تقرير : عمليات صد المهاجرين مستمرة من بلغاريا إلى تركيا
وسط الهدوء الذي يسود شوارع مدينة “سفيلينغراد” الصغيرة القريبة من الحدود مع تركيا، تمر سيارة شرطة أمام محل الصرافة الوحيد في المدينة مستوقفة أربعة شبان مغاربة، ليطلب الشرطي الجالس في السيارة من الشبان إبراز أوراقهم، فيفعلوا ذلك دون خوف حيث إنهم مسجلين لدى شرطة الحدود، ويتنقلون بشكل قانوني. هؤلاء المغاربة الذين يتجولون منذ الصباح في المدينة دخلوا للتو إلى الأراضي البلغارية قاطعين الحدود مع تركيا.
بالنسبة للمغاربة، الوصول إلى تركيا لا يتحاج إلى تأشيرة، بالتالي التنقل إليها سهل ونظامي عبر الجو، إلا أن الدخول إلى بلغاريا، وبالتالي إلى أوروبا، ليس بالأمر السهل. وفي الأشهر الأخيرة، قام المغاربة الأربعة بمحاولات عديدة لعبور الحدود. يقول أمين*، 24 عاما، وهو أنحف وأصغر حجماً من الثلاثة الآخرين، إنه تم رفض طلبه خمس مرات. أما الآخرون، الذين تتراوح أعمارهم بين 22 و30 عاما، فقد تعرضوا أحيانا لثلاث عمليات صد (عمليات صد ساخنة غير قانونية).
خلال عمليات الإعادة والصد هذه، “في كل مرة، كانت الشرطة تأخذ هواتفنا وممتلكاتنا وأموالنا”، يقول أمين*. ويقلد صديقه بجانبه سلوك الشرطة تجاههم وينفخ في صدره ويقول: “الشرطة تقول: تعال! اعط هاتفك!”.
ويشرح أمين قائلا “لقد أخذوا أيضا ملابسنا”. ويضيف آخر “وأحذيتنا”. وقد وثقت التحقيقات الصحفية وتقارير المنظمات غير الحكومية هذه الممارسات المهينة والعنيفة، فضلا عن وجود مراكز احتجاز غير قانونية، خاصة خلال عامي 2022 و2023.
وفي بعض الأحيان، يتم تسليط كلاب حرس الحدود عند محاولات الدخول إلى بلغاريا. “الكلاب… وقعت مشاكل كثيرة بخصوص الكلاب”، حسبما يقول أمين. يمرر يده على ساقه ليبين مكان عضة كلب. ويذكر أنه كان إلى جانب شخصين تعرضا للعض أيضا، وعندما تمت إعادتهما إلى تركيا، “تم نقلهما إلى مستشفى تركي. وبعد ذلك، أُعيدا إلى المغرب”.
ويؤكد أمين أنه قبل تسليط الكلاب “أطلق عناصر النار في الهواء وهم يصرخون ‘توقفوا! قف! نعم ! اجلس!‘”، ويقول إنه أطاع وجثم. ثم قال “أنا، توقفت”، ثم كرر وهو ينحني ويضع يديه على رأسه في محاولة لإثبات كلامه بأنه يتوقف “أنا توقفت، إلا أن الكلاب جاءت نحونا…”
كما يقول عثمان، سوري يبلغ من العمر 25 عاما التقيناه في مكان أبعد قليلا في مدينة هارمانلي، إنه عانى من نفس النوع من العنف. كان ذلك في عام 2023. حينها قام بست محاولات. ويقول إنه في كل مرة كانت تحدث سرقة أغراض شخصية. وفي أربع مناسبات أجبرنا الضباط على خلع ملابسنا”. ثم يتذكر واقعة “عنيفة جدا، فبينما كان كلب يعض أحد ساقي صديق له، أفراد من الشرطة كانوا يضحكون”.
اتصلنا بوزارة الداخلية البلغارية بعد هذه الشهادات، لكنها لم ترد بعد على أسئلتنا. إن مثل هذه القصص عن عمليات الإعادة والصد ليست نادرة. “فقبل بضعة أيام فقط، التقيت بشخص قام بما لا يقل عن 13 محاولة لعبور الحدود قبل الوصول إلى هنا” و”بعد ذلك مباشرة، أخبرني شخص آخر أنه قام بـ 15 محاولة”، حسبما يوضح حميد، المنسق في منظمة “Mission Wings”، من على شرفة أحد المقاهي في مدينة “هارمانلي” حيث يتواجد مقر المنظمة غير الحكومية الصغيرة، هذه المدينة التي تعد نقطة الانطلاق الأولى للمهاجرين القادمين من تركيا.
ومنذ نهاية آذار/مارس، ومع دخول بلغاريا إلى منطقة شنغن، تضاعف عدد أفراد قوات حرس الحدود الأوروبية “فرونتكس” ثلاث مرات في هذه المنطقة الواقعة على الحدود مع تركيا. ترى إليانا سافوفا، مديرة لجنة “هلسنكي” التي توثق الممارسات على الحدود البلغارية منذ سنوات، أن هذا الحضور لـ”فرونتكس” مفيد. وتؤكد قائلة “منذ انتشارهم في نهاية شهر آذار/مارس، انخفضت الممارسات العنيفة والمهينة التي رافقت عمليات الصد. لا يزال الحكم مبكرا بهذا الشأن، ولكن في غضون بضعة أشهر سنكون قادرين حقا على تقدير الوضع بناء على الإحصائيات”.
وفي تقريرها الأخير الصادر في نيسان/أبريل، سجلت وزارة الداخلية 10.041 حالة لمهاجرين “يعودون بمفردهم داخل دولة مجاورة” بعد إجراءات شرطة الحدود، بين بداية كانون الثاني/يناير ونهاية نيسان/أبريل 2024. وتوافقت منظمات غير حكومية بشأن هذا العدد من عمليات الإعادة للمهاجرين.
إذا نشرت وزارة الداخلية هذه الإحصائية الجديدة، فربما يكون ذلك بهدف تسليط الضوء على تراجع عمليات الإعادة: انخفضت الأرقام بنسبة 71٪ مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
وتقول إليانا سافوفا “كما نرى، لا تزال هناك عمليات صد، ولكن السبب هو أن القوات المختلطة من فرونتكس وحرس الحدود البلغاريين غير منتشرة في كل مكان”. وتضيف “بوجود فرونتكس، يتم القبض على الأشخاص عند دخولهم الأراضي البلغارية، ويتم وضعهم في مواقع تسجيل مخصصة، حيث لا يعود ممكنا إعادتهم منها. برأيي، يجب زيادة وجودهم لتغطية الحدود بأكملها”.
ومع ذلك، وفقا لتحقيق حديث أجرته شبكة التقارير الاستقصائية في البلقان (BIRN)، تم إبلاغ وكالة حرس الحدود الأوروبية بعمليات صد عنيفة من قبل الحرس البلغاريين لفترة طويلة، دون أن يتم وضع حد لأعمالهم. بالإضافة إلى ذلك، غالبا ما يتم إبعاد “فرونتكس” عن “النقاط الساخنة” حيث تحدث أسوأ الممارسات، كما أوضحت (BIRN) أيضا.
عند سؤاله عن هذا الأمر، لم يذكر المتحدث باسم “فرونتكس” تواريخ، لكنه أشار إلى أن قواته “تدرك تماما خطورة وحساسية مزاعم عمليات الإرجاع والصد وغيرها من الانتهاكات المحتملة للحقوق. وعندما يتم الإبلاغ عن مثل هذه المشكلات، تأخذ فرونتكس الأمر على محمل الجد. مسؤول الحقوق الأساسية لدينا قام بإعداد العديد من تقارير الحوادث الخطيرة حول الانتهاكات المزعومة التي ارتكبها أفراد قوات بلغاريون، وقدم عدة توصيات إلى السلطات البلغارية بناءً على النتائج التي توصل إليها”.
وبشكل عام، “تشمل عملياتنا عددا من الأدوات لحماية هذه الحقوق، مثل نشر مراقبي الحقوق الأساسية والتدريب الشامل لحرس الحدود وإنشاء أنظمة قوية للإبلاغ عن الحوادث”، حسبما يؤكد المتحدث باسم فرونتكس.
مع الغروب في “سفيلينغراد”، استقل الأصدقاء المغاربة الأربعة سيارة أجرة إلى صوفيا. يأمل معظمهم الوصول إلى فرنسا، فنجم مثلا لديه عائلة في باريس وليون وديجون، في حين أن أمين لا يعرف أحدا فيها، إلا أنه يتمنى أن يصل إلى باريس يوما ما ويزور “برج إيفيل”. (DW – infomigrants)
[ads3]