” أشتاق إلى أمي و موطني ” .. حكاية مهاجر يئس الهروب من مراكز احتجاز البؤس في إيطاليا ( فيديو )

 

كان الظلام والهدوء لا يزالان يخيمان على المكان، عندما أدى عثمان سيلا صلاته الأخيرة في فناء سجن المهاجرين الإيطالي… ثم تبدد صمت الفجر، وسيطرت الفوضى على مركز الاحتجاز والترحيل في بونتي غاليريا في ضواحي روما. كان الشاب الغيني البالغ من العمر 21 عاماً قد عُثر عليه ميتاً، فيما بدا أنه انتحار.

صرخ زملاء عثمان سيلا المحتجزون الذين اكتشفوا جثته طالبين المساعدة، وحاولوا بشكل محموم إنعاشه، وعندما وصل المسعفون أخيراً، كان سيلا قد فارق الحياة.

أشعل المهاجرون الغاضبون من وفاته النار في المراتب وكسروا الأبواب، ورشقوا قوات الأمن بالحجارة داخل السجن، وأدت أعمال الشغب إلى اعتقال 13 شخصًا.

سلّطت وفاة سيلا في فبراير/شباط الضوء على الظروف المزرية داخل هذه السجون الفعلية للمهاجرين، مما أثار تساؤلات حول سياسة إيطاليا في مجال الهجرة، في الوقت الذي تعهدت فيه حكومتها بقيادة رئيسة الوزراء اليمينية المتطرفة جيورجيا ميلوني، ببناء المزيد من هذه المنشآت في جميع أنحاء البلاد، وكذلك في الخارج.

تم إنشاء مراكز الاحتجاز والترحيل في عام 1999، وقد وصفها المحامون والنشطاء بأنها ”ثقوب سوداء لحقوق الإنسان“. وتقول الحكومة الإيطالية إنها ضرورية لردع المهاجرين مثل سيلا، من عبور البحر الأبيض المتوسط على متن قوارب المهربين.

وبدأت رحلة سيلا من دولة غينيا في غرب أفريقيا إلى إيطاليا في عام 2022، وهو واحد من سبعة أطفال، وقد ترك المدرسة أثناء جائحة كوفيد-19. تعلّم الأعمال الحجرية لكن شغفه الحقيقي كان الغناء. نشر سيلا مقاطع فيديو لنفسه على تطبيق “تيك توك”، وهو يغني ويشير بيديه مثل مغني الراب.

للوصول إلى أوروبا، عبر سيلا الصحراء الكبرى عبر مالي والجزائر وتونس، وشق طريقه إلى الساحل التونسي، حيث ينقل المهربون آلاف المهاجرين من شمال إفريقيا إلى أوروبا على متن قوارب متهالكة.

يُعرف هذا الطريق في وسط البحر الأبيض المتوسط بأنه أحد أكثر معابر الهجرة دموية في العالم؛ فقد لقي أكثر من 2500 شخص حتفهم أو فُقدوا في العام الماضي وحده، بعد أن أوشك سيلا على الغرق في البحر الأبيض المتوسط، وصل أخيراً إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية في 29 تموز/يوليو 2023.

كان سيلا يحاول الانضمام إلى شقيقه الأكبر الذي يعيش في فرنسا، ولكن عندما وصل إلى بلدة فينتيميليا الحدودية في 9 آب/أغسطس 2023، رفضته السلطات الفرنسية.

بعد أن كذب بشأن عمره على أمل أن يزيد ذلك من فرصته في الحصول على الإقامة، أُرسل سيلا جنوبًا إلى مركز للمهاجرين القاصرين في بلدة كاسينو.

لكن المكان كان عنيفاً ومختلاً، حسبما قال شقيقه وشهود عيان لوكالة أسوشيتد برس. خلال الفترة التي قضاها في كاسينو، أخبرهم سيلا أنه تعرض للضرب المتكرر من قبل مهاجرين آخرين.

ووفقًا لشهود عيان يعملون في المركز، كانت المنشأة تفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل الملابس المناسبة والدعم النفسي والمترجمين، كما كانت توصيلات الطعام ونقود الجيب وبطاقات بيانات الهاتف المحمول نادرة.

في 13 تشرين الأول/أكتوبر، تلقى سيلا أمرًا بطرده من البلاد، وبعد يوم واحد، تم نقله إلى مركز احتجاز وترحيل في تراباني، وهو أول سجن من سجنين للمهاجرين، حيث سيقضي الأشهر الأربعة الأخيرة من حياته، وفقًا لداريو أستا، المحامي الذي ساعد سيلا.

قال جيوسيبي كارادونا، وهو محامٍ آخر حاول مساعدة سيلا، إنه تدخل عندما أشار طبيب نفسي لأول مرة إلى مشاكله النفسية.

أبلغ كارادونا السلطات المحلية في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، أن حالة سيلا النفسية والجسدية جعلته لا يتحمل الاحتجاز، وطلب نقله إلى منشأة متخصصة.

لكن طلب النقل رُفض، وفي 5 كانون الثاني/يناير أمر القاضي باحتجازه لمدة ثلاثة أشهر أخرى، وقال أحد زملائه المحتجزين المهاجرين من غينيا بيساو إن سيلا كان يوميا يتناول دواءً، يقدمه طبيب في منشأة تراباني.

وفي أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، عندما اندلعت أعمال شغب في المركز، مما أدى إلى احتراق معظمه، نُقل سيلا وزميله إلى مركز احتجاز بونتي غاليريا بالقرب من روما.

وبينما كان سيلا يستقل الحافلة التي ستنقله، سلّمه أحد الأطباء ملف قضيته، وحثه على إطلاع العاملين في المركز الجديد عليه حتى يتمكن من الحصول على الرعاية المناسبة.

ولكن لا يوجد أي دليل على أن الملف لم يطلع عليه أي مختص في مركز الاحتجاز في روما، ولم يطلع الطبيب النفسي في المركز على سيلا، الذ كانت عبارته “أحن إلى أمي وبلدي الإفريقي”تصدح في الآذان. لم يعلق المركز، الذي تديره شركة دولية للاحتجاز والاستقبال على معاملة سيلا، وبعد أربعة أيام، انتحر الشاب.

يوجد في إيطاليا حالياً 10 سجون للمهاجرين من هذا النوع في جميع أنحاء البلاد، تتسع لاحتجاز 700 أجنبي رهن الاحتجاز الإداري في أي وقت من الأوقات، اثنان منها، بما في ذلك سجن تراباني، مغلقان للتحديث.

من الناحية النظرية، فإن الهدف من هذه المراكز هو الترحيل، ولكن وفقًا لبيانات وزارة الداخلية، فإن 52% فقط من المهاجرين في مراكز الاحتجاز يتم ترحيلهم بنجاح.

أما الباقون فيتم إطلاق سراحهم في نهاية المطاف بأمر طرد ذاتي، غير قادرين على العمل أو تسوية أوضاعهم. ويقع العديد منهم فريسة للعمل في سوق العمل السوداء، أو يصبحون فريسة للجماعات الإجرامية.

وقد نددت الجماعات الحقوقية ومحامو حقوق الإنسان لسنوات بالظروف المزرية داخل سجون المهاجرين ووثقوها، بما في ذلك عدم وجود خدمات صحية كافية، والإفراط في وصف الأدوية النفسية لإبقاء المحتجزين تحت تأثير المخدرات، ومحدودية وصول المحامين وأقاربهم إليهم.

في الفترة من 2019 إلى 2024، توفي 13 شخصًا – خمسة منهم انتحارًا – داخل مراكز الاحتجاز الإيطالية، والتي سجلت أيضًا مئات محاولات الانتحار وحوادث إيذاء النفس.

ويلقي أقارب سيلا باللوم على الحكومة الإيطالية في وفاته. ”كان من حقه على الأقل الاتصال بعائلته وإبلاغها. سأناضل من أجل أخي”، قالت مارياما سيلا، شقيقة عثمان، لوكالة أسوشيتد برس بعد وقت قصير من دفنه في كوناكري. (euronews)

 [ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها