نيويورك تايمز : علاقات اليمين المتطرف بروسيا تدق ناقوس الخطر في ألمانيا

يتطلب حضور جلسة سرية في البرلمان الألماني من المشرعين إغلاق هواتفهم وتركها بالخارج، ولا يُسمح لهم داخل الجلسة بتدوين الملاحظات. ومع ذلك، يرى العديد من السياسيين أن هذه التدابير الوقائية من التجسس أشبه بـ”مسرحية هزلية”، لأن الجالسين إلى جانبهم في هذه الاجتماعات السرية هم أعضاء في حزب “البديل من أجل ألمانيا”، الحزب اليميني المتطرف المعروف اختصاراً بالألمانية بـAFD.

وفي الأشهر القليلة الماضية فقط، اتُهم سياسي بارز في حزب “البديل من أجل ألمانيا” بأخذ أموال من استراتيجيين موالين للكرملين، وتم الكشف عن وجود صلات بين أحد معاوني نواب الحزب وعميل استخبارات روسي. كما توجه بعض مشرعي الولايات إلى موسكو لمراقبة الانتخابات الروسية “المفبركة”، حسبما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، الاثنين.

وقال إيرهارد جروندل، عضو حزب الخضر في لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان، للصحيفة: “أن أعرف على وجه اليقين أن من يجلس هنا، أثناء مناقشة هذه القضايا الحساسة، هم مشرعون لديهم صلات مؤكدة بموسكو، لا يجعلني أشعر بعدم الارتياح فحسب، بل يقلقني”.

وذكرت “نيويورك تايمز” أن المخاوف الأمنية “حقيقية”، على الرغم من أن بعض الاتهامات الموجهة لحزب “البديل من أجل ألمانيا” قد تكون محاولات من قبل منافسين سياسيين يسعون لكسب بعض النقاط.

ومع تراكم الأدلة على وجود صلات بين حزب “البديل من أجل ألمانيا” وموسكو، انتشرت الشكوك بين مختلف الأطياف السياسية في ألمانيا.

وكتب رودريش كيسويتر، نائب رئيس لجنة المخابرات بالبرلمان والعضو بالحزب الديمقراطي المسيحي اليميني الوسطي، على مواقع تواصل اجتماعي: “حزب البديل من أجل ألمانيا مستمر في التصرف باعتباره الذراع الطويلة لدولة روسيا الإرهابية”.

ومنذ بداية الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022، تواجه أوروبا صعوبة في التصدي لعمليات التأثير التي تقوم بها موسكو، والتي تهدف إلى إضعاف وحدة الغرب.

وامتدت المخاوف إلى ما هو أبعد من التنصت والتجسس لتشمل علاقات موسكو مع الأحزاب السياسية، وخاصة اليمينية المتطرفة. وأثبتت هذه العلاقات فعاليتها كأدوات مفيدة للكرملين، بحسب الصحيفة.

وقالت “نيويورك تايمز”، إن القلق يتزايد في ألمانيا ودول أخرى قبل انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة خلال يونيو المقبل، والتي يُتوقع أن تبذل فيها العديد من الأحزاب أفضل ما لديها على الإطلاق.

وأضافت الصحيفة أن حزب “البديل من أجل ألمانيا”، الذي يعارض تزويد أوكرانيا بالأسلحة، ويدعو إلى إنهاء العقوبات المفروضة على روسيا، لا يتنافس على أن يصبح ثاني أقوى حزب ألماني في انتخابات البرلمان الأوروبي فقط، بل يستعد أيضاً ليصبح القوة الرائدة في الانتخابات التي تُجرى الخريف المقبل في 3 ولايات شرق ألمانيا.

ومن شأن هذا أن يمنح حزب “البديل من أجل ألمانيا” إمكانية السيطرة على حكومات الولايات، وإن كان ذلك غير مرجح حتى الآن، وفقاً للصحيفة.

وقالت مارتينا رينر، عضوة البرلمان الألماني من حزب اليسار ورئيسة لجنة الأمن الداخلي بالبرلمان، للصحيفة: “هذا يخلق وضعاً جديداً فيما يتعلق بروسيا، حيث يُمكن أن يصل الأشخاص الذين يقومون بالدعاية، وينقلون المعلومات إلى السلطة”.

وأوردت “نيويورك تايمز” أن المشرعين الألمان من مختلف الأطياف السياسية، بما في ذلك الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم والحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ، لديهم تاريخ طويل من العلاقات الاقتصادية الدافئة التي جعلتهم متشابكين مع المصالح الروسية.

ويرى البعض أن هذا التشابك أحد الأسباب وراء عدم اتخاذ الحكومة الألمانية إجراءات أكثر صرامة ضد العمليات السرية الروسية، خوفاً من الكشف عن مدى عمق العلاقات مع موسكو في السابق.

ولكن في أعقاب حرب أوكرانيا، أعرب مشرعون رئيسيون عن ندمهم على هذه العلاقات وقطعها معظمهم. في حين أن العديد من المشرعين المنتمين لحزب “البديل من أجل ألمانيا” يبدون عازمين على تعميق العلاقات مع موسكو، حسبما ذكرت “نيويورك تايمز”.

وأعلنت السلطات البلجيكية، الجمعة، أنها بدأت تحقيقاتها في المبالغ التي يُزعم أن مشرعين أوروبيين حصلوا عليها. وتحوم الشكوك حول بيتر بيسترون، العضو في لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الألماني، والذي ينتمي لحزب “البديل من أجل ألمانيا”.

وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، قاد بيسترون مشرعي حزب “البديل من أجل ألمانيا” في المطالبة بمعرفة أسباب عدم سعي الحكومة الألمانية إلى إطلاق سراح فيكتور ميدفيدتشوك، رجل الأعمال الأوكراني الموالي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

ويصف مشرعو حزب “البديل من أجل ألمانيا” ميدفيدتشوك بأنه “أهم سياسي معارض أوكراني”، حسبما ذكرت “نيويورك تايمز”.

وأسس ميدفيدتشوك في وقت سابق حزباً سياسياً موالياً لموسكو في أوكرانيا، بالإضافة إلى عدة قنوات تلفزيونية مؤيدة للكرملين.

ووُضع ميدفيدتشوك تحت الإقامة الجبرية في كييف بعد الغزو الروسي بتهمة الخيانة. وأُطلق سراحه في وقت لاحق وأُرسل إلى روسيا في صفقة تبادل أسرى مع موسكو.

وفي الشهر الماضي، اتهمت السلطات التشيكية والبلجيكية ميدفيدتشوك بالمشاركة في “عملية تأثير” روسية تم من خلالها نقل أموال وعملات مشفرة عبر منصة إعلامية تدعى “صوت أوروبا” إلى سياسيين في 6 دول أوروبية على الأقل مقابل نشر الدعاية المؤيدة للكرملين.  (asharq)

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها