مؤرخ تركي في مخيم لاجئين يطالب بترحيل السوريين
أثارت التصريحات التي أدلى بها أحد أبرز المؤرخين في تركيا، البروفيسور إيلبير أورتايلي، حول اللاجئين، جدلًا واسعًا وكشفت بعض الحقائق التاريخية التي غابت عن النقاشات المتعلقة باللاجئين في تركيا.
يُعتبر أورتايلي شخصية بارزة في الأوساط الأكاديمية، إذ يتقن العديد من اللغات، ويمتلك قدرة فائقة على تبسيط المعلومات التاريخية وتقديمها في وسائل الإعلام من خلال البرامج التلفزيونية، والمؤتمرات، والكتب الشعبية.
يشتهر بأسلوبه الخاص الذي يمكّنه من إبداء أحكام قاطعة في الشؤون التاريخية دون أن يجرؤ أحد على معارضته. وبفضل ذاكرته القوية وثقافته العامة الواسعة، اكتسب سلطة تمتد لتشمل جميع المجالات، وليس فقط التاريخ الذي يُعتبر مجاله التخصصي.
مؤخرًا، أثارت تصريحاته حول قضية اللاجئين السوريين، التي باتت موضوعًا ساخنًا في تركيا، جدلًا واسعًا. ولم يكن الجدل ناجمًا فقط عن تصريحاته الأخيرة بشأن اللاجئين، حيث إن الكثيرين ممن يحملون توجهات عنصرية يدلون بمثل هذه التصريحات. ما جعل تصريحات أورتايلي مثيرة للاهتمام هو تناقضها الصارخ مع مواقفه السابقة. فقبل فترة وجيزة، كان قد صرّح بعكس ما قاله الآن. والتناقض الآخر هو أن أورتايلي نفسه لاجئ، وهو الآن يطالب بترحيل السوريين من تركيا.
في حديثه على قناة يوتيوب، وعندما سُئل عن رأيه في اللاجئين السوريين، قال أورتايلي: “أعتقد أن اللاجئين يجب أن يُعادوا إلى بلادهم. لماذا أحوّل مجموعة غير قادرة على الدفاع عن وطنها إلى مواطنين؟ نحن لسنا في جنة عدن. في هذه الحالة، هل سأضطر غدًا إلى ضمّ هؤلاء إلى الجيش؟ هل أستطيع ذلك؟”.
في حديثه على قناة يوتيوب، وعندما سُئل عن رأيه في اللاجئين السوريين، قال أورتايلي: “أعتقد أن اللاجئين يجب أن يُعادوا إلى بلادهم. لماذا أحوّل مجموعة غير قادرة على الدفاع عن وطنها إلى مواطنين؟ نحن لسنا في جنة عدن. في هذه الحالة، هل سأضطر غدًا إلى ضمّ هؤلاء إلى الجيش؟ هل أستطيع ذلك؟”.
لكن الأكثر إثارة في تصريحات أورتايلي هو تجاهله الكامل لحقيقة أنه وُلِدَ في مخيم لاجئين عام 1947. كانت عائلته قد فرت من شبه جزيرة القرم عندما اقترب الجيش الأحمر من الأراضي التي كانت تحتلها ألمانيا النازية، وانضمت إلى المهاجرين الذين نُقلوا إلى مخيمات مختلفة في ألمانيا. ثم انتقلوا إلى غراتس، ثم إلى إنسبروك، وأخيرًا إلى مخيم للاجئين في بغانز بألبيرشفيندي، حيث التقى والده كمال بوالدته شفيقة وتزوجا، وأنجبا أورتايلي هناك. وبعد الحرب، عندما عُرض على عائلته العودة إلى القرم، رفضت ذلك، ولجأت إلى تركيا كملاذ آمن.
أورتايلي، الذي جاء إلى تركيا كلاجئ قبل 75 عامًا، يقف الآن ضد اللاجئين. كان قد قال سابقًا إن “المشكلة في هذا البلد تكمن في أن الذين يأتون أولًا لا يستطيعون تحمل وجود من يأتون بعدهم”. وحين يتم فتح ملف “ترك الوطن والهروب” في سوريا، يجب طرح السؤال عمن ترك سوريا أولًا وتركها للاحتلال البريطاني بدون قتال في عام 1918، بعد أن انسحب الجيش العثماني بسرعة وبشكل غير مبرر من الشام، تاركًا المنطقة بأكملها تحت رحمة المحتلين البريطانيين. القضايا التي تُدفن في التاريخ ستطفو على السطح في نهاية المطاف.
من المؤكد أن أورتايلي، كونه مؤرخًا، يعرف الكثير عن هذه الحقائق، لكنه، مثل الكثير من المؤرخين الآخرين، يفضل عدم التطرق إليها. لا شك أن أورتايلي يمتلك معرفة واسعة جدًا، لكن من الواضح أيضًا أنه يسيء استخدام هذه المعرفة والسلطة اللتين اكتسبهما بأسلوبه الخاص. لو كان يروي الحقائق بصدق وشجاعة، لكان قد قدم تفسيرًا مختلفًا تمامًا للتاريخ. لكنه لم يخاطر أبدًا، ولم يكشف عن الحقائق التي يعرفها، بل تابع الأجندات التي تخدم من يستضيفونه. لم يستخدم سلطته المستمدة من معرفته لإيقاظ هؤلاء الذين يخدمون أيديولوجياتهم الخاصة.
عائلة أورتايلي نفسها، رغم أن الفرصة أتيحت لها للعودة إلى وطنها، اختارت تركيا كملاذ آمن. ومع ذلك، فإن أورتايلي اليوم يطالب السوريين بالعودة إلى بلادهم، رغم أنها لا تزال غير آمنة، وهذا مثال مثاليٌّ على التناقض العميق الذي يعيشه معارضو اللاجئين في تركيا.
ياسين أقطاي – الجزيرة[ads3]