دويتشه فيله : المجتمعات اليهودية و المسلمة في ألمانيا و السعي نحو التضامن

تسبب العنف في الشرق الأوسط في توقعات مأساوية مع استمرار الحرب بين حماس وإسرائيل لأكثر من ستة شهور، فيما ألقى الأمر بظلاله على كافة المجتمعات في سائر بلدان العالم، التي تتعاطف سواء مع إسرائيل أو الفلسطينيين.

بيد أن الغضب تزايد هذه المرة في ظل الدمار وأعمال القتل الغير مسبوقة مع استمرار الحرب التي اندلعت عقب هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي والذي أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، في أسوأ هجوم في تاريخ إسرائيل الممتد لـ 75 عاما.

وأدت العمليات العسكرية الإسرائيلية الانتقامية إلى مقتل أكثر من 34 ألف شخص في قطاع غزة. ومع أن حصيلة القتلى تضم عناصر من حركة حماس، التي يصنفها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وألمانيا وغيرها منظمة إرهابية، بيد أن جُل القتلى من الأطفال.

وفي مقابلة مع DW، قال الأمين العام للمجلس المركزي (الأعلى) للمسلمين بألمانيا، عبد الصمد اليزيدي، إن اليهود والمسلمين يتفاعلون مع الصراع بشكل عاطفي، لكنه أشار إلى “إمكانية بناء الثقة وإدارة مناقشات بشكل موضوعي حول هذه القضية مع المضي قدما في التعاون”.

ولا يقتصر هذا التحدي على ألمانيا بل يشمل كافة المجتمعات التي تضم مسلمين ويهود في جميع أنحاء العالم، لكنّ الأمر في ألمانيا يحمل في طياته بعدا آخرا. وتشير التقديرات إلى أن عدد المسلمين في ألمانيا يبلغ حوالي 5.5 مليون نسمة، يشكل المواطنون الألمان أكثر من نصفهم، فضلا عن أن ألمانيا تضم أكبر جالية فلسطينية في أوروبا. وفيما يتعلق بالمجتمع اليهودي في ألمانيا فهو أصغر بشكل عام، إذ يعيش في البلاد أقل من 200 ألف يهودي، لكن ورغم ذلك، فإن التاريخ الألماني يمنح اليهود اهتماما كبيرا.

وفي مسعى لإبداء الأسف من المحرقة التي أسفرت عن مقتل ستة ملايين من اليهود الأوروبيين خلال الحقبة النازية، يؤكد الساسة في ألمانيا على أن أمن إسرائيل وحماية حياة اليهود جزء أساسي من وجود ألمانيا الحالية وأن أمن إسرائيل “مصلحة وطنية عليا” لألمانيا.

وفي هذا السياق، تولي الحكومة اهتماما للجهود المبذولة لمكافحة الكراهية والعنف ضد جميع فئات المجتمع مع إيلاء أهمية خاصة للمجتمع اليهودي. وكانت الحكومة الألمانية قد وافقت مؤخرا على دفع مبلغ إضافي يبلغ 25 مليون يورو للناجين من المحرقة، ممن يعيشون في إسرائيل لمساعدتهم على التغلب على آثار هجمات حماس.

وفي السياق ذاته، قال اليزيدي، الذي ينخرط في جهود التوعية بين المسلمين واليهود في أوروبا وألمانيا: “نحن كمجتمع ومواطنين مسؤولين عن مكافحة معاداة السامية، لذا يجب علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لضمان عدم تكرار ذلك مرة أخرى. بيد أن الحل لا يجب أن يتضمن تشويه سمعة جماعة دينية أخرى والعمل على تهميشها وحرمانها من انتمائها”.

وفي أعقاب هجمات حماس، طرحت الحكومة الألمانية والمعارضة مقترحات لمضاعفة جهود مكافحة معاداة السامية مع التركيز بشكل خاص على مواجهة ما يُعرف بمعاداة السامية “المستوردة”.

وفي هذا السياق، خرج نائب المستشار الألماني وزير الاقتصاد، روبرت هابيك، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ليؤكد على ضرورة أن “تنأى المجتمعات المسلمة في ألمانيا بأنفسها عن معاداة السامية لكي لا تقوض حقها هي نفسها في التسامح”.

من جانبه، وصف اليزيدي تصريحات هابيك بأنها تأتي في إطار ما اعتبره “تضليلا سياسيا”، مضيفا “من الصفاقة أن دولة مسؤولة عن المحرقة تتحدث عن معاداة السامية المستوردة”.

ولم يتسن لـDW الحصول على تعليق من المجلس المركزي لليهود في ألمانيا. ويُشار إلى أن تعزيز الحوار مع كافة أطياف المجتمع يعد جزءا من مهمة المجلس لتعزيز الحياة اليهودية في ألمانيا. وقد جرى إطلاق مبادرة (Schalom Aleikum) أو “السلام عليكم” عام 2022 بهدف البحث حول “حقائق بشأن واقع حياة المسيحيين واليهود والمسلمين في ألمانيا مع إتاحة هذه المعلومات للجميع”.

وفي نهاية العام الماضي، نشرت المبادرة “توصيات لإزالة الحواجز التي تعيق الحوار اليهودي الإسلامي” عقب هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، فيما أثارت المبادرة قضية رئيسية تمثلت في ضرورة أن تتضمن المناقشات العنف بين إسرائيل والفلسطينيين؛ بهدف تفادي تداعيات ذلك على المصداقية.

وقال يوزيف شوستر، رئيس المجلس المركزي لليهود: “أنا سعيد لأن مبادرة شالوم عليكم تمكنت من الحفاظ على رباطة الجأش رغم حالة الحرب والأزمة”.

ويقول مراقبون إنه من الصعب تقييم مستوى العلاقات بين اليهود والمسلمين في ألمانيا؛ إذ إن كلا من المجلس المركزي للمسلمين بألمانيا والمجلس المركزي لليهود في ألمانيا ليسا سوى منظمتين من منظمات إسلامية ويهودية عديدة تتواجد في ألمانيا.

ويتزامن هذا مع تسليط تقارير حكومية وغير حكومية الضوء على أن اليهود والمسلمين يواجهون تهديدا مشتركا مصدره المتطرفون اليمينيون.

ففي تقريرها السنوي لعام 2022، وثقت الرابطة الاتحادية لمراكز البحوث والمعلومات المتعلقة بمعاداة السامية، نسبة واحد في المائة من حوادث معاداة السامية ذات ارتباط بالمسلمين.

وقالت الرابطة إن هذه النسبة ارتفعت إلى 6% في الشهر الذي أعقب هجمات السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، فيما تزامن هذا مع ارتفاع الحوادث المعادية للمسلمين.

وقال الناطق باسم الرابطة إن “هذه الأرقام لا تقدم حتى الآن أي معلومات عن مسار عام 2023 بشكل مفصل”.

وتتبع الرابطة التعريف الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة والحكومة بشأن معاداة السامية، الذي ينطوي تحت طياته اعتبار العديد من أشكال الانتقاد لإسرائيل معادية للسامية.

وفي مقابلة مع DW، قال المفوض الألماني لشؤون معاداة السامية فيليكس كلاين إن أي “شكل من أشكال معاداة السامية يمثل خطورة، بغض النظر عن المصدر الأيديولوجي. هذا يعد تعبيرا عن موقف مناهض للديمقراطية ويعارض الانجازات التي حققها مجتمعنا الليبرالي الحديث”.

وفيما يتعلق بمواجهة الحوادث المعادية للمسلمين، فإنها تدخل في نطاق مهام مفوض مكافحة العنصرية في ألمانيا وهو المنصب الذي قامت الحكومة باستحداثه مطلع 2022.

ويقول مراقبون للشأن الداخلي إن اهتمام الدولة بالأقليات الأخرى التي تعيش في ألمانيا يصب في صالح تعزيز التماسك الاجتماعي في البلاد.

وفي مقابلة مع DW، قال فولفغانغ بنز، الرئيس السابق “لمركز أبحاث معاداة السامية” في جامعة برلين التقنية: “حاولت دائما توسيع النطاق ليشمل البحث في كافة أشكال التحيز بشكل عام وذلك بهدف سياسي يتمثل في جعل الأغلبية تدرك أنه لا يمكن التسامح مع تحريض أقلية ضد أخرى”.

وتشير الأبحاث التي قام بها بنز في كثير من الأحيان إلى أن المشاعر المعادية لليهود تعد تشخيصا للعنف والتمييز، مضيفا أن التركيز في المقام الأول على قضية معاداة السامية قد يلبي القواعد السياسية في ألمانيا، لكنه ربما يغفل قضية أكبر. وقال: “تعلمنا درسا من المحرقة بأنها لا ترتبط فقط بعدم الترحيب باليهود، لكنها أيضا ترتبط باعترافنا بأنه لا ينبغي السماح بأي شكل من أشكال التمييز أو الاضطهاد ضد أي أقلية – بغض النظر عن ماهيتها. وهذا بالضبط ما يفتقده الوعي الألماني”. (DW)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها