تقول حجي لـ”مهاجر نيوز”: “خرجت من مصر وكان لدي هدف واضح هو أن أنجح، وكنت وحدي ودون أهلي ودون دعم مادي من الدولة، لذلك كان علي أن أعمل لتوفير مصروفي وأنفق على دراستي”، وهي مهمة لم تكن معتادة عليها في مصر، فقد كانت الأسرة تتولى رعاية الفتاة الشغوفة بالعلم والتحصيل الدراسي.

في الوقت نفسه، كانت تحديات أخرى تلاحقها ما بين الحاجز الثقافي والعثور على السكن وأيضا اللغة الألمانية التي لطالما يشكو منها المهاجرون الجدد، فضلا عن التخصص الجديد الذي اختارته ألا وهو العلوم الحيوية. صمدت الشابة المصرية حتى أنهت الماجستير عام 2015، وتلتحق مباشرة بدراسة الدكتوراه.

غير أن صدمة نفسية شديدة فاجأتها عام 2018 بعد أن تراكمت عليها تحديات الغربة بينما كانت تعد بحث الدكتوراه، وزاد من الضغط أن منافسا لها يعمل على نفس موضوع بحثها، “تعلمنا أنه لا رحمة في العلم، من ينشر بحثه أولا ينسب له الفضل، فكان الخوف والإجهاد يلازمني، حينها فقدتي البوصلة لأكتشف أنه اكتئاب حاد”، تقول حجي.

لم يكن تخطي تلك الفترة سهلًا حتى قادتها للالتحاق بورشة عمل لتطوير السيدات في مجال عملهن لمدة 6 أشهر لتلتقي مدربتها التي ساعدتها على استعادة ثقتها بنفسها والتخلي عن الخوف والقلق، حتى تمكنت الشابة المصرية من إتمام الدكتوراه بامتياز، ونشرت بحثها في مجلة نيتشر العالمية في 7 يوليو/تموز عام 2020، وتلهمها بعد ذلك لتتخذ مسارها في تدريب المهاجرين الجديد على الاندماج في المجتمع الألماني ومواجهة تحديات حياة الغربة.

توصلت حجي في أطروحتها إلى وجود تأثير عضوي للهرمونات الجنسية لدى المرأة، مثل هرمون الاستروجين على الأعضاء غير الجنسية كالأمعاء والبنكرياس، وهو البحث الذي فازت به بجائزة ريشتسينهاين Richtzenhain الألمانية لأفضل بحث في مجال السرطان في عام 2021، لتحتفي بها بلدها الأم ووسائل الإعلام المصرية.

بعد أن انتهت من الدكتوراه تحدثت مع مشرفها الذي قدم لها الخيارات التقليدية من عمل في مجال الطب، لكنها قررت حينها أن تتجه إلى تقديم العمل في التدريب “الكوتشنج” الذي ساعدها على التغلب على التحديات التي واجهتها: “كنت أشعر بمسؤولية تجاه من يمرون بما مررت به، لمَ لا أساعدهم في تخطي العقبات التي تواجههم”.

انخرطت على مدار العام والنصف الذي تلى جائحة كورونا حتى يناير/كانون الأول 2023، في التدريب والتأهيل بمؤسسات إنجليزية وأمريكية (Landmark, High Performing Coach, Tony Robbins Research International). في غضون ذلك تمكنت من تدريب 34 مهاجرا لتطوير مهاراتهم الشخصية والعملية لتحقيق أهدافهم سواء كان ذلك إتمام لرسائل الدكتوراه بنجاح أو حصولهم على ترقية أو عمل جديد.

لم يكن سهلا أن تحصل على إقامة عمل لمهنتها الجديدة لاختلافها عن دراستها، لذا كانت مهددة في البداية بمغادرة ألمانيا في ظل إغلاق كورونا قبل أن تستعين بمحامي لتكمل مسيرتها العلمية الجديدة. أخيرا بعد عامين، تمكنت الشابة المصرية من الحصول على رخصة العمل كمدربة حياتية في برلين ومعها تصريح إقامة لمدة 3 سنوات كمدربة في ألمانيا، بعد 11 عاما من الإقامات الطلابية والمؤقتة.

تقول إن دخول العمل في مجال الكوتشنج (التدريب) ليس صعبا، لكن النجاح فيه مليء بالتحديات أيضا لهذا لابد أن يكون هناك أساس علمي متين لمقدمي الخدمة حتى يتمكن العملاء في نهاية المطاف من الحصول على نتائجهم المرغوبة. لكن ما يعطي حجي ميزة أخرى هي خلفيتها العلمية كحاصلة على الدكتوراه في العلوم الحيوية والتجربة الصعبة التي عاشتها “اخترت أن أساعد الطموحين الراغبين في النجاح ممن يواجهون صراع الانخراط في السيستم الألماني التي عانيت منها في بداية وصولي إلى هنا”.

تجذب حجي أغلب عملائها من السيدات المهاجرات لتطوير مهارتهن العملية لزيادة ثقتهن بأنفسهن والوصول لمكانات أكبر في سوق العمل الألماني من خلال أكاديميتها الخاصة للتدريب جين ـ إكس. كما تعمل حجي تحت مظلة عدد من الشركات الألمانية كمدربة خارجية “أوت سورس”، لخدمة العملاء العرب الباحثين عن شغل والمسجلين في “مركز التوظيف” مسجل لدى السلطات كباحث عن عمل.

اختيرت حجي ضمن قائمة أفضل 15 مدرب حياتي على مستوى برلين في قائمة Influence Digest للعامين 2022 و2023، وبالإضافة إلى اختيارها كأفضل مدربة للعام 2023 في قائمة Acquisition International.

في يوليو/ تموز الماضي، بدأت وظيفتها كمدربة مع الصليب الأحمر الألماني للمساعدة في تطوير مشروعات للاجئين والمهاجرين الجدد في مخيمات اللجوء، “هدفي أن أساهم بالعلم الذي اكتسبته هنا في ألمانيا في بناء جيل من اللاجئين والمهاجرين الجدد قادر على التأقلم بسرعة و النجاح في الحياة بألمانيا دون إهدار موارد الدولة”.

“بعضهم يعاني أصلا خاصة السيدات، وقادمين من مناطق النزاع، فنحن نبدأ نفكر في طريقة لإراحتهم نفسيا ثم مساعدتهم على التعلم والتأقلم مع المجتمع الجديد”.

شهدت ألمانيا خلال الفترة من عام 2014 ولغاية عام 2017 موجات هجرة جماعية لم تعرفها منذ الحرب العالمية الثانية، غالبيتهم من سوريا قدموا عبر تركيا واليونان بسبب الحرب المستمرة هناك منذ 2011. فيما يتوافد شباب وأسر من دول عاشت ثورات الربيع العربي بحثا عن عمل وفرص أفضل، ما ضاعف أعداد المجتمعات العربية خاصة في العاصمة الألمانية برلين، بيد أن كثيرين من هؤلاء لايزالون يواجهون تحديات الاندماج.

تقول إن ثورات الربيع العربي رغم فشلها إلا أنها خلقت جيلا قويا قادراً على السعي وراء حلمه، لهذا تجد الآن على سبيل المثال الكثير من المهاجرات الفتيات، يأتين لوحدهن يدرسن ويعملن رغبة في حياة أفضل”.

لكن الجاليات العربية في ألمانيا تواجه تحديات كثيرة أغلبها في البناء النفسي للأشخاص ما يجعلها تعاني من الهشاشة وفقدان الثقة في بعضها البعض، بالإضافة إلى الفجوة الموجودة أصلا بين المهاجرين الجدد مع المجتمع الألماني.

تقول: “من خلال عملي على الصعيد الحكومي وجدت أن الحكومة ترغب في مساعدة الناس على النجاح، لكن ربما لم تجد بعد اللغة المشتركة مع المهاجرين الجدد للتغلب على العقبات التي قد تواجههم هنا”، لهذا ترى حجي أن تجربة الاندماج ليست ناجحة بالقدر الكافي حتى الآن مع هؤلاء القادمين سواء المهاجرين للبحث عن فرص أفضل أو اللجوء.

“لكن بلا شك كل ما تظهر قصص نجاح داخل المجتمع تغلبت على التحديات، سيشكلون قدوة للأخرين، وعلى الحكومة دعم هؤلاء لبناء جسر مشترك يشجع على الاندماج بصورة أفضل”، خاصة مع خطط الحكومة الألمانية لاستقطاب مزيد من المهاجرين لسوق العمل.

تطالب المدربة الشابة، صناع القرار الألماني بدعم وسائل التعلم غير النظامي مثل الكوتشنج للألمان لزيادة مرونتهم في التعامل مع مجتمع أكثر انفتاحا، وللمهاجرين كإعادة تأهيل ما قبل وجودهم بسوق العمل؛ للتطوير السريع من النتائج العملية.

تشعر حجي بالامتنان لألمانيا على تحقيق حلمها لتصبح امرأة قوية، فتقول: “لولا وجودي في ألمانيا في سن صغير والتحديات التي مررت بها، ولا أزال أمر بها، لما كنت وأصبحت لي قصة نجاح وإلهام هنا وسط مهاجرين عرب طموحين كثيرين”. (DW)

 

 [ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها