على خلاف ما هو شائع .. اندماج المهاجرين في ألمانيا يسجل نتائج جيدة
عند الاستماع إلى رأي الكثيرين في ألمانيا، فإن اندماج المهاجرين واللاجئين يعد من القضايا الشائكة إلى حد ما. لكن دراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، تظهر أن هذا الانطباع خاطئ. فرغم المشاكل العديدة، على سبيل المثال فيما يتعلق باستكمال التعليم، فإن أداء ألمانيا جيد من حيث الاندماج مقارنة بالعديد من الدول الأوروبية.
أجرى خبير الهجرة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، توماس ليبيغ، مقارنة للبيانات المتعلقة بالهجرة في ألمانيا مع تلك الواردة من دول مثل أستراليا وبلجيكا والدنمارك وفرنسا وإيطاليا والدول الإسكندنافية. وساعدت مجموعات البيانات الواردة من الاتحاد الأوروبي في تقديم نظرة أكثر شمولية. والنتيجة هي أن التركيز ينصب على طالبي اللجوء واللاجئين القادمين من أوكرانيا، على سبيل المثال، ولكن غالبية المهاجرين يأتون من دول الاتحاد الأوروبي.
ويوضح ليبيغ بأن “واحدا فقط من بين كل خمسة أشخاص هاجروا في السنوات العشر الأخيرة هو لاجئ. والأغلبية العظمى من المهاجرين إلى ألمانيا أتوا من دول الاتحاد الأوروبي”. ويظهر إلقاء نظرة على مشهد الهجرة في ألمانيا، أن ما يقرب من 60 بالمائة من القادمين من دول الاتحاد الأوروبي يأتون لسهولة الولوج إلى سوق العمل.
ووفق الدراسة، فإن المهاجرين في ألمانيا يشكلون منذ فترة طويلة جزءاً لا يتجزأ من المجتمع. وأيضا ريم العبالي-رادوفان، مفوضة الحكومة لشؤون الهجرة والاندماج ومؤخراً لمكافحة العنصرية، ترى الأمر بهذا الشكل. وقد أكدت السياسية من الحزب الاشتراكي الديمقراطي نتائج الدراسة بالقول: “لقد كنا دائما بلد هجرة وهذا ما جعلنا أقوياء. تاريخ الهجرة الألماني متنوع للغاية. فهو يتكون من أولئك الذين نزحوا بعد الحرب العالمية الثانية، من العمال الضيوف والعمال المتعاقدين، من العائدين واللاجئين القادمين من يوغوسلافيا السابقة، ولاحقاً أيضاً اللاجئين من سوريا وأفغانستان”.
إحدى السمات الرئيسية التي تحدد الاندماج الناجح، هي تَمكن المهاجرين من إيجاد طريقهم إلى سوق العمل في ألمانيا. وتظهر نتائج الدراسة أن 70 بالمائة من المهاجرين يعملون في ألمانيا. وهو رقم أعلى مما هو عليه في جميع دول الاتحاد الأوروبي تقريباً، كما أنه رقم قياسي لألمانيا نفسها، والذي عرف تراجعاً مؤقتا فقط بسبب جائحة كورونا.
ولكن لا يمكن غض الطرف عن العديد من المشاكل. إذ أن ما يقرب من ثلثي المهاجرين يتحدثون الألمانية بشكل جيد بعد خمس سنوات من وصولهم إلى البلاد. ولكن من بين المهاجرين الذين يعانون من نقص في التعليم أو لم يحصلوا على أي تعليم في بلدانهم الأصلية، فإن ربعهم فقط هم من يحققون مستوى لغوي جيد بعد خمس سنوات من وصولهم إلى ألمانيا.
وهنا يبلغ معدل التوظيف حوالي 50 بالمائة فقط، في حين أن نسبة المهاجرين الحاصلين على شهادة جامعية أقل في إيطاليا مما في ألمانيا. وفي هذا المجال على وجه الخصوص تسعى العبالي-رادوفان إلى بذل مزيد من الجهد: “النظام التعليمي لا يزال غير مأهل لاستيعاب الهجرة كما كان عليه منذ فترة طويلة. ولهذا السبب نحتاج إلى جهد مشترك”.
مشكلة أخرى تضاف إلى نقص التعليم وتتمثل في تدني معدل توظيف الشابات اللاتي لديهن طفل واحد على الأقل ويأتين إلى ألمانيا بمفردهن. وفي عام 2021، كان حوالي 40 في المائة فقط منهن ناشطات في سوق العمل. في حين بلغت النسبة بين النساء اللواتي ولدن في ألمانيا، حوالي 70 في المائة. ما يكشف عن وجود فجوة أكبر بكثير في ألمانيا مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى. هذه الفجوة أثرت مؤخراً بشكل واضح على الأمهات الشابات القادمات من أوكرانيا.
على الرغم من جميع المشاكل المذكورة، لا يزال النقاش محتدماً بين السياسيين حول ما إذا كانت ألمانيا بلد هجرة أم لا. ويقول توماس ليبيغ: “يوجد الآن في ألمانيا أكثر من 14 مليون مهاجر، وإذا أضفنا للعدد المهاجرين من الجيل الأول والثاني، فإن أكثر من واحد من كل خمسة أشخاص في ألمانيا إما ولد في الخارج أو ينحدر من أبوين مهاجرين”. وتبدي مفوضة الهجرة والاندماج، العبالي-رادوفان، رأياً مشابهاً وتقول “لقد أيدت أيضاً هذا التقرير لأننا نحتاج إلى قدر أكبر من الموضوعية في هذا النقاش المحتدم. الاندماج يسير بشكل أفضل بكثير مما هو شائع عنه في الدول الأخرى”.
بعد الولايات المتحدة، تعد ألمانيا ثاني أكبر بلد للهجرة من بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). وفي عام 2022 وحده، أُضيف مليون أوكراني آخر إلى عدد المهاجرين البالغ عددهم 14 مليون نسمة، بالإضافة إلى حوالي 600 ألف طالب لجوء. وبالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي، من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) والبالغ عددها 38 دولة، الولايات المتحدة الأمريكية والنرويج وتركيا والعديد من دول أمريكا اللاتينية. (DW)
[ads3]