دويتشه فيله : الأطباء الأجانب في ألمانيا .. عراقيل مستمرة رغم الحاجة لهم
صارت ألمانيا، التي تعاني من نقص اليد العاملة المتخصصة في مجال الرعاية الصحية، من الوجهات المفضلة بالنسبة للأطباء الأجانب في أوروبا خلال السنوات الأخيرة، فقد ارتفع عدد الأطباء الأجانب غير المجنسين في البلد، حسب الجمعية الطبية الألمانية، ليناهز 60 ألف طبيب، وصاروا يشكلون حوالي 12 بالمئة من مجموع أطباء ألمانيا.
غالبية الأطباء الأجانب ينحدرون من دول أوروبية أخرى أو دول في الشرق الأوسط، ويتصدر السوريون القائمة حسب الإحصائيات(6,120 طبيبا)، يليهم الرومانيون (4,668)، والنمساويون (2,993)، واليونانيون، ثم الروس، والأتراك.
لكن قبل الحصول على فرصة عمل في ألمانيا، يمر الأطباء الأجانب بإجراءات اعتماد صارمة، والتي تتضمن اختبارين في مهارات اللغة الألمانية العامة واللغة المهنية.
وفي ظل الحاجة الهائلة لليد العاملة المتخصصة في المجال، تعتقد هذه الفئة أن الجهد والوقت المبذولين خلال هذه المرحلة يستنزف منهم الكثير، وهو ما كان من الأجدر أن يُسْتَثْمَرَ في العمل على سد النقص المهول في هذا القطاع الحيوي في البلد.
الدكتور فؤاد زيدان، طبيب سوري مارس مهنة الطب لما يزيد عن 15 سنة في بلده الأصل سوريا، التي غادرها بعد الحرب متجها نحو ألمانيا بحثا عن الأمان، لكن أيضا بأمل استمرار تأدية واجبه المهني كطبيب مختص في التخدير، وهو مجال فيه نقص كبير في ألمانيا.
بدأت محاولاته لولوج سوق العمل منذ وصوله، فقد درس اللغة وتجاوز عقبات بيروقراطية كثيرة، رغم أن فترة انتشار فيروس كورونا زادت من تأخر الإجراءات، إلا أنه لم يفقد الأمل إلى اليوم، ولكنه لحد الآن لم يستطع العمل كطبيب.
يقول في حديث لـ DW عربية “تحولت طيلة السنوات الماضية إلى عاطل عن العمل لأسباب لا دخل لي فيها، وهذا أمر محبط للغاية، في بلد يحاول جلب الأطباء من الخارج بأي طريقة، رغم وجود الآلاف منهم هنا في حالة عطالة، الأمر غير معقول”.
حذرت المنظمات الصحية الدولية من أن النقص الحاد في الطاقم الطبي صار يشكل خطرا على صحة المواطنين في مختلف أنحاء العالم. وفي ألمانيا، تبرز الإحصائيات أن هناك 4.53 طبيبا لكل 1000 شخص حسب الإحصائيات الرسمية، ويتراجع عدد الأطباء بسرعة مما يجعل النقص الذي تواجهه ألمانيا في أطقمها الطبية كبيرا جدا.
فمنذ عام 2023، صار 41% من الأطباء العاملين في ألمانيا ممن تجاوز عمرهم 60 عاما، كما من المتوقع أن يتم إغلاق ما يقدر بنحو 5000 إلى 8000 عيادة طبية، بسبب وصول الأطباء العاملين فيها لسن تقاعد.
ولأن الخريجين الجدد لا يكفون لتعويض المتقاعدين، فإن توظيف الأطباء الأجانب هو الحل الوحيد لعدم تعطل النظام الصحي، لكن هؤلاء الأطباء يشتكون من عراقيل كثيرة، ومنهم الطبيب السوري محمد الحكيم.
وصل الحكيم إلى ألمانيا سنة 2015. يقول: “الوقت المطلوب لمعادلة شهادة الطب في ألمانيا يختلف حسب صفة الطبيب القانونية، فاللاجئ ليس كالمهاجر أو من أتى طالبا مثلا، فاللاجئون يحتاجون فترات أطول لإنهاء كل الإجراءات”.
في المقابل تتحدث بعض التصريحات من الجانب الألماني عن شكاوى من بعض المرضى الذين لا يتمكنون من التواصل بشكل سلس مع الأطباء الأجانب، مما يطرح مشكلة اللغة بقوة، فرغم المجهودات التي يقوم بها الأطباء الأجانب لتحصيل شهادات الألمانية الفصحى أو اللغة المتخصصة الطبية، يبقى فهم اللهجات المحلية صعبا.
الدكتور محمد الحكيم الذي مارس مهنة الطب لما يزيد عن 15 عاما في سوريا، وباشر العمل في ألمانيا بعد ما يقارب ست سنوات من الانتظار بعد لجوئه، أي سنة 2021، علق على موضوع اللغة بقوله “عندما أفحص امرأة ألمانية تبلغ من العمر تسعين عاما، وتقول إنها ابتلعت قطعة ما ولا أفهم أنا ما هي هذه القطعة لأنها من الثرات الألماني أو لأنها نطقتها بلهجة محلية، فإن المشكلة لم تعد موجودة. والمهم أني فهمت القصة”.
ويتابع: “عبر التصوير الإشعاعي يمكنني أن أتحقق من مكان وجودها وماهيتها، لكن أن يتم استبعادي خلال امتحانات اللغة الطبية، بسبب عدم فهم كلمة واحدة، فهذا أمر مبالغ فيه بشدة”.
أظهرت دراسة نشرتها جامعة بازل عام 2022، استطلعت خلالها آراء العاملين في مستشفيين جامعيين كبيرين في ألمانيا، أن العديد من المتخصصين في الرعاية الصحية الأجانب بما في ذلك الممرضات والأطباء تعرضوا للتمييز بسبب اللغة والجنسية والانتماء العرقي.
بالنسبة للطبيب محمد الحكيم، فالأمر “يتجاوز العنصرية في الكثير من الأحيان، إلى الكيل بمكيالين”، إذ انتقد فرض شروط قاسية على الأطباء خريجي الجامعات السورية وجعلهم عاطلين لسنوات طويلة، بينما يتم التعامل في ألمانيا مع الأطباء القادمين من دول من شرق أوروبا، مثل رومانيا أو بلغاريا، بمرونة مبالغ فيها.
ويشير إلى أن هذه المرونة تظهر عندما يتعلق الأمر بامتحان اللغة الطبية وتعديل الشهادات، وهو ما يجده الحكيم الذي يعمل حاليا في عيادة خاصة بألمانيا “إجحافا في حق الطبيب السوري، لأن الجامعات السورية مشهود لها بالكفاءة”.
الطبيب هادي، مختص في الطب الباطني، قدم من ليبيا قبل حوالي ست 6 سنوات، لم يتمم بعد سنة على انطلاق عمله في مشفى ألماني، والسبب عراقيل بيروقراطية فوجئ بها بعدما تمكن من اجتياز كل الاختبارات اللغوية والمهنية بنجاح، مما أفقده وقتا ومالا وضياع سنوات بدون كسب الخبرة المهنية.
الأسباب حسب قوله لا يتحمل هو فيها أي مسؤولية، إذ يرى أنه “في ألمانيا، بغض النظر عن قدومك كلاجئ أو مهاجر، فمعاناة الأطباء الأجانب مع البيروقراطية واحدة، تتمدد زمنيا أو تتقلص بفوارق بسيطة، لكن الأمر محبط للغاية”.
يشير الطبيب فؤاد زيدان من ناحيته إلى أن هذا يسبب لألمانيا خسائر مهولة، إذ يقول “سواء من الأطباء الأجانب من بدأ العمل أم من لم يتمكن، نسبة من يخططون للهجرة من ألمانيا كبيرة للغاية، نسمع عن مغادرة العشرات كل فترة، منهم من حصل على الجنسية وتوجه نحو دول الخليج، ومنهم من عرقلته البيروقراطية هنا فبدأ يبحث عن فرصة في النمسا، حيث الامتحانات أبسط وتعديل الشهادات أسرع. وبهذه الطريقة، ستفقد ألمانيا المزيد من الطاقات وتعمق من مشكلتها أكثر”. (DW)
[ads3]