ألمانيا تستدعي السفير الصيني لأول مرة منذ 35 عاماً لهذا السبب

 

في خطوة لم تقدم عليها برلين منذ 35 عاماً، استدعت وزارة الخارجية الألمانية السفير الصيني للشكوى من عملية قرصنة استهدفت مقراً حكومياً ألمانياً قبل 3 سنوات، تبين أنّ بكين تقف خلفها.

وقال متحدث باسم «الخارجية» الألمانية إن تحليلاً معمّقاً لعملية القرصنة التي استهدفت المكتب الحكومي، أكّد مسؤولية «جهات مرتبطة بالدولة» في الصين. وأضاف المتحدث الألماني أن برلين «تدين عملية القرصنة بأشد العبارات، وتدعو بكين إلى الكفّ عن أعمال كهذه في المستقبل». ويُوفّر المكتب التابع لوزارة الداخلية والواقع في مدينة فرنكفورت، بيانات جغرافية حول البنى التحتية الأساسية في ألمانيا مثل الطاقة والمياه والنقل.

وعلّقت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، على عملية القرصنة، بتأكيدها أن «الداخلية» اتخذت خطوات إضافية لزيادة الحماية لمراكزها بشكل كبير. وقالت إن عملية القرصنة «تظهر مدى خطورة عمليات القرصنة والتجسس الصينية» على ألمانيا.

ورغم أن ألمانيا ضبطت عدداً من الجواسيس الصينيين في السنوات الماضية، فإنها لم تستدعِ السفير الصيني في أي من الحالات. وكانت المرة الأخيرة التي استُدعي فيها السفير الصيني إلى «الخارجية» الألمانية في عام 1989 للاعتراض على أحداث ساحة تيانانمين، حين قمع الجيش مظاهرات طلابية بالقوة وقُتل وأصيب الآلاف.

وفي أبريل (نيسان) الماضي، اعتقلت السلطات الألمانية 3 جواسيس يعملون لمصلحة الصين، في دوسلدورف وباد هومبورغ، وكانوا يجمعون معلومات حول تكنولوجيا عسكرية من شركات ألمانية. وبعد ذلك بأيام، أوقف مساعد النائب الألماني في البرلمان الأوروبي ماكسيمليان كراه، الذي ينتمي إلى حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بعد اتّهامه بالتجسس لمصلحة الصين.

ودفعت هذه الاعتقالات السريعة والمتعاقبة بمكتب المخابرات الفيدرالية إلى تحذير الشركات الألمانية والسياسيين بضرورة «التيقظ» لعمليات تجسس صينية متزايدة. وتحدث نائب مكتب المخابرات، سينان سيلين، عن «مساعٍ متصاعدة» من الصين «للتأثير على السياسة والأعمال واستخدام العلوم لسرقة معلومات». ووصف مديري الشركات الألمانية بـ«السذج» في استخدام برامج لا تقدم حماية كافية ضد عمليات تجسس وقرصنة، خصوصاً في التعامل مع الصين.

وحذر نائب مكتب المخابرات بأن القيادة الصينية «في طريقها لتحقيق هدف طويل الأجل؛ متمثل في الهيمنة العالمية، وهي مهتمة للغاية بزيادة معرفتها في مجال الروبوتات والفضاء»، مشدّداً على ضرورة «تحديد المخاطر وتقليل التبعات، خصوصاً في التقنيات الرئيسية، واتخاذ تدابير أمنية قوية» لحماية التكنولوجيا الألمانية.

وتعدّ الصين أكبر شريك تجاري لألمانيا بحجم تجارة يزيد على 250 مليار يورو عام 2023، وفق أرقام رسمية، بزيادة تفوق 15 في المائة على التبادل التجاري في العام الذي سبق. وزار المستشار الألماني، أولاف شولتز، الصين مرتين منذ توليه منصبه، مصحوباً في المرتين بوفود كبيرة من رجال الأعمال الألمان. كانت المرة الأولى في عام 2022، والثانية في أبريل هذا العام قبيل القبض على الجواسيس.

وتسببت زيارته الأولى خصوصاً في كثير من الانتقادات جاء أقساها من داخل حكومته، ومن حزب «الخضر» تحديداً الذي يمسك بوزارة الخارجية. وانتقدت آنذاك وزيرة الخارجية الزيارة، وقالت إن على شولتز توجيه رسائل محددة للزعيم الصيني خلال اللقاء، ووصفت الصين بأنها «منافس» في كثير من المجالات، مشيرة إلى الاتفاق الحكومي الذي وقّع والذي يتضمن اعتماد سياسة أشد تجاه الصين.

وعملت «الخارجية» الألمانية على كتابة «استراتيجية جديدة للتعامل مع الصين»، دعت فيها إلى تقليص اعتماد الاقتصاد الألماني على الصيني، ووقف عدد كبير من اتفاقيات التعاون التي تمنح الصين أولوية في التجارة. ولكن المستشارية رفضت النسخة الأولى من الاستراتيجية وعدّتها غير مقبولة. واعتمدت في النهاية استراتيجية معدلة تعهدت فيها بتقليص اعتماد الشركات الألمانية على الصينية وتنويع التبادل التجاري بدلاً من ذلك.

ولكن زيارة شولتز الثانية إلى الصين لمحت إلى أن الاستراتيجية الجديدة قد لا تكون تطبق على الأرض، وأكدت استمرار اعتماد الشركات الألمانية بشكل كبير على تبادلها مع الشركات الصينية.

وتقول الحكومة إن تقليص الاعتماد على الصين سيأخذ وقتاً وإنه لا يمكن أن يتحقق بسرعة بسبب الأضرار الكبيرة التي قد تنجم عن ذلك. وقبل أسبوعين، أعلنت برلين أنها ستستبعد شركة «هواوي» عن شبكة «5جي» في ألمانيا، ولكنها قالت إن بدء العمل بذلك لن يكون قبل عام 2025. كما انتقد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ألمانيا بشكل كبير خلال عهده بسبب حجم تبادلها التجاري مع الصين، وسماحها لشركة «هواوي» ببناء شبكة «5جي» لديها، في وقت كانت فيه دول أوروبية أخرى تبتعد عن «هواوي» بسبب مخاوف أمنية وعمليات تجسس. (aawsat)

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها