دويتشه فيله: مهاجرون سوريون في بلغاريا .. ” سوريا رغم ظروفها أفضل من حالنا ” !

 

تتصاعد التوترات بين اللاجئين والموظفين في مرافق الاستقبال في بلغاريا بسبب الاكتظاظ ونقص الموارد وأوقات الانتظار الطويلة.. سوريون مقيمون في مركز هارمانلي للاجئين بجنوب بلغاريا شاركوا بعض تجاربهم مع “مهاجر نيوز”.

محمود، وهو اسمٌ مستعار، طالب لجوءٍ سوري في أوائل العشرينات من عمره، ينتظر بإحباط متزايد بشأن وضعه للحصول على إقامة، ويقضي مدة الانتظار بمركز هارمانلي لاستقبال اللاجئين في جنوب بلغاريا، يروي محمود لـ”مهاجر نيوز” قصته في مخيم هارمانلي، ويقول مسلطًا الضوء عل معاناته ومعاناة اللاجئين معه في المخيم: “نحن بحاجة إلى أشياء أساسية، مثل الطعام ومستلزمات النظافة”.

ففي مخيم هارمانلي يبقى المحظوظون فقط يبقون لمدة شهرين، وهي المدة المحددة لبقائهم بالمخيم ريثما يتم البت بطلباتهم، لكن هذا أمرٌ نادر الحدوث، إذ ينتظر العديد من اللاجئين البت بطلبات لجوئهم منذ عامين، دون أي أمل في الأفق، وكما يقولون فإن حياتهم تحولت إلى “لعبة انتظار” داخل المخيم المسيج.

وأضاف محمود وهو يقف إلى جانب مجموعة من الشباب السوريين الذين أصبحوا جميعاً أصدقاء مقربين في المخيم: “نحن مجبرون على العيش بالديون حتى نؤمن طعامنا ومياهنا لأن الطعام الذي يحضرونه غير صالح للاستهلاك البشري”.

بلال، اسمٌ مستعارٌ أيضًا، شابٌ سوري آخر، يشارك محمود المعاناة في هارمانلي ويقول: “لا توجد مراتب ولا بطانيات ولا أسرّة. كل شيءٍ قديم، وأنا أستخدم ما لدي منذ ستة أشهر ووضعهم مزري، لقد هربنا من الحرب، واعتقدنا أننا سنجد النظافة وحياة أفضل هنا”.

بينما تدخل أحد الرجال بالمخيم مشيرًا إلى أن أخته الصغرى، وهي قاصر، أصيبت في مخيم اللاجئين وتحتاج إلى رعاية طبية، “لكن لم يساعدنا أحد ولم تصلها سيارة إسعاف”، بينما أكد ما يتعرض له المقيمون بالمخيم من إهمالٍ طبي رجلٌ آخر وأخبر “مهاجر نيوز” بأنه هو نفسه قد جرح نفسه أيضاً في المخيم وأن الجرح أصيب بالتهاب وكان هو أيضاً بحاجة إلى العلاج، لكن بدلاً من ذلك طلب منه أحد العاملين في المخيم “العودة إلى سوريا”.

مُنع صحفيو “مهاجر نيوز” من الوصول إلى مراكز الإقامة الداخلية للمخيم، لكننا استطعنا اللقاء بالمقيمين في الحديقة بالخارج، أحدهم أحضر معه وعاءً صغيرًا من الأرز الممزوج بالبازلاء وحبوب الذرة، وأخبرنا: “هذه هي الوجبة الوحيدة التي تقدم لنا كل يوم… الحياة فظيعة هنا… وسوريا أصبحت أفضل من بلغاريا” يقول أحد المهاجرين.

لا تتوقف المعاناة على الطعام السيء أو إهمال النظافة، إذ يحدث آخرون عن المزيد من الأمور الفظيعة في المخيم، كما يؤدي نقص الموارد والتمويل، والانتظار الذي لا نهاية له، وارتفاع أعداد المهاجرين الوافدين، إلى تأجيج التوترات بين اللاجئين والموظفين في مرافق الاستقبال.

حامد خوشسيار، مترجم ومنسق في مؤسسة حقوق الإنسان Mission Wings، الذي جاء إلى بلغاريا كلاجئ من إيران وأقام بهارمانلي، يعمل مع المهاجرين من المخيم بشكل يومي، وقد سمع قصصاً مرعبة عن أعمال عنف ضد المهاجرين تحدث في مركز الاستقبال، وقال خوشسيار لـ”مهاجر نيوز” من غرفة الاستشارة القريبة من المخيم: “هناك بعض المواقع التي لا تغطيها الكاميرا (الأمنية)، وكانت قوات الأمن هناك تستخدم تلك المواقع بالضبط لضرب الناس”.

ويضيف خوشسيار: “هذا العام على وجه الخصوص، زاد عدد طالبي اللجوء (في هارمانلي) كثيراً، ونتيجة لذلك، فإنهم بحاجة حقاً إلى الأساسيات مثل الغذاء والدواء والنظافة”.

في حزيران/ يونيو 2023 أصبح مركز “هارمانلي” يضم 700 طالب لجوء في المركز، 276 منهم من الأطفال (81 قاصرين غير مصحوبين بذويهم)، وفقًا لماريانا توشيفا، رئيسة الوكالة الحكومية البلغارية لشؤون اللاجئين، بينما أتى معظم المقيمين بالمركز من سوريا، والعديد منهم قضوا وقتًا لمدة عام أو أكثر في تركيا قبل وصولهم إلى بلغاريا.

تشرح توشيفا لـ”مهاجر نيوز” بأن منشأة هارمانلي لديها مساحة لاستيعاب ما مجموعه 3650 مهاجرًا، لكن الموارد مستنفذة إلى أقصى حدودها، وتؤكد: “نحن نواجه بالفعل نقصًا في الموارد المالية والموارد البشرية”.

اعتبارًا من كانون الثاني/ يناير 2023، قامت الوكالة الحكومية البلغارية لشؤون اللاجئين بخفض عدد موظفيها بمقدار 100 موظف، والآن، ينتشر 274 موظفاً متبقياً في مراكز استقبال اللاجئين الستة والإدارة العامة في بلغاريا.

لذلك علّقت توشيفا قائلة: “يمكنك أن تتخيل النقص”، مضيفة أن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية تساعد في توفير الضروريات مثل أغطية الأسرة والملابس ومنتجات النظافة.

نهاية عام 2022، سجلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ما مجموعه 176,316 لاجئًا و11,185 طالب لجوء و1,162 شخصًا عديم الجنسية في بلغاريا، بالإضافة إلى ذلك، منذ بداية الحرب في أوكرانيا، عبر بلغاريا 1.3 مليون لاجئ من الدولة التي مزقتها الحرب.

بوريس تشيشيركوف من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بلغاريا قال لـ”مهاجر نيوز”: “تلقت بلغاريا العام الماضي حوالي 20 ألف طلب لجوء، وهو أعلى رقم في عام واحد على مدى 30 عامًا من الإحصائيات المسجلة”. وكانت البلدان الأصلية الرئيسية لطالبي اللجوء هي سوريا وأفغانستان والمغرب (الأوكرانيون معفون من عملية طلب اللجوء).

يدفع استيلاء طالبان على أفغانستان في عام 2021 والصراع المستمر في سوريا الناس إلى البحث عن ملجأ في أوروبا. كما أن استمرار عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في تركيا المجاورة – بما في ذلك الآثار المدمرة التي خلفها زلزال شباط/ فبراير – يدفع السوريين الذين كانوا يعيشون سابقاً في تركيا إلى عبور الحدود إلى بلغاريا.

يضيف تشيشيركوف “هذا يخلق ضغوطًا على نظام اللجوء في بلغاريا، بما في ذلك الظروف الصعبة بالفعل في مراكز طلب اللجوء، وكذلك فيما يتعلق بالحصول على الخدمات مثل الصحة”.

وتقع بلغاريا على طريق رئيسي للمهاجرين من الشرق الأوسط وآسيا إلى أوروبا، وعادة ما تستخدم فقط كممر عبور لأولئك الذين يأملون في الاستمرار غربًا إلى الاقتصادات الأكثر ثراءً مثل ألمانيا وفرنسا.

لذلك برأي خوشسيار فإن عدد سكان بلغاريا الصغير البالغ 7 ملايين نسمة يعني أن دولة البلقان ليست مستعدة لاستقبال الزيادة في أعداد اللاجئين، وعلى الرغم من أنه يشعر بالسعادة والأمان عندما يعيش في بلغاريا بعد هروبه من الاضطهاد السياسي في وطنه إيران، إلا أنه يشعر بالتشاؤم بشأن قدرات بلغاريا الحالية على إعادة توطين اللاجئين، ويؤكد الأخصائي الاجتماعي على أن عدد الوافدين إلى هارمانلي زاد ثلاثة أضعاف منذ عام 2020.

ويقول خوشسيار: “ليس من الممكن للسلطات أن تحتفظ بكل هؤلاء الأشخاص… لا تستطيع بلغاريا استضافة هذا العدد الكبير من اللاجئين، نحن نعلم أن بلغاريا هي واحدة من أفقر البلدان في الاتحاد الأوروبي، وعندما يرى (المهاجرون) أنه ليس لديهم فرصة كبيرة هنا، سيقررون المغادرة”، مضيفًا: “أعتقد أنه حتى لو أرادت الحكومة أن تفعل شيئًا حيال ذلك، فلن تتمكن لأنه ليس لديهم القدرة الكافية لذلك”. (DW)

 

 

 

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد