دويتشه فيله : تحديث الجيش الألماني .. هل يعود التجنيد الإجباري قريباً ؟
كشف الغزو الروسي لأوكرانيا وتهديدات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الأخيرة عن ضعف في السياسية الدفاعية الألمانية بشكل خاص والأوروبية بشكل عام، فهل التجنيد الإجباري هو الحل؟
بعد سنوات من الإهمال، يجدد الجيش الألماني معداته وآلياته وأنظمته القتالية. بيد أن المال وحده لا يحل كل المشاكل ولا يسد كل الثغرات؛ إذ إن النقص الأكبر هو في العنصر البشري. ففي نهاية المطاف يتعين على شخص ما أن يحلق بالطائرة الجديدة ويقود الدبابات ويستخدم الأسلحة ويجري الصيانة اللازمة للمعدات.
ومن هنا تتم مناقشة إعادة التجنيد الإجباري من جديد. وتدعم المعارضة المحافظة من حزبي الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي إعادة العمل بالخدمة الإجبارية، والتي يمكن أن تكون مدنية لا عسكرية فحسب. أما أحزاب الائتلاف الحاكم الثلاثة، وهي الحزب الديمقراطي الاشتراكي (يسار الوسط) وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) فهي أكثر تشككاً.
ويغرد وزير الدفاع بوريس بيستوريوس خارج السرب في حكومة المستشار أولاف شولتس؛ إذ وصف إيقاف الخدمة العسكرية الإجبارية عام 2011 بأنه “خطأ” ويريد إجراء نقاش عام حول إعادة تطبيقها.
وقالت صوفيا بيش من “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي” ومقرها واشنطن لـ DW: “من الواضح أن بيستوريوس يريد طرح أفكار مختلفة. وهذا يخدم هدفه الأكبر المتمثل في جذب المزيد من الاهتمام إلى الجيش الألماني كرب عمل”. وتقول وزارة الدفاع إنها تدرس خيارات مختلفة. وربما سيتعين على البرلمان الألماني (البوندستاغ) تمرير بعض الإصلاحات في هذا الشأن.
لعقود من الزمن، كان يجب على الشباب في كلتا الدولتين الألمانيتين، الغربية والشرقية، أداء الخدمة العسكرية. وظلت الخدمة العسكرية الإلزامية سارية حتى بعد نهاية الحرب الباردة في ألمانيا الموحدة إلى أن علقها البرلمان في عام 2011. ولكن الخدمة الإجبارية دستورية وفق “القانون الأساسي” (الدستور الألماني).
يقول اللواء فولف-يورغن شتال، رئيس “الأكاديمية الاتحادية للسياسة الأمنية”، لـ DW: “بعد الأزمة المالية، كان المبدأ التوجيهي هو الادخار ومن ثم الادخار ومن ثم الادخار “.
ولم تكن ألمانيا وحدها في هذا المضمار. إذ سبقت العديد من دول الناتو الأخرى ألمانيا بتحويل جيوشها إلى جيوش محترفة، بتقليل العدد ورفع الاحترافية للأفراد. في نهاية الحرب الباردة، كان تعداد الجيش الألماني ما يقرب من 500 ألف جندي، ولكن في العام الأخير من الخدمة العسكرية الإجبارية، عام 2010، لم يكن هناك سوى حوالي نصف هذا العدد. أما اليوم فلا يخدم إلا نحو 181.500 جندي في القوات المسلحة.
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، يفكر صناع القرار السياسي في المجال الدفاعي بشكل مختلف تماماً فيما يخص تمويل الجيش الألماني والغرض منه. وهناك الآن خطط لزيادة القوات المسلحة إلى 203000 رجل وامرأة بحلول عام 2031.
ويقول اللواء فولف-يورغن شتال: “يجب أن تكون لدينا قوة ردع فعالة في الجيش الألماني. وهذا يعني أننا بحاجة إلى المزيد من الأفراد. فكيف يمكننا العثور عليهم؟ الاعتماد على قوة السوق لسد النقص أمر صعب”.
فيما يتعلق بالخدمة العسكرية الإجبارية، يشير اللواء فولف-يورغن شتال إلى ضرورة تحقيق التوازن بين “الحقوق والواجبات” الخاصة بالمواطن. وفي السنوات الأخيرة، كان على الجيش الألماني التعامل ومواجهة مشكلة المتعاطفين مع اليمين المتطرف في صفوفه.
كان التجنيد الإجباري وما زال وسيلة لضمان المساواة بين المواطنين من جميع شرائح المجتمع. المواطن بالزي العسكري قدوة. والتجنيد يفرز جيشاً أكثر ديمقراطية، يجنب البلد الوقوع في شرك جيش معظم عناصره من ذوي الميول العسكرية.
عند النظر في إحياء الخدمة العسكرية الإجبارية، فإن أحد “العوامل الحاسمة”، حسب المتحدثة باسم وزارة الدفاع، هو “المساهمة، التي يمكن أن تقدمها الخدمة العسكرية الإلزامية في تقوية الروابط بين المجتمع والجيش الألمانيين”.
لكن إعادة الخدمة العسكرية الإلزامية ليست بالأمر السهل. على سبيل المثال، ربما يتعين تقنين فرض التجنيد على النساء، وربما على الأجانب كذلك.
ويتم في الوقت الحاضر دراسة عدة تجارب ونماذج كـ”النموذج السويدي”، فالسويد تقوم بدراسة ملف كل مواطن بين عمر 16 و70 عاماً، وتكليف من تراه مناسباً حسب حاجة الدولة وقدرات كل فرد بالمهام المدنية والعسكرية. وعدد السويديين ممن في الخدمة الفعلية قليل جداً. ميزة هذا النموذج إمكانية تشغيله وإيقافه بسرعة كبيرة بما يتطلبه الوضع الأمني.
نظام التجنيد في الولايات المتحدة، التي ألغت التجنيد الإجباري بعد هزيمتها في حرب فيتنام، مختلف عن السويد. هناك يتم دراسة ملفات كل الشباب الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 25 سنة. ومن الناحية النظرية، يمكن تعبئة 15 مليون رجل مدرجين في قوائم الحشد. ولكن نظراً لعدم تلقيهم جميعاً التدريب العسكري، فمن غير الواضح مدى فائدة كل واحد منهم في حالة الحرب.
المشكلة ليست فقط في كيفية زيادة عدد أفراد الجيش الألماني. فقد قالت متحدثة باسم وزارة الدفاع: “إن إعادة العمل الفوري بالخدمة العسكرية الإلزامية ستشكل تحديات عملية وكذلك على مستوى الأفراد للجيش الألماني”.
ويشمل ذلك توفير أماكن المبيت والملابس والأسلحة، وهي نواقص يعاني منها الجيش الألماني الحالي الأصغر عدداً وحجماً. وترى صوفيا بيش من “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي” أن الجيش الألماني لا يمكنه استيعاب الزيادة المفاجئة في عدد المجندين بسهولة وقالت: “وضع هدف الوصول لـ 203 آلاف جندي بحلول عام 2031 ليس اعتباطاً؛ إذ إن ذلك الرقم ممكن بحلول عام 2031، أو على الأقل السعي للوصول إليه”. (DW)
[ads3]