دويتشه فيله : حلاق سوري يطلق مبادرة لفائدة المشردين في مدينة ألمانية
بقي الحال على ما هو عليه إلى غاية شهر يوليو/تموز 2016، يقول إنه عانى في مرحلة تواجده في ولاية ساكسونيا أنهالت من العنصرية، لكن المرحلة انتهت بمجرد حصوله على الإقامة ومغادرته نحو ولاية شمال الراين وستفاليا. ويحكي قائلا “مهما كان، لم تكن العنصرية أقسى مما شهدته خلال رحلة اللجوء القاتلة، حيث عانيت من مخاطر في طريق البر والبحر، ووصلت بأعجوبة إلى ألمانيا سالما”.
بعد انتقاله لمدينة هيرنه في ولاية شمال الراين ويستفاليا، عاش هشام ضغطا كبيراً من نوع آخر، قبل أن يتمكن من لم شمل عائلته التي تركها في دمشق، في فترة كانت الحرب فيها مشتدة والدمار كبير والأزمة مشتعلة. يقول “قد يتساءل البعض لماذا تركت أبنائي وزوجتي في تلك الظروف؟ وجوابي دائما هو أنه لم يكن أمامنا من حل آخر، كان على أحد أن يحاول إيجاد مكان آمن للجميع، وهذا الشخص كان أنا. كان الأمر قاسياً لكنه ضروري”.
كانت أولى خطوات هشام في الحياة الجديدة في ألمانيا هي دراسة اللغة، التي يعتبرها أهم الحواجز التي اعترضته إلى اليوم، إضافة إلى البيروقراطية، التي عانى أيضا بسببها مشاكل كثيرة والتي خلفت تعقيدات أصعب من السابق في مجال عمله أيضا، إذ يقول “لم أجد طوال حياتي مشاكل للعمل في مجال الحلاقة منذ بدأت العمل فيها خلال تسعينيات القرن الماضي، لكن في ألمانيا خاصة بعد تأسيس مشروعي الخاص سنة 2022، عشت صعوبات لم أتخيلها”.
فهشام لم يعمل منذ سنة 1990 سوى ممارسته لمهنة الحلاقة، يؤكد أنه لتأسيس مشروع خاص، “لم يساعدني أو يقترح علي الموضوع أو يسهل طريقي لا أشخاصا ولا مؤسسات، لكن من حظي أن رجل أعمال تركي في المنطقة كان قد استثمر في محل حلاقة ولم يتمكن من إيجاد فريق عمل أو يفتتحه لأنه لا يتوفر على الشهادة، فأخذتُ قرضاً من صديق وحصلت على المشروع جاهزاً”.
يشعر محدث هشام بفخره ورضاه على ما استطاع تحقيقه رغم الصعوبات التي أنهكته، خاصة وهو يبدأ حياة جديدة في عمر تجاوز فيه الأربعين سنة، يقول “لم أتخيل يوماً أن أصير لاجئاً أنا وأسرتي، ولا أن يحل ببلدي حرب ودمار كالذي عشناه. في شبابي، كانت أمامي فرص كثيرة للعمل خارج بلدي وجربت مرتين إحداهما سنة 1997 بالهجرة إلى السعودية، وبعدها إلى دبي في الإمارات العربية لكني لم أحب العيش بعيدا عن سوريا، فعدت بسرعة”.
خلال حديثه لمهاجر نيوز عن قصته، ردد هشام أكثر من مرة فكرة مفادها أن “ألمانيا استقبلت اللاجئين استقبالا جيدا ووفرت المأوى، وساعد في ذلك المنظمات الإنسانية والجمعيات الإسلامية خاصة التركية منها”. هذا ما يجعل بالنسبة للمتحدث أي مبادرة من اللاجئين تجاه المجتمع واجباً.
يقول “مثل هذه المبادرة التي قمت بها دون كثرة تفكير وتخطيط مسبق، كانت أمورا أفعلها بشكل دائم في بلدي، هي ثقافة تربينا عليها ونعتبرها واجبا إنسانيا ودينيا اتجاه كل من يحتاج للمساعدة. وأول مرة قمت بها في ألمانيا، كانت مع شخصين مشردين يمران دائما من جانب المحل، فعرضت عليهما المساعدة وحلق شعرهما فقبلا، فقلت لما لا أجعلها مبادرة لكل من يحتاج في المدينة”.
تزامن تطبيق الفكرة مع شهر رمضان حسب قول هشام “الأشخاص المشردين أو الذين ليس لديهم مال مقابل الخدمة، خصصت لهم أوقاتا طوال الشهر، وهو ما أعلن عنه بعض الأصدقاء في صفحات باللغة الألمانية على وسائل التواصل الاجتماعي”.
ويضيف المتحدث “عندما قررت أن أقوم بالمبادرة لم أتوقع أن تخلق رد فعل كهذا لدى الألمان وإعلامهم، لأنني قمت بها عن قناعة، فقط لأجل مساعدة المحتاجين ، لكن الألمان دعموني كثيراً، وكسبت زبائن جدد فقط لأنهم سمعوا بالمبادرة وأرادوا دعمي تقديراً للفكرة والمجهود”. واليوم “أفكر في تطوير الفكرة لكن ليس في محل الحلاقة الخاص بي، بل أن أحرص على عقد شراكة أتطوع فيها للبلدية، وأعمل على تقديم الخدمة لمن يحتاجها في أماكن توفرها السلطات”.
يرى هشام أنه في ألمانيا، ليس الجميع يتقبل اللاجئين، ويقول “كثيرا ما عشت عنصرية في الولاية حيث كنت سابقاً، لكن في ولاية شمال الراين ويستفاليا صراحة لا وجود لمثل هذه المشاكل، فالناس هنا اعتادوا وجود المهاجرين من ديانات وأعراق مختلفة”.
لكنه يعود ويقول “للأسف اليمين المتطرف لا يرانا ويصورنا للمجتمع من خلال الإعلام إلا بصورة غير حضارية، كأننا نأخذ من مال الدولة ولا نعطي بالمقابل شيئا ولا نبذل مجهوداً. يروجون صوراً نمطية عن ثقافتنا وديننا كلها مغلوطة. صحيح أنه لم يكن بقصد، لكن المبادرة فيها رد على هذه الأفكار والتشويه الذي يلحق بمجتمع المهاجرين واللاجئين في ألمانيا”. (DW)
[ads3]