دويتشه فيله : ألمانيا .. الموقف الجديد للحزب المسيحي من الإسلام و الجدل حوله
بعد أشهر من التكهنات والمراجعات، أصدر الحزب الديمقراطي المسيحي المعارض في ألمانيا الذي ينتمي إلى طيف يمين الوسط، لأول مرة منذ عام 2007 مسودة البرنامج الجديد للحزب الذي حكم ألمانيا طوال معظم تاريخ الجمهورية. ويأمل قادة الحزب من وراء البرنامج الجديد في العودة إلى السلطة بعد خسارته الانتخابات التشريعية السابقة عام 2021، لكن المبادئ الواردة في البرنامج الحزبي تحمل تغيرات كبيرة في مواقف الحزب السابقة.
ويرى مراقبون أن المسودة الجديدة تعكس المسار المختلف الذي يريده رئيس الحزب الحالي فريدريش ميرتس الذي فشل في السابق ثلاث مرات بالوصول إلى المنصب أمام منافسة المستشارة السابقة أنغيلا ميركل. وعقب توليه رئاسة الحزب، تعهد ميرتس بالعودة إلى نهج محافظ تقليدي بعد سنوات من توجه وسطي قادته ميركل إذ يعمل على توجيه الحزب نحو مجموعة من قضايا محددة أبرزها الطاقة والهجرة مع إيلاء اهتمام خاص بالأقلية المسلمة في البلاد.
وخلال حقبتها، تولت ميركل معظم سنوات حكمها للبلاد والتي امتدت لأكثر من 16 عاما في إطار “ائتلاف كبير” مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي ينتمي إلى طيف اليسار الوسط. وعلى ضوء ذلك تعرضت المستشارة السابقة للسخرية من قبل بعض الأوساط السياسية التي قالت إنها “أضفت نمطا ديمقراطيا اجتماعيا” على الحزب، لكن عقب تولي ميرتس منصبه، تكرر الهجوم على الحزب الديمقراطي الاشتراكي.
وعلى وقع أزمة الموازنة التي هزت الحكومة الألمانية الحالية بقيادة المستشار أولاف شولتس، خرج كارستن لينيمان، الأمين العام للحزب الديمقراطي المسيحي، ليقول “إذا كانت هناك انتخابات فيدرالية مبكرة، فنحن على أهبة الاستعداد”. بيد أن هذا السيناريو غير وارد في ضوء التوقعات الضعيفة لأداء الائتلاف الحكومي برئاسة شولتس زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي وارتفاع شعبية حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي بحسب نتائج استطلاعات الرأي.ب ومع تباطؤ الاقتصاد، تبقى أزمة الميزانية دون حل واضح.
وفي ظل هذا الوضع، يقدم الحزب الديمقراطي المسيحي نفسه باعتباره الكيان السياسي القادر على حل مشاكل ألمانيا، فيما تشير مسودة البرنامج الجديد إلى العودة إلى الطاقة النووية كجزء من الحل لتعزيز مصادر الطاقة في البلاد وضمان الحصول عليها بأسعار معقولة بما يتوافق أيضا مع الأهداف المناخية.
ويشكك بعض الاقتصاديين في هذا الزعم، خاصة مع انخفاض أسعار مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية. واعتبرت كلوديا كيمفيرت، التي ترأس قسم الطاقة والنقل والبيئة في المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (دي.آي.دبليو)، إن البرنامج الجديد للحزب الديمقراطي المسيحي “ارتدادا للوراء” فيما يتعلق بمسار الطاقة.
وفي مقابلة مع DW، قالت إن تكنولوجيا الطاقة النووية باتت “من الماضي ولم تعد من تكنولوجيات المستقبل. لقد أضحت الطاقة النووية مكلفة للغاية فيما يستغرق بناء المحطات النووية عقودا طويلة مع وجود مخاطر عالية…الطاقة النووية ليست قادرة على المنافسة دون دعم كبير.”
وأضافت أن محطات الطاقة التي تعمل بالغاز التي دعا الحزب الديمقراطي المسيحي إلى العودة إليها، يجب التخلص منها تدريجيا بحلول عام 2035. وشهد أبريل / نيسان الماضي 2023 وفاء ألمانيا بالوعد الذي قطعته بإغلاق آخر ثلاثة مفاعلات نووية لديها في ختام عملية التخلي عن الطاقة النووية والتي بدأت منذ فترة طويلة، على الرغم من الجدل الذي يثيره هذا القرار في سياق الأزمة المناخية الملحة.
وتنص المسودة على أن الحزب الديمقراطي المسيحي “سيضع حدا للهجرة غير المنظمة ويحد من الهجرة الإنسانية إلى مستوى لا يعيق قدرة ألمانيا على تحقيق الاندماج”. ومن شأن هذه السياسة أن تعمل على تحويل مسار تقديم طلبات اللجوء إلى بلدان ثالثة تعتبر آمنة لتوطين طالبي اللجوء المحتملين بها.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه مسؤولو الحزب الخطوة بأنها تلبي “مسؤولياتنا الإنسانية”، فإن عدد من المنظمات الحقوقية وصفت الخطوة بأنها “محاولة تثير السخرية لتقويض سيادة القانون”. وفي تعليقه، قال ستيفان دونفالد، المستشار في مجلس اللاجئين البافاري، إن إجراءات اللجوء خارج بلدان الاتحاد الأوروبي تخفي رغبة ضمنية مفادها “إبقاء اللاجئين بعيدا عن الأراضي الأوروبية”.
وفي مقابلة مع DW، أضاف دونفالد أن موقف الحزب الديمقراطي المسيحي بشأن اللجوء يحمل في طياته “تناقضا للدرس الذي تعلمه المجتمع الدولي بعد عام 1945”. وإبان حقبة ميركل، سمحت حكومتها بقيادة الحزب الديمقراطي المسيحي بدخول قرابة مليون طالب لجوء، معظمهم من المسلمين، الأراضي الألمانية عام 2015، بيد أن حالة الترحاب والانفتاح لقبولهم بدأت في التراجع خلال السنوات الأخيرة لحكمها فيما لم يقتصر الأمر على الحزب الديمقراطي المسيحي بل امتد ذلك إلى قسم كبير من الطيف السياسي الألماني.
وركزت مسودة الحزب الديمقراطي المسيحي الجديدة على وضع المسلمين والإسلام في ألمانيا فيما يبدو ان الحزب قد تخلى عن شعار “الإسلام ينتمي إلى ألمانيا” الذي أكد عليه السياسي المخضرم من الحزب كريستيان وولف الذي تولى رئاسة البلاد إبان حقبة ميركل. غير أن المسودة الجديدة للحزب ذكرت أن “المسلمين الذين يشاركوننا قيمنا ينتمون إلى ألمانيا”.
الجدير بالذكر أن عدد المسلمين في ألمانيا يصل إلى أكثر من خمسة ملايين شخص، بيد أن العقبات الهيكلية جعلت إنشاء مؤسسات دينية محلية أمرا صعبا، فيما يرجع ذلك بشكل كبير إلى الاعتماد على أئمة ووعاظ من خارج البلاد، وهذا ما عزز الشكوك حول “وجود نفوذ أجنبي” يقول الحزب الديمقراطي المسيحي إن يريد وقفه.
ويرى مراقبون أن تحول بوصلة الحزب إلى اليمين تعد محاولة لكسب ود أنصار حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي، لكن أصوات معارضة تقول إن هذا النهج سوف يأتي بنتائج عكسية. وفي هذا الصدد، نقلت مجلة “شتيرن” عن أيمن مزيك، رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، قوله إن قيام الحزب الديمقراطي المسيحي بمحاولة تكرار نهج حزب “البديل” ليس بالأمر الذكي”، مضيفا “أثبتت التجارب أن الناخبين سيصوتون للحزب صاحب الأفكار الأصلية”.
ويقول مراقبون إن مسودة برنامج الحزب الديمقراطي المسيحي الجديدة ليست سوى جزء من ملامح تشير إلى تراجع الحزب عن مواقفه السابقة بشأن الهجرة والأقلية المسلمة في ألمانيا، خاصة مع استخدام هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي على إسرائيل لتبرير اقتراح تشريعات تمهد الطريق أمام تسريع عمليات الترحيل مع إمكانية تجريد وحرمان الجنسية في ظل ظروف معينة.
يذكر أن حركة حماس، هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وتتزامن تحفظات الحزب الديمقراطي المسيحي بشأن الهجرة في وقت أقر فيه البرلمان الألماني (البوندستاغ) حزمة من الإصلاحات في ملف الهجرة بهدف استقدام العمالة الأجنبية الماهرة إلى البلاد مع دق ناقوس الخطر إزاء شبح نقص العمالة في المستقبل القريب.
ويقول مراقبون إن تركيز زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي على “التطرف الإسلامي” الذي يصفه كثيرون بأنه “مستوردا من الخارج” يتجاهل ما خلصت إليه تقارير سلطات إنفاذ القانون من أن الجماعات المحلية المتعصبة للبيض تشكل أكبر التهديدات.
وحملت مسودة البرنامج الجديد للحزب عبارة “العيش بحرية” فيما كانت حملات الحزب الانتخابية السابقة تحت عنوان “ألمانيا حيث يمكن العيش بشكل جيد وسرور”. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن ميرتس يعاني مشاكل تتعلق بشعبيته سواء داخل حزبه أو بين الألمان. (DW)
[ads3]