المحلل الألماني توبياس فيلا: العالم على حافة سباق تسلح جديد

 

في ظل التوترات الجيوسياسية العديدة التي يشهدها العالم، من الحرب الروسية الأوكرانية إلى استمرار التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية والتوترات بين الصين وتايوان مرورا بالحرب الإسرائيلية في قطاع غزة الفلسطيني وتداعياتها على الأوضاع في لبنان والعراق سوريا واليمن، يبدو أن العالم يستعد لجولة جديدة من سباق التسلح سواء التقليدي أو النووي بين العديد من القوى العالمية والإقليمية.

وفي العام الماضي، علقت روسيا التزامها بمعاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية الجديدة (نيو ستارت) وانسحبت من معاهدة خفض القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، وتراجعت عن التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. في المقابل أوصت لجنة بالكونجرس الأمريكي معنية بالوضع الاستراتيجي بضرورة زيادة القدرات النووية الأمريكية لمواجهة مشروع زيادة الترسانة النووية للصين من 410 رؤوس نووية حاليا إلى أكثر من 1500 رأس نووي بحلول 2035.

في الوقت نفسه، كشف تقرير جديد صادر عن المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية، ارتفاع الإنفاق العسكرى العالمى خلال العام الماضي بنسبة 9% ليصل إلى مستوى قياسى بلغ 2ر2 تريليون دولار، مدفوعًا بالتوترات الجيوسياسية المتزايدة الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية.

وتوقع المعهد، الذي يتخذ من لندن مقرا له، زيادة الميزانيات العسكرية بشكل أكبر فى عام 2024 مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية للعام الثالث وفى ظل حالة عدم اليقين التى تسود منطقة الشرق الأوسط بفعل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث وصف مدير عام المعهد، باستيان جيجيريتش الزيادة فى الإنفاق العسكرى بأنها تعكس «المشهد الأمنى المتدهور».

وبحسب التقرير، تظل الولايات المتحدة أكبر منفق عسكرى فى العالم، بميزانية تبلغ 5ر905 مليار دولار خلال العام الماضي أى أكثر من الدول الـ15 التالية لها في الإنفاق مجتمعة، بما فى ذلك الصين التي جاءت فى المركز الثانى بـ5ر219 مليار دولار، وروسيا، التى تحتل المركز الثالث بـ5ر108 مليار دولار.

ويرى البروفيسور توبياس فيلا رئيس مشروع سباق التسلح في مكتب برلين لمعهد أبحاث السلام والسياسة الأمنية في جامعة هامبورج الألمانية في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنريست الأمريكية إن أسباب عودة سباق التسلح في العالم تتفاوت بين المناخ الجيوسياسي المتغير والنمو السريع للترسانة النووية الصينية والابتكارات التكنولوجية مثل الأسلحة التقليدية بعيدة المدى، وحتى الاستقطاب السياسي المحلي في الولايات المتحدة.

ويقول فيلا الذي تركز أبحاثه على احتمالات الحد من التسلح في عصر الردع وتنافس القوى العظمى، إنه في ظل هذه الظروف والتي تتضمن زيادة الاهتمام بالردع النووي في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، يجب أن يكون الهدف الأول لجهود الحد من التسلح هو تقليل مخاطر التصعيد العسكري غير المرغوب، بخاصة بين القوى النووية. كما يجب البناء على التطورات الإيجابية مثل إنشاء قناة اتصال بين وزارتي الدفاع الروسية والأمريكية في مارس 2022 واستئناف الاتصالات العسكرية الأمريكية الصينية في ديسمبر الماضي، بعد أن سبقتها مناقشات حول مخاطر الذكاء الاصطناعي على أنظمة صناعة القرار في الملف النووي.

كما يقترح المحلل الاستراتيجي توبياس فيلا مجموعة من الإجراءات للحد من مخاطر سباق التسلح ومنها الحد من المناورات العسكرية وتحركات القوات وحشدها في مناطق التماس بين حلف شمال الأطلسي (ناتو) وروسيا، واتخاذ خطوات لمنع سباق التسلح بالصواريخ النووية متوسطة المدى الجديدة في أوروبا، وإعادة التأكيد على المحظورات النووية عند أعلى المستويات السياسية، والاستفادة من قنوات المجتمع المدني من أجل الحوار لمعرفة الدوافع وراء تكديس القدرات النووية، وتبادل التهديدات باستخدام الأسلحة النووية والتغييرات التي طرأت على العقيدة النووية، وأخيرا التعلم العكسي من إجراءات خفض المخاطر أثناء الحرب الباردة السابقة.

وحتى إذا لم تؤد هذه الخطوات إلى اتفاقيات للحد من التسلح، فإنها يمكن أن تمهد الطريق لتحقيق تقدم في المستقبل وتتكامل مع اتفاقيات أخرى مثل اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا. في الوقت نفسه فإن المزيد من الدعوات التقليدية للعودة إلى التطبيق الكامل لمعاهدة نيو ستارت أو مناقشة معاهدة بديلة لها يمكن أن تستمر. والعالم يحتاج إلى المزيد من هذه التحركات الإيجابية. فخطر استخدام الأسلحة النووية أو انفجار محطة زابورجيا النووية الأوكرانية نتيجة الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا لم يتراجع. كما أن مخاطر التصعيد العسكري غير المقصود في شرق آسيا مازالت قائمة.

ومما يزيد الموقف سوءا تزايد الأصوات في روسيا والولايات المتحدة والصين وأوروبا التي تطالب بانتهاز الفرص لتأكيد مصالح هذه الدول. وهناك الفرضية المسكوت عنها غالبا هي أن هناك درجة عالية من خطر التصعيد وفقدان السيطرة على الأمور عندما يصل الضغط إلى حافة الهاوية. ويزداد الميل إلى المقامرة في هذا السباق نتيجة ما يسمى باقتصاد الانتباه الذي يكافئ هؤلاء الذين يتخلون عن القواعد الأكاديمية والعلمية من أجل الوصول إلى قدر أكبر من الجمهور وهؤلاء الذين يمكن أن يكونوا وراء عنوان مثير في وسائل الإعلام لكنهم لا يستطيعون التحليل وتقديم المشورة السياسية الرزينة.

وسيتحدد نطاق الحد من التسلح في المستقبل المنظور باحتياجات الدفاع والردع لكل دولة. وهذا أمر طبيعي عندما يصبح ميزان القوة في العالم مختلا. على سبيل المثال تعارض موسكو حاليا تقسيم القضايا النووية الاستراتيجية لأنها ترى احتمال انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو والمعسكر الغربي خطرا استراتيجيا عليها. وعلى الغرب إنهاء وجوده في أوكرانيا تماما كما سحب الاتحاد السوفيتي الصواريخ النووية من كوبا في ذروة الحرب الباردة. لكن فهم الموقف الروسي حاليا يصبح صعبا في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.

ويختتم فيلا تحليله بالقول إنه على دعاة الحد من التسلح قبول الموقف الحالي حتى يكونوا أكثر فاعلية. ففي عالم نووي يصبح التفكير المجرد غير عقلاني وحماقة فكرية وغير ملائم لفن الحكم وإدارة شؤون الدول. فالحد من التسلح لا يستهدف أبدا الأصدقاء، إنه كان ومازال مناسبا للواقعيين ويجب أن يظل كذلك. (DPA)

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها