هيومان رايتس ووتش تطالب الأردن بالمساءلة و تعويض السوريين الذين قتل أفراد عائلاتهم جراء غاراتها الجوية

 

قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إنه ينبغي للأردن ضمان المساءلة عن الغارات الجوية في جنوب شرق سوريا التي قتلت 10 أشخاص في 18 يناير/كانون الثاني، وتعويض الضحايا وعائلاتهم. يُفترض أن الغارات، التي قتلت نساء وأطفالا، ترقى إلى مصاف الإعدام خارج القضاء.

جاءت الغارات الجوية ضمن حملة مكثفة شنتها “القوات المسلحة الأردنية” ضد مهربي المخدرات والأسلحة في أعقاب اشتباكات وقعت مؤخرا على الحدود الأردنية مع جماعات مسلحة قيل إنها تحمل مخدرات وأسلحة ومتفجرات ويُشتبه في ارتباطها بميليشيات موالية لإيران. في 23 يناير/كانون الثاني، ردت الحكومة السورية قائلة إن الهجمات الأردنية غير مبررة. ردّت وزارة الخارجية الأردنية دون أن تنفي وقوع الهجمات أو تؤكده، لكنها شددت على التهديد الذي يشكله تهريب المخدرات والأسلحة، وتأثيره على الأمن الوطني الأردني، وتقاعس الحكومة السورية عن التحرك الفعلي لمكافحة مثل هذه العمليات على أراضيها. كتبت هيومن رايتس ووتش إلى وزير الخارجية الأردني في 31 يناير/كانون الثاني موضحة النتائج التفصيلية التي توصّلت إليها لكنها لم تتلقَ أي رد حتى تاريخ نشر هذا البيان.

قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “الغارات الجوية العابرة للحدود التي تقتل مدنيين تستدعي التدقيق، بغضّ النظر عن التهديد الذي يُشكله تهريب المخدرات من جنوب سوريا. ينبغي للأردن وقف الضربات العسكرية ضد أهداف غير عسكرية وتعويض ضحايا الهجمات السابقة وعائلاتهم”.

في 18 يناير/كانون الثاني، حوالي الساعة 1 صباحا، أصابت غارات جوية على بلدة عُرمان في محافظة السويداء الجنوبية منزلا في الجزء الشرقي من البلدة، ما أدى إلى تدمير المنزل ومقتل صاحبه عمر طلب؛ ووالدته أمل زين الدين؛ وعمته اتحاد طلب. على بعد 500 متر غربا، أصابت وحدتا ذخيرة اثنين من أربعة منازل متصلة في وسط البلدة، ما تسبب بأضرار جسيمة ومقتل صاحب أحد المنازل، تركي الحلبي؛ وزوجته فاتن أبو شاهين؛ وابنتيهما الصغيرتين فرح (3 سنوات) وديما (5 سنوات). كما قتلت أقاربهم نزيه الحلبي، الذي كان يملك منزلا آخر من هذه المنازل، وزوجته إقبال، وقريبتهم روزا الحلبي. تملك عائلة الحلبي ثلاثة من المنازل الأربعة المتصلة.

قابلت هيومن رايتس ووتش اثنين من أقارب آل الحلبي يعيشان في مكان قريب، بالإضافة إلى ناشط وباحث في موقع “السويداء 24” الإخباري المحلي. راجع الباحثون وتأكدوا من صحة صور فوتوغرافية وفيديوهات وصور من الأقمار الصناعية تُظهر أضرارا جسيمة في كلا الموقعين، بالإضافة إلى صور بقايا الذخيرة التي جُمعت من موقع المنازل الأربعة المتصلة التي كانت تؤوي أفرادا من آل الحلبي.

سمحت هذه الصور، إلى جانب أدلة على وجود حفرة كبيرة، بالتعرف الإيجابي على أحد الأسلحة المستخدمة: قنبلة موجهة عبر الأقمار الصناعية من فئة “جي دي إيه إم” (JDAM) زنة 500 رطل. حصل الأردن على 198 مجموعة “جي دي إيه إم” من الولايات المتحدة في فبراير/شباط 2017.

قال أحد الأقارب: “الساعة 1 صباحا، كنت في منزلي في عُرمان. كنت مع زوجتي وطفلتي وهي مولودة جديدة. سمعنا طائرات حربية ثم انفجارا كبيرا جدا في مكان قريب”.

قال قريب العائلة إنه خرج فورا ليرى ما حدث ووجد الطريق المؤدي إلى منزل تركي الحلبي، على بعد 65 متر، متضررا و”مليئا بالحجارة”. قال إنه عندما وصل إلى منزل تركي وجده مدمرا، بالإضافة إلى أضرار جسيمة لحقت بالمنزلين المجاورين له. أما بيته هو، كما قال، فقد كسرت نافذته.

قال القريب إن آل الحلبي عائلة درزية معروفة في محافظة السويداء. قال إن تركي الحلبي يعمل في الزراعة، وإن نزيه الحلبي، وهو عقيد متقاعد، شارك بكثافة في مظاهرات السويداء الأخيرة المطالبة بالإصلاح السياسي. قال إن أيا من الرجلين ليس ضالعا في تهريب المخدرات. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من ذلك بشكل مستقل.

قال القريب الآخر، الذي يعيش مقابل المجمّع على الجهة الأخرى من الشارع: “لم نتمكن من التحديد كم مرة تعرضنا للهجوم. الخوف، والصوت، والغبار، وصراخ الأطفال، كان الأمر مرعبا… جميع نوافذنا تحطمت. عندما رأينا ما حدث لمنزل عمي، أصابنا الرعب، انهيار كامل. بعد حوالي ساعة تمكنا من إنقاذ أطفال نزيه، وكان الأربعة جميعهم ما زالوا على قيد الحياة”.

بحسب السويداء 24، استمرت عمليات البحث والإنقاذ في عُرمان أكثر من 10 ساعات. أشار أحد أقارب الحلبي إلى فقدان السبل القانونية في سوريا التي يمكنهم من خلالها الحصول على إجابات وتحقيق العدالة. وقال: “تم التخلي عن السويداء. لا تريد الحكومة أن يكون لها أي علاقة معنا”.

لم تكن هجمات 18 يناير/كانون الثاني هي الأولى التي يشتبه في أن الأردن نفذها ضد عمليات تهريب مخدرات مزعومة في جنوب سوريا. أُبلِغ عن خمس هجمات أخرى على الأقل، أولها في 8 مايو/أيار 2023. استهدفت تلك الغارة منزلا في قرية الشعاب بمحافظة السويداء كان يقيم فيه مرعي الرمثان، وهو أحد السكان الذين يُعتقد على نطاق واسع أنه ضالع بشدة في تجارة المخدرات غير المشروعة، مع عائلته. أدت الغارة، التي حققت فيها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” ونشرت تقريرا عنها، إلى مقتل الرمثان وزوجته وخمسة أطفال.

أشار بيان صادر عن وزارة الخارجية الأردنية بعد ساعات قليلة من الغارة إلى أن الحكومتين الأردنية والسورية توصلتا إلى اتفاق لتشكيل فريق أمني مشترك يهدف إلى مواجهة خطر تهريب المخدرات وأن الحكومتين أنشأتا قنوات اتصال. بحسب السويداء 24، قتلت ثلاث من الهجمات الأربع الأخرى المُبلغ عنها تسعة أشخاص، بينهم طفلان دون سن الخامسة. لم يُعلن الأردن مسؤوليته عن أي من هذه الهجمات أو ينفيها.

في 16 يناير/كانون الثاني، بعد ما يزيد قليلا عن أسبوع على جولة غارات جوية على منزل ومزرعة في محافظة السويداء قتلت ثلاثة أشخاص، أعرب الزعيم الروحي لطائفة الدروز في جنوب سوريا الشيخ حكمت الهجري دعمه للحملة الأردنية ضد عمليات التهريب، لكنه ناشد السلطات الأردنية أن تتجنب الإصابات المدنية والخسائر المادية.

في 20 يناير/كانون الثاني، أعلنت “حركة رجال الكرامة”، وهي أكبر مجموعة مسلحة في المحافظة، مبادرة موجهة إلى السلطات الأردنية من تسع نقاط، تتضمن التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات، وتحميل الحكومة السورية المسؤولية المباشرة عن هذه القضية، وإبداء استعدادها لملاحقة المتورطين في تهريب المخدرات، بعد أن يشارك الجانب الأردني قوائم أسماء المتورطين. دعت الحركة أيضا إلى وقف العمليات العسكرية ضد المواقع المدنية، وإجراء تحقيقات شفافة في الوفيات الناجمة عن الغارات، والتعويض عن الأضرار.

في 7 يناير/كانون الثاني، بعد يوم من إعلان الجيش الأردني أنه قتل خمسة مهربي مخدرات وأسلحة واعتقل 15 خلال اشتباكات مع مجموعات مسلحة من المهربين على الحدود الأردنية-السورية، قال مدير الإعلام في القوات المسلحة الأردنية العميد مصطفى الحياري في مقابلة مع وكالة “المملكة” الحكومية للأنباء: “سنستخدم القوة لمنع التهديد عن الأمن الوطني الأردني كيفما دعت الحاجة، هذا يعني أن استخدام كافة الوسائل المتاحة هو مسخّر لمرتّبات حرس الحدود، للقوات المسلحة وللأجهزة الأمنية”.

الحق في الحياة حق أصيل من حقوق الإنسان لا يمكن التفريط فيه، حتى في أوقات النزاع المسلح أو حالات الطوارئ. الإعدامات بإجراءات موجزة أو خارج القضاء أو التعسفية محظورة بموجب صكوك القانون الدولي، بما فيها “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”. ينص “دليل الأمم المتّحدة لمنع ممارسات تنفيذ عمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة، والتحقيق في تلك الممارسات” على أن واجب التحقيق لا “يبدأ” فقط في حالة واضحة تتعلق بوفاة غير مشروعة، لكن أيضا عندما تكون هناك “ادعاءات معقولة بحدوث وفاة يحتمل أن تكون غير مشروعة”، حتى دون تقديم شكوى رسمية. يجب أن يكون لأفراد الأسرة أيضا الحق في الحصول على معلومات كاملة عن ظروف الوفاة وأسبابها والمشاركة في التحقيق.

قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للأردن ضمان إجراء تحقيقات شاملة ونزيهة في غارة 18 يناير/كانون الثاني الجوية والغارات السابقة، بما يشمل تحديد كيفية إقرار أي سياسة ذات صلة بشن الضربات ومن المسؤول عنها، وضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. ينبغي تعويض عائلات الضحايا عن عمليات القتل غير المشروع. يتعين على شركاء الأردن الدوليين الذين يقدمون المساعدة العسكرية والأمنية ضمان عدم استخدام ما يقدمونه من أموال أو دعم في عمليات القتل غير القانوني أو غيرها من الانتهاكات الحقوقية.

قال كوغل: “أنتج العقد الأخير في سوريا قائمة لا تنتهي من الفظائع وحوادث الإفلات من العقاب. ينبغي ألا يُفاقم الأردن ذلك بقتل أشخاص يصدف تواجدهم أثناء استهداف عمليات المخدرات في سوريا”. (HRW)

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها