دويتشه فيله : بعد جريمة مانهايم .. نقاش حاد بشأن الترحيل لأفغانستان و سوريا
منذ جريمة مانهايم ومقتل شرطي هناك، تشهد ألمانيا مجددا نقاشات حادة حول عمليات ترحيل إلى أفغانستان وسوريا تطال مرتكبي الجرائم ومن يشكلون مصدر تهديد، فهل تُقدم الحكومة الألمانية على هذه الخطوة بالفعل؟
الصدمة التي تسبب فيها الهجوم الدموي، الذي وقع في مانهايم الجمعة الماضية، لا تزال حاضرة في البرلمان الألماني بعد مرور أسبوع على على الجريمة. وما يزال الذهول والغضب يلقيان بظلالهما على خطابات النواب أثناء تناول جدول الأعمال الذي جاءت نقطته الأولى تحت عنوان: “بيان الحكومة حول الوضع الأمني الحالي”.
لكن الملحوظ بالفعل هو مدى عجز السياسة في مواجهة مثل هذه الأعمال العنيفة: رجل يبلغ من العمر 25 عامًا من أصل أفغاني، متزوج من ألمانية، وهو رب أسرة، كان قبل الحادث ورقة بيضاء بالنسبة للشرطة، طعن بسكين خمسة أشخاص مشاركين في تظاهرة تنتقد الإسلام، بالإضافة إلى الشرطي روفن إل، وقد أصيب الشرطي البالغ من العمر 29 عامًا بجروح خطيرة فارق على إثرها الحياة في وقت لاحق.
تتزايد حدة العنف في الأماكن العامة وفي الفعاليات وضد السياسيين أيضا في ألمانيا على نحو مستمر. ويدرك المستشار أولاف شولتس من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) أن من واجب الحكومة القيام برد فعل ويقول: “اسمحوا لي أن أقول بوضوح: يثير غضبي أن يرتكب أحدهم أخطر جرائم بعد أن بحث عن الحماية هنا لدينا. يجب ترحيل هؤلاء المجرمين – حتى لو كانوا من سوريا أو أفغانستان. لا مكان هنا للمجرمين الخطرين وأصحاب التهديد الإرهابي”.
لكن شولتس أشار أيضًا إلى أن 20 مليون شخص في ألمانيا، ممن لديهم تاريخ من الهجرة، أصيبوا أيضًا بالصدمة من المأساة التي وقعت في مانهايم. وعندما تحدث المستشار عن عمليات ترحيل، جرت مقاطعته بتعليقات جانبية، وهتف أحد أعضاء البرلمان غاضبا: “كان يجب ألا يكونوا هنا جميعا منذ فترة طويلة جدًا”.
ولكن على الرغم من وضوح كلمات المستشار، فإنه بالنسبة للحكومة الألمانية، التي تتألف من الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر والليبراليين، يظل هذا النقاش الانفعالي مسألة حساسة. فمرة أخرى، يظهر اختلاف وجهات النظر للأحزاب الثلاثة بشكل واضح فيما يتعلق بموضوع الترحيل. فقد أوضحت وزيرة الداخلية نانسي فيزر (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي) أنها تستطيع بالتأكيد تصور عمليات ترحيل إلى أفغانستان، على الرغم من توقف عمليات الترحيل منذ تولي حركة طالبان الإسلاموية الراديكالية السلطة في أغسطس/ آب 2021. وقالت فيزر: “لقد أعطيت منذ عدة أشهر أوامر من أجل إجراء فحص مكثف للتحقق من إمكانية ترحيل مجرمين خطرين ومهددين للأمن إلى أفغانستان مرة أخرى. الأمر ليس بالهين فيما يتعلق بعملية التسليم الفعلية. وبالنسبة لي، فإنه أمر واضح أن الأشخاص الذين يشكلون خطرًا محتملًا على أمن ألمانيا يجب ترحيلهم بسرعة”.
غير أن عمليات الترحيل ليست سهلة التنفيذ، بهذا المعنى، قصدت فيزر أن ألمانيا لا تقوم بترحيل الأشخاص إلى مناطق الحروب، وأن الترحيل إلى أفغانستان لا يكون ممكنًا إلا إذا أبرمت ألمانيا مع حركة طالبان اتفاقية مماثلة. ولكن الجمهورية الاتحادية لا تعترف بالنظام في كابول. وحتى مرتكبي الجرائم لا يتم ترحيلهم حاليًا إلى سوريا أيضا، حيث تدور هناك حرب أهلية منذ عام 2011.
يعرف وزير داخلية ولاية شمال الراين وستفاليا هربرت رويل، من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU) حقيقة الأمر، لكنه يعتقد أيضا أن الساسة على المستوى الاتحادي ومستوى الولايات بحاجة إلى التفكير مرة أخرى.
الوزير كان يجلس يوم الثلاثاء بجوار نانسي فيزر، وكان كلاهما في الواقع يريد التحدث عن الإجراءات الأمنية خلال بطولة أوروبا لكرة القدم (يورو 2024)، فإذا به هو أيضًا يتحدث عن موضوع الترحيل إلى أفغانستان. ويقول: “إذا كان صحيحاً أن الأمن يأتي قبل الحق في البقاء، فعلينا أن ننظر بعناية أكبر إلى ما يصلح وما لا يصلح. وإذا كان بإمكان الأشخاص السفر إلى هذه المناطق للتعافي لبعض الوقت من إقامتهم في ألمانيا، فيمكن أيضًا إرسال الأشخاص الذين يتصرفون هنا بشكل سيء إلى هناك، لأنه لا يبدو أن الأمر خطير هناك”.
هذا ما يعتقده أيضًا رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرتس، زعيم المعارضة في البرلمان الألماني الذي قال: “يجب علينا ترحيل طالبي اللجوء الذين ينبغي إجبارهم على مغادرة البلاد أيضًا إلى أفغانستان وسوريا”.
وبالنسبة لحزب الخضر، الشريك الحكومي، هناك عقبات كبيرة قبل عمليات الترحيل المحتملة. حيث حذر رئيس حزب الخضر، أوميد نوريبور، من إبرام اتفاق مع حركة طالبان. وقال في لقاء على قناة “إذاعة وسط ألمانيا” (MDR) أن طالبان هم إسلامويون من العصر الحجري وسيطلبون بالتأكيد مقابلا لأي اتفاق، وأوضح: “إذا قدمنا الأموال للإسلامويين، فإنهم قد يستخدمونها لبناء شبكات. وهذا أيضًا ليس إسهاما في تحقيق أمننا”.
في الواقع، يفشل ترحيل المجرمين في كثير من الأحيان بسبب عدم وجود اتفاقيات مع بلدانهم الأصلية. فألمانيا تقوم بالترحيل فقط إلى الدول التي تُعتبر “بلداناً آمنة” مثل دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى دول البلقان والسنغال وغانا، ومنذ ديسمبر الماضي جورجيا ومولدوفا أيضًا. ومؤخرا كان هناك حوالي 280 ألف شخص ملزمين بمغادرة ألمانيا، نصفهم من طالبي اللجوء المرفوضين. ومع ذلك، لا يمكن ترحيل حوالي 80 في المائة منهم ويحصلون على ما يسمى بـ “دولدونغ” (Duldung) وتعني “تعليق الترحيل” وذلك لعدم حيازتهم جوازات سفر سارية.
ومع ذلك، فإن منظمات، مثل منظمة العفو الدولية، تحذر من وضع جميع الأشخاص القادمين من أفغانستان تحت الشبهة دون تمييز. وقالت صوفي شايت، الخبيرة في سياسة اللجوء بمنظمة العفو الدولية لمحطة الراديو الألمانية “آينز” (Eins): “يجب عدم استغلال هذا الحزن سياسياً للتحريض العنصري ضد الأشخاص الذين لا يحملون الجنسية الألمانية”.
وحذر مجلس اللاجئين في برلين في بيان صحفي من أن ترحيل مرتكبي الجرائم إلى مناطق الحرب يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان الأساسية ويعني أيضًا عقوبة مزدوجة، وهو أمر غير قانوني في ألمانيا، بحسب البيان.
ومنذ ذلك الحين، لم تهدأ مانهايم، حيث أصيب هاينريش كوخ، مرشح حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) للانتخابات المحلية، مساء الثلاثاء الماضي، في هجوم بسكين أثناء مطاردته لرجل قام بسرقة ملصق انتخابي. وتم إيداع الجاني في مستشفى للأمراض النفسية. (DW)[ads3]