دويتشه فيله : التشرد يهدد المزيد من الفتيات و النساء في ألمانيا
أفاد تقرير صدر مؤخراً عن “الجمعية الاتحادية المعنية بمساعدة المشردين” (BAG W) في ألمانيا بأن خمس المشردين في البلاد تقل أعمارهم عن الخمسة والعشرين عاماً. وتضم الجمعية الاتحادية المعنية بمساعدة المشردين، تحت لوائها 227 منظمة وألف مركز يقدم مساعدات للمشردين.
وسلط التقرير الضوء على أوضاع المشردين وفئات المجتمع التي باتت في خطر التشرد ، وهم بالتعريف من لا يمتلكون عقود إيجار للسكن ولا منازل، بيد أن هذا لا يعني أن من لا يمتلكون عقود إيجار سيكون مصيرهم النوم على قارعة الطرقات؛ إذ قد يعيش بعضهم عند الأصدقاء أو المعارف في ظاهرة تعرف باسم “متشردي الأريكة”.
وقال مارتن كوزيتزا، أحد مؤلفي التقرير، “نطلق على هذه الظاهرة اسم (التشرد الخفي) وهذا لا يتماشى مع ما يعتقده المرء عند سماع تعبير التشرد في الشوارع”.
وكشف التقرير عن أن من يقل أعمارهم عن 18 عاماً شكلوا نسبة بلغت 16 بالمئة من الأشخاص الذين قاموا بتسجيل أنفسهم للحصول على الخدمات التي تقدم إلى المشردين عام 2022.
بيد أن الجانب المقلق الذي كشف عنه التقرير تمثل في زيادة نسبة التشرد بين النساء والفتيات دون الخامسة والعشرين عاماً مقارنة بالفئات العمرية الأكبر سناً. وأظهر التقرير أن نسبة النساء المشردات في جميع الفئات العمرية ممن تزيد أعمارهن عن 25 عاماً تبلغ 23 بالمئة، لكن هذه النسبة تصل إلى 38 بالمئة بين الفتيات دون 18 عاماً وتتجاوز عتبة الـ 40 بالمئة بين الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و20 عاماً.
وفي مقابلة مع DW، قال كوزيتزا “نعتقد أن الفتيات والنساء صغيرات السن يميلن إلى الاستقلال وترك منزل الوالدين في وقت مبكر، لكنهن يطلبن المساعدة بشكل أسرع. نعتقد أن العنف والإساءة يلعبان دوراً رئيسياً وهو ما يحدث بالطبع بشكل متكرر للإناث أكثر من الذكور”.
وفي تعليقه، قال ماركوس كوتر، الاخصائي الاجتماعي في جميعة “أطفال الشوارع” (Strassenkinder) ومقرها برلين، إن تلك الفتيات والنساء “يُعرض عليهن مكان للإقامة، لكن ينتهي بهن المطاف إلى دفع المقابل بعدة أوجه كإقامة علاقة جنسية إجبارية مع من يقدم لهن سقف ينمن تحته. هناك تجار مخدرات وقوادون مستعدون لاستغلال الموقف، حتى في المنازل والملاجئ التي تديرها الدولة. وقد يحدث هذا بسرعة كبيرة بحيث ينتهي الأمر بالفتيات القاصرات إلى الشوارع ويجدن أنفسهن في بيئات ضارة بهن”.
بموجب القانون الألماني، يتحمل الآباء وما تُعرف بـ “خدمات رعاية الشباب” (Jugendamt) مسؤولية ضمان عيش الأطفال والشباب في أماكن أمنة، لكن ورغم ذلك فقد قدر تقرير صدر عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عام 2022 أن 38 ألف شخص ممن تتراوح أعمارهم بين 14 و 27 عاماً، كانوا من بين 264 ألف شخص مشرد في البلاد.
وأشار مارتن كوزيتزا، أحد مؤلفي التقرير، إلى تعدد الأسباب وراء ذلك، قائلاً: “في هذه المرحلة العمرية، ينفصل الشباب عادة عن الإباء، لكنهم لم يكونوا بعد قد حققوا الاستقرار المهني ما يعني افتقارهم للموارد المالية”.
وأضاف أن أحد الأسباب وراء ذلك يتمثل في طريقة تنظيم خدمات الرعاية الاجتماعية وإدارتها في ألمانيا: “القانون يضمن دعم رعاية الشباب حتى بعد بلوغهم سن 18 عاما، لكن غالباً لا يضمن ذلك حصول الشاب أو الشابة على شقة ما يدفع البعض إلى الإقامة عند الأصدقاء أو المعارف أو في أسوأ الأحوال التشرد”.
وأوضح مارتن كوزيتزا أن ضمان تقديم رعاية اجتماعية بديلة على غرار إعانات البطالة، يمكن أن تكون الحل من الناحية الفنية، لكن شدد على أن الأمر في غاية التعقيد بالنسبة للشباب؛ حيث يقع البعض في متاهة الروتين والبيروقراطية.
وكانت الحكومة قد دشنت في أبريل/نيسان الماضي “خطة عمل وطنية” لإنهاء التشرد في البلاد بحلول عام 2030، لكن أصوات منتقدة خرجت لتقول إن المقترحات تتسم بالغموض. وتعد الخطة الأولى من نوعها التي تضع فيها حكومة اتحادية ألمانية وثيقة من هذا القبيل.
وتتكون هذه الخطة المقدمة من وزارة الإسكان الاتحادية، من 31 نقطة، تقدم أفكاراً مثل تقديم الدعم المالي لحكومات الولايات لبناء السكن الاجتماعي، ومحاربة التمييز في سوق الإسكان، ومساعدة الناس على الحصول على تأمين صحي، وتسهيل الحصول على خدمات الاستشارة.
وفي تعليقه، قال ماركوس كوتر إن الحكومة في حاجة إلى إعادة التفكير في كيفية إدارة المدارس والمؤسسات التي تقدم خدمات اجتماعية فضلاً عن ضرورة بذلها الكثير من الجهد لمواجهة أزمة السكن. وأضاف: “من الصعب أن يجد الشخص الذي يجني راتباً جيداً المنزل المناسب، فكيف يُفترض أن يجد الشباب شقة؟”. وتابع: “في المراكز التابعة لجمعية (أطفال الشوارع)، يمكن للأطفال والشباب المشردين الحصول على وجبات مجانية، وأكياس نوم وملابس، ومكان يمكنهم فيه الشعور بالأمان ويجدون من يستمع إليهم، وممارسة أنشطة ترفيهية جماعية”.
يشار إلى أن مشكلة التشرد قد زادت خلال السنوات القليلة الماضية، بفضل النقص المستمر في السكن، لكن في المقابل تلتزم السلطات الألمانية بتوفير ملاجئ طوارئ للأشخاص الذين يعيشون في الشوارع، لكن الكثيرين يفضلون البقاء خارجها لأن هذه الملاجئ غالباً لا تضمن الخصوصية أو الأمان. (DW)
[ads3]