دويتشه فيله : هل يتم تحديث الجيش في ألمانيا على حساب المساعدات الاجتماعية ؟
بجملة شبه عفوية، أثار المستشار الألماني أولاف شولتس، وهو من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الجدل في الوسط السياسي في برلين، بقوله مؤخرا في مقابلة مع صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ”: “هدفي هو أنه بعد انتهاء الصندوق الخاص، سنقوم بتمويل نفقات الجيش الألماني من الميزانية العامة”.
الصندوق الخاص بقيمة 100 مليار يورو، أنشأته حكومة شولتس لتمويل الجيش الألماني قبل عامين بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، وتم تمويل الصندوق عبر الدين.
لكن حسب الخطط الراهنة، سيكون قد تم استخدام الأموال المخصصة بحلول عام 2027، حيث تم شراء ذخائر وطلب أنظمة تسليح باهظة الثمن، لكن فقط حتى عام 2027. وطبقا لحسابات الخبراء، فإنه بعد ذلك: بدلا من نحو 52 مليار يورو، مخصصة في الميزانية الحالية للدفاع، ستكون هناك حاجة لـ 108 مليارات يورو أي أكثر من ضعف المبلغ.
والسؤال هنا، هل ينبغي توفير هذه النفقات الدفاعية الزائدة من خلال “التقشف في نفقات أخرى” كما أشار شولتس بإيجاز في المقابلة؟ وهذا لا يمكن أن يحدث إلا في البند الأكبر من الميزانية، وهو الإنفاق الاجتماعي. حيث خصصت الحكومة في ميزانية هذا العام 2024 حوالي 176 مليار يورو، أي أكثر من ثلث الميزانية بأكملها، للمساعدات الاجتماعية ومساعدات البطالة للعاطلين عن العمل، وللفئات الأخرى المحرومة اجتماعيا، وللمتقاعدين.
يعتقد رودريش كيزيفتر، خبير شؤون الدفاع في الكتلة البرلمانية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المعارض، أن الجيش الألماني يحتاج إلى المزيد من الأموال بشكل كبير حتى يتمكن من العمل كجيش حديث فعلا والدفاع عن البلاد ضد أي هجوم محتمل. وفي ذلك يتفق كيزيفتر، الذي كان ضابطا سابقا في الجيش، مع مفوضة الحكومة الألمانية لشؤون الدفاع، ايفا هوغل من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، التي تعتقد أن هناك حاجة لمبلغ 300 مليار يورو.
وفي حواره مع DW، أشار كيزيفتر إلى العديد من الأزمات التي واجهتها ألمانيا خلال فترة قصيرة مثل حرب أوكرانيا وحرب غزة، وقال: “في هذا الوضع من الضروري التوضيح للناس بأنه يجب تعديل وتحديد الأولويات ويجب أن يتغبر شيء ما إذا أردنا استمرار العيش في ظل الحرية والديمقراطية”. فبدون الأمن اللازم سينهار الاقتصاد مع مرور الوقت، وسيتحتم فرض قيود أخرى مختلفة تماما على الإنفاق الاجتماعي في حال انهيار أوكرانيا ونزوح الملايين.
ويقول كيزيفتر إن “وضع نفقات الدفاع في مواجهة الميزانية الاجتماعية هو نقاش في غير محله على الإطلاق، بالنظر إلى التهديدات الذي تتعرض لها ألمانيا أيضا”.
لكن هناك قدر كبير من التوتر والإثارة، وخاصة داخل الحزب الاشتراكي وحزب الخضر، الشريكين في الائتلاف. ويتم التساؤل: دبابات وأسلحة بدلا من المساعدات الاجتماعية ومعاشات التقاعد؟ هذا ما تقوله العديد من العناوين الرئيسية في ألمانيا. وفقا للأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي، كيفن كونرت، أسيء فهم المستشار شولتس، إذ قال كونرت في مقابلة، مع القناة الألمانية الأولى “ARD” إن “الأمن الاجتماعي والأمن الإقليمي لألمانيا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “وجهان لا ينفصلان لعملة واحدة”.
لكن زميل كونرت في الحزب وعضو البرلمان، رالف شتغنر كان أكثر تحديدا في حواره مع مجلة “دير شبيغل” بقوله إن الأمن الداخلي والخارجي “لا ينبغي أبدا أن يوضع في مواجهة التماسك الاجتماعي”. وأضاف بأنه لذلك “من الضروري إما إنشاء صندوق خاص لتحديث بلادنا أو على الأقل إصلاح آلية كبح الديون”. وحذر شتغنر من أن زيادة الإنفاق العسكري مع تخفيضات اجتماعية متزامنة والالتزام بآلية كبح الديون، من شأنه أن يقوي موقف الشعبويين اليمينيين.
وفي الواقع، ينص الدستور على آلية كبح الديون، والتي تعني أن الحكومة لا تستطيع أخذ قروض جديدة إلا في نطاق محدود جدا. لذلك اختارت الحكومة إنشاء صندوق خاص للجيش. والصندوق الخاص هو عبارة عن ديون يتم اقتراضها من خارج الميزانية. ولا تستطيع الحكومة إنشاء مثل هذه الصناديق بدون حدود، وهذا ما يمكن فهمه مما أشار إليه المستشار أولاف شولتس في حواره مع صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ”.
من جانبها ترى رئيسة حزب الخضر، ريكاردا لانغ، أنه يمكن سلوك هذا الطريق، وقالت في تصريحات أدلت بها في برلين مؤخرا: “سيكون ذلك وسيلة لضمان أننا ننفق ما يكفي على الدفاع”، وأضافت لانغ: “لا يمكن أن يأتي التمويل من الميزانية الراهنة فقط. يجب أن نضمن عدم وضع الأمن في مواجهة الأمن الاجتماعي في البلد”.
يبدو أن الحزب الليبرالي، الشريك الأصغر في الائتلاف الحكومي، ليست لديه مشكلة كبيرة فيما يتعلق بتخفيض الإنفاق الاجتماعي. ففي حوار مع مجلة “دير شبيغل” قال، ألكسندر مولر، مسؤول سياسات الدفاع في الحزب: “نحن بحاجة إلى المزيد من الأموال لتغطية نفقات الأفراد والإمدادات والذخيرة بشكل دائم. وهذا لا يقوم به المرء من خلال ديون إضافية، وإنما يجب إعادة تحديد الأولويات في الميزانية العادية”.
لقد بدأ النقاش للتو وهو رغم ذلك يدور في حلقة مفرغة، حيث أن آلية كبح الديون تمنع اللجوء إلى استدانة جديدة في الميزانية. ولتغيير هذه الآلية تحتاج الحكومة لأغلبية الثلثين في البرلمان، وهي بهذا تحتاج إلى أصوات كتلة الاتحاد المسيحي المعارض والمكون من حزبي الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي، وهو ما ترفضه المعارضة المسيحية. إذن هل يجب إنشاء صندوق خاص جديد؟ هذا يبدو الاحتمال الأكثر ورودا. لكن ما لا خلاف عليه هو أن الجيش الألماني يحتاج بصورة ملحة إلى التحديث والتطوير. (DW)
[ads3]