دويتشه فيله : المافيا الهولندية تتمدد في ألمانيا والسلطات تدق ناقوس الخطر
تتزايد المخاوف من اندلاع حرب محتملة بين عصابات المافيا الهولندية والألمانية عقب إحباط صفقة مخدرات أسفرت عن خطف وتعذيب رجل وامرأة غرب ألمانيا في وقت سابق من هذا الشهر.
وتمكنت الشرطة الألمانية في كولونيا بولايةشمال الراين وستفاليا من تحرير رجل وسيدة فيما يُعتقد أنهما كانا ينتميان إلى إحدى عصابات الجريمة المنظمة في ألمانيا. وأدت العملية إلى اعتقال أربعة أشخاص ومداهمات طالت ستة منازل في المدينة أسفرت عن القبض على شخصين اثنين.
وشهدت الولاية أيضا خلال الأسابيع الماضية تفجيرات مرتبطة بمحاولات سرقة أموال من ماكينات الصراف الآلي فيما يشتبه بتورط جماعة “موكرو مافيا” الإجرامية في تنفيذ هذه الأعمال.
وتطلق وسائل الإعلام في ألمانيا وهولندا اسم “موكرو مافيا” على مجموعات الجريمة المنظمة التي نشأت في الأصل داخل الجالية المغربية – الهولندية في تسعينيات القرن الماضي. وتشتهر المافيا الهولندية بكونها واحدة من كبرى شبكات الجريمة المنظمة التي يقدر عددها بأكثر من 820 شبكة في أنحاء أوروبا وتضم 25 ألفا، بحسب بيانات وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في إنفاذ القانون (يوروبول).
ذاع صيت عصابة “موكرو مافيا” في السنوات الأخيرة لدرجة جعلتها موضوعا لمسلسل هولندي ناجح بات الآن في موسمه السادس وأصبح يُبث في ألمانيا. ورغم ذلك، فإن خبراء الجريمة والشرطة يتفقون على أن عصابة “موكرو مافيا” لم تعد ذات هوية عرقية واحدة.
وفي مقابلة مع DW، يقول ديرك بيغلو، رئيس رابطة المحققين الجنائيين الألمان، إن عصابة “موكرو مافيا” بدأت في “استيراد الحشيش إلى هولندا في التسعينيات، ثم توسعت أعمالها بعد ذلك ليشمل استيراد الكوكايين. لذا يمكن القول إننا نواجه عصابة يعود تأسيسها لعقود”.
ويقول خبراء الأمن إن عصابة “موكرو مافيا” تعد أكثر ميلا للعنف بشكل ملحوظ مقارنة بعصابات الجريمة المنظمة في ألمانيا. وتناقلت وسائل إعلام قصصا عن وجود غرف للتعذيب وعمليات قتل خارج الحانات وحتى وصل الأمر إلى مزاعم وجود مؤامرة لخطف وريثة العرش الهولندي، الأميرة أماليا ، البالغة من العمر 18 عاما. وأشار سيريل فيجنوت، أحد أبرز خبراء الجريمة في هولندا، إلى أن رجال “موكرو مافيا” يقتلون ما بين 10 إلى 20 شخصا سنويا.
وقال محمود جرابعة، الباحث المتخصص في قضايا الجريمة بـ “مركز إيرلانغن للإسلام والقانون في أوروبا”، إن “معدل العنف مرتفع للغاية في كل هذه العصابات، لكن داخل عصابة (موكرو مافيا)، فإن الاستعداد لارتكاب أعمال العنف أعلى”. وأضاف أن العصابات الإجرامية داخل ألمانيا لم يُعرف عنها من قبل التورط في أعمال تفجير طالت ماكينات الصرف الآلي.
بيد أن جرابعة أشار إلى تشابه عصابات الجريمة المنظمة في هولندا وألمانيا في السمات الهيكلية والنشاط الإجرامي، قائلا: “لا تختلف كثيرا عن (عصابات العشائر) العربية في ألمانيا حيث تنحدر العناصر الرئيسية من عائلة معينة، لكن هذه العصابات ليست مجموعات مغلقة؛ فلولا امتداد شبكاتهم داخل وخارج ألمانيا وهولندا، لم يكن بمقدورها الاستمرار طول هذه العقود”.
وفي عام 2021، هزت واقعة مقتل صحفي هولندي متخصص في تغطية الجرائم بعد إطلاق النار عليه، الرأي العام في البلاد. وأثارت جريمة مقتل الصحفي الاستقصائي بيتر دي فريس الغضب في هولندا حيث اعتبر العاهل الهولندي فيليم ألكسندر في حينه الهجوم “اعتداءً على الديمقراطية”.
جاءت واقعة مقتل فريس في إطار سلسلة جرائم ارتبطت بـ “محاكمة مارينغو” التي استمرت ست سنوات ودرات حول اتهام العديد من الأشخاص المعروفين في عالم الجريمة، بالتورط في ارتكاب جرائم قتل أو محاولة قتل. وكان من بينهم رضوان تاغي أحد أبرز وجوه المافيا في هولندا.
وفي فبراير/شباط الماضي، صدرت أحكام بالسجن لفترات طويلة على جميع المتهمين السبعة عشر، بما في ذلك الحكم بالسجن مدى الحياة على تاغي وثلاثة آخرين.
ولم يكن فريس الضحية الوحيدة لهذه الجرائم، بل قُتل المحامي ديرك فيرسوم في عام 2019، ثم شقيق نبيل ب.، وهو الشاهد الرئيسي للادعاء في قضية مارينغو في عام 2018.
ورغم عمليات القبض والإدانات القضائية، إلا أن خبراء يشيرون إلى تنامي قوة العصابات الإجرامية في ألمانيا. وفي حديثه إلى DW، قال ديرك بيغلو، رئيس رابطة المحققين الجنائيين الألمان، “لقد رصدنا في ولاية شمال الراين فستفاليا تزايد نشاط هذه المجموعة الإجرامية التي لم تعد تخفي وجهها الوحشي في أنشطتها الإجرامية بما في ذلك إصابة المارة الأبرياء أو حتى قتلهم”.
ورغم أن واقعة الخطف التي كانت مدينة كولونيا مسرحها تنذر بحدوث صرعات بين المجموعات الإجرامية الهولندية والألمانية، إلا أنه يبدو أن هذه الشبكات تتعاون حيث تستورد العصابات الألمانية الكوكايين والهيروين من العصابات الهولندية.
وفي تعليقه، قال محمود جرابعة، الباحث المتخصص في قضايا الجريمة، “إن أشكال التعاون بين الجماعات الإجرامية المختلفة بين ألمانيا وهولندا لا تزال قائمة حتى يومنا هذا”.
ولا يعرف خبراء الأمن بداية قدوم عناصر “موكرو مافيا” إلى ألمانيا أو حتى الجرائم التي تورطت بها في ألمانيا وهل كان الأمر مرتبطا بأوامر من عصابات هولندية. ومع ذلك، قالت الشرطة في ألمانيا وهولندا إنها تمكنت من جمع المزيد من المعلومات حول شبكات الجريمة المنظمة الدولية بعد رصد محادثات عبر تطبيقات الدردشة.
ورغم ذلك، حذر بيغلو من أن الحكومة الألمانية بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لدعم الشرطة لمنع انتشار عصابات الجريمة المنظمة الهولندية إلى ألمانيا. وقال “لا يمكننا في ألمانيا الانتظار حتى يتم إنشاء هياكل (إجرامية) مماثلة على غرار هولندا. علينا أن نعمل بشكل وثيق مع الشرطة الهولندية لمنع تكرار وقوع حوادث مثل تلك التي وقعت مؤخرا في شمال الراين فستفاليا لتصبح فيما ما بعد أمرا عاديا”.
من جهته، يرى جرابعة أن الشرطة الألمانية في حاجة إلى الدعم وإلا فإن فرص مواجهة هذه الكيانات الإجرامية سوف تكون ضئيلة. وفي ذلك، قال “لدينا إمكانيات قليلة للغاية لمكافحة هذه الظاهرة، (هذه العناصر الإجرامية) تأتي في معظم الحالات من هولندا وتمتلك طرقا للهروب وأشخاصا يتعاونون معها”. (DW)
[ads3]