دويتشه فيله : طريق ميرتس إلى منصب مستشار ألمانيا ليست معبدة بالورود !

 

يسعى فريدريش ميرتس، رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ (CDU) زعيم المعارضة في ألمانيا، إلى إعادة توجيه مسار حزبه منذ عام 2022 عقب انتخابه رئيسا للحزب وزعيما للمجموعة البرلمانية التي تضم الحزب وشقيقه البافاري الحزب المسيحي الاجتماعي داخل البوندستاغ (البرلمان الألماني).

وتتضمن مساعي ميرتس لتحقيق هذا المسار بإبعاد الحزب عن المواقف التي تنتمي إلى تيار الوسط الليبرالي التي دافعت عنها المستشارة السابقة أنغيلا ميركل. وتتسم العلاقة بين ميرتس وميركل منذ عقود بتقلبات وبخيبة الأمل وغضب بالنسبة لميرتس مما تسبب في جفاء بينهما وقرر ميرتس ترك العمل السياسي عام 2009 والتركيز على مجال الأعمال.

وخلال مؤتمر الحزب الذي انعقد بداية الأسبوع الحالي في برلين، جرى اعتماد برنامج جديد يهدف إلى تحسين صورة الحزب المحافظ. وقال ميرتس، السياسي البالغ من العمر 68 عاما، في كلمته “مع هذا البرنامج، نحن مستعدون لتحمل مسؤولية حكم ألمانيا اليوم أو بحلول الخريف على أبعد تقدير”.

ويتألف البرنامج من 75 صفحة حيث يجيب عن تساؤلات أهمها: “من نحن؟ وأين نقف؟ وماذا نريد؟” وذلك بحسب رؤى الحزب المحافظ. وتوضح الوثيقة مواقف الحزب حيال كافة القضايا السياسية الرئيسية خاصة ما يتعلق بوضع المسلمين واللاجئين. وقالت الوثيقة إن “المسلمين الذين يشاركوننا قيمنا ينتمون إلى ألمانيا وهم جزء من التنوع الديني في ألمانيا. المسلمون الذين لا يشاركونا قيمنا ويرفضون مجتمعنا الليبرالي لا ينتمون إلى ألمانيا”.

ودعا ميرتس إلى اليقظة في التعامل مع “الإسلامويين” واليمين المتطرف، قائلا: “يجب علينا اليوم الاتفاق مع من يقول إنه جرى الاستهانة بمشكلة التطرف اليميني في ألمانيا لسنوات. يتعين علينا أن نكون أكثر حذرا حتى لا نقع في نفس أخطاء الماضي عندما يتعلق الأمر بالمحرضين:الإسلام السياسي، الذين يهددوننا علانية ومن هم ليسوا على استعداد لقبول قواعد بلادنا والتعايش السلمي في ألمانيا”.

وفيما يتعلق بالهجرة، يدعو حزب المسيحي الديمقراطي إلى تبني التزام “غير مشروط” بما يُعرف بـ “الثقافة الألمانية الرائدة(الموجهة)” في عودة لمصطلح يعود إلى حقبة تسعينيات القرن العشرين يراه كثيرون باعتباره دعوة للاندماج.

ويريد الحزب أن يدخل في نطاق هذا المصطلح فهم الالتزام بالدستور وبمجموعة مشتركة من القيم بما يشمل “الشعور المشترك بالوطن والانتماء والتقدير للتقاليد والعادات والثقافة واللغة الألمانية”.

وفي مقابلة مع ميكايلا كوفنر، كبيرة مراسلي مؤسسة DW، قال ميرتس “نرحب بالأشخاص الذين يندمجون بالفعل (في مجتمعنا) ويرغبون في تلبية جميع المتطلبات التي نواجهها هنا في هذا البلد، قانونيا وثقافيا، لكن أولئك الذين – على سبيل المثال – يطالبون بدولة الشريعة أو الخلافة..فليس لهم مكان في ألمانيا”.

وفيما يتعلق بملف اللجوء، يدعو الحزب إلى تشديد القواعد بشكل كبير إذ تنص وثيقة برنامجه الجديد على أنه “يجب نقل كل من يتقدم بطلب اللجوء في أوروبا إلى دولة آمنة خارج الاتحاد الأوروبي حيث يمكن معالجة طلباتهم.”

وتشير الوثيقة إلى ضرورة إبرام اتفاقيات مع هذه “الدول الآمنة” حتى يمكن توزيع من يتم قبول طلبات لجوئهم على دول الاتحاد. وفي هذا الصدد، تقدم ممثلو الكنائس بمقترح يدعو إلى منح طالبي اللجوء المعترف بهم الحق في البقاء في ألمانيا، بيد أن المقترح لم يحظ بموافقة الأغلبية خلال مؤتمر الحزب في برلين.

ودعا الحزب أيضا إلى العودة التدريجية للخدمة العسكرية الإجبارية التي جرى وقف سريانها منذ عام 2011، لكن ينص على أن من يرفض أداء الخدمة العسكرية يجب أن يُسمح له بإكمال سنة الخدمة الإجبارية في مؤسسة اجتماعية.

وفيما يتعلق بموضوع الرعاية الاجتماعية، يدعو الحزب إلى تقديم المزيد من الحوافز إذ ينص على أن “الشخص الذي يرفض العمل أو التدريب يجب أن يكون وضعه المالي أسوأ بشكل ملحوظ مقارنة بالشخص الذي يبحث بعزم عن فرصة عمل”.

استغرق خروج الحزب بوثيقة برنامجه الجديد أكثر من عامين فيما قال ميرتس في المؤتمر إن “خسارة الانتخابات الفيدرالية كانت مؤلمة”، في إشارة إلى هزيمة الحزب عام 2021. بيد أنه قال إن “التواجد على مقعد المعارضة منحنا أيضا الوقت الذي كنا في حاجة إليه من أجل إعادة تجميع صفوفنا كحزب”.

ورغم جهوده الحثيثة، إلا أن ميرتس لم ينل بعد ما يصبو إليه ألا هو ترشيح الحزب له لمنصب المستشارية خلال الانتخابات المقبلة عام 2025. وتقضي الخطة الانتظار إلى ما بعد الانتخابات المحلية في ولايات شرق ألمانيا – ساكسونيا وتورينغن وبراندنبورغ – هذا الخريف.

وعقب إعلان نتائج انتخابات الولايات الثلاثة، سوف يعلن الحزب المسيحي الديمقراطي وشقيقه البافاري عن مرشحهما لمنصب المستشارية، لكن يبدو أن ميرتس شديد العزم على نيل الترشيح رغم أنه يواجه منافسة من قبل ماركوس زودر، رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي ورئيس وزراء ولاية بافاريا، وايضا هندريك فوست، رئيس حكومة ولاية شمال الراين-فيستفاليا الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن كلا من زودر وفوست يتمتعان بشعبية أكبر من ميرتس ما يعني أن طريقه لنيل ترشيح الحزب لمنصب الاستشارية لن يكون معبدا بالورود.

ولم يشغل ميرتس أي منصب حكومي طوال مسيرته السياسية، لكن العرف السائد يشير إلى أن رئيس حزب المسيحي الديمقراطي يكون المرشح الأوفر حظا لمنصب المستشارية كما صرح بذلك زودر خلال مؤتمر الحزب قبل أيام.

وفي إطار العمل السياسي داخل البلاد، يعد حزب المسيحي الديمقراطي أقوى حزب بحصوله على أكثر من 30 بالمئة بحسب استطلاعات الرأي، لكن من أجل عودته إلى الحكم، فإن الحزب المحافظ في حاجة ماسة إلى إيجاد شريك أو أكثر.

واستبعد ميرتس أي تعاون مع الأحزاب السياسية التي تنتمي إلى طيف أقصى اليسار واليمين المتطرف ما يعني أن خياراته ستكون ضئيلة في ولايات شرق ألمانيا.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب المسيحي الديمقراطي في ترتيب متأخر عن حزب “البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي اليميني في ولايات الشرق: تورينغ وبراندنبورغ فيما ينخرط الحزبان في منافسة شديدة في ولاية ساكسونيا.

وكان ميرتس قد تعهد في السابق بالعمل على خفض نسبة التأييد لحزب البديل إلى النصف، بيد أن العكس ما تحقق ما دفعه إلى القول بأن مهمة الحزب تتمثل في محاربة حزب البديل، والتأكيد على أنه يرفض التعاون معه. (DW)

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها