الاقتصاد الألماني لا يستعيد عافيته و ألمانيا تفقد الكثير من جاذبيتها للاستثمار .. هل يقود الركود الاقتصادي إلى بيع شامل للشركات الألمانية ؟
الوضع سيء والآفاق قاتمة، فقد أعلن وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك تخفيض الحكومة لتوقعاتها بشكل ملحوظ فيما يتعلق بأداء الناتج المحلي للبلاد. واشار الوزير إلى أنه من المتوقع أن يسجل أكبر اقتصاد في أوروبا انكماشا بنسبة سالب 0.2 بالمائة خلال العالم الجاري 2024. وكانت توقعات الحكومة في الربيع الفائت تشير إلى أن إجمالي الناتج المحلي الألماني سيحقق نموا طفيفا بحدود 0.3 بالمائة. ولا يشكل إعلان هابيك مفاجئا، إذا قامت معاهد كبرى في أبحاث الاقتصاد مؤخرا بتخفيض توقعاتها الخاصة بنمو الاقتصاد الألماني. وأشارت توقعات هذه المعاهد إلى أن الاقتصاد الألماني سيسجل في العام الحالي انكماشا بنسبة سالب 0.1 بالمائة.
بدوره قدم مؤشر مناخ الأعمال الصادر عنمعهد إيفو في ميونيخ خلال سبتمبر/ أيلول الفائت بيانات جاء فيها أن الاقتصاد يتعرض لضغوط متزايدة”، حسبما صرح رئيس معهد إيفو كليمنس فوست لوكالة الأنباء الفرنسية، موضحًا التراجع للربع الرابع على التوالي في المؤشر. فالشركات غير راضية عن الوضع الحالي وتوقعاتها متشائمة.
وبدوره خفض معهد أبحاث الاقتصاد التابع لمؤسسة هانس بوكلر التابعة للنقابات العمالية توقعاته الاقتصادية : في عام 2024 سيشهد الناتج المحلي الإجمالي ركودًا ولن يكون هناك أي نمو. وفي ضوء ذلك، قال كريستوف سفونكه من بنك دي زد/ DZ لوكالة رويتر إن ألمانيا هي بالفعل “الطفل الجديد الذي يمثل مشكلة جديدة في دول اليورو”.
إن مجال العمل والاستثمار الذي توفره ألمانيا حالياً ليس مثيرا للاهتمام من الناحية الاقتصادية. ولهذا السبب يتزايد سعي الشركات للحصول على أمول عن طريق صفقات مع الخارج. على سبيل المثال تريد شركة الخطوط الحديدية الألمانية/ دويتشه بان بيع شركة النقل التابعة لها “شينكر”. وقد وافق مجلس الإشراف على الشركة للتو على البيع المخطط له للشركة اللوجستية المربحة. وعلى ذلك ستدفع مجموعة الخدمات اللوجستية الدنماركية DSV مبلغ 14 مليار دولار للاستيلاء على “شنيكر”.
مثال آخر هو بنك كوميرتس بنك الذي أنقذته الحكومة الألمانية من الانهيار خلال الأزمة المالية- ولا تزال برلين تمتلك حوالي 12 في المائة من أسهم البنك، فقد استحوذ بنك يونيكريدت/ Unicredit الإيطالي في سبتمبر/ أيلول الماضي على حصة في كوميرتس بنك ويرغب في الاستحواذ على البنك بالكامل. وقد أعرب البنك المركزي الأوروبي الذي سيتعين عليه الموافقة على مثل هذا الاستحواذ عن موافقته المبدئية بالفعل، حسب ما نقلته وكالة رويترز للأنباء عن مصادر مطلعة.
هذا وتخطط شركات أخرى أيضاً للقيام بصفقات استحواذ مع الخارج أو أصبحت مهتمة بشكل متزايد برؤوس الأموال الأجنبية: على سبيل المثال، شركة الكيماويات العملاقة BASF التي ترغب في بناء موقع في الصين مقابل عشرة مليارات يورو، أو شركة/ تيشيم Techem المتوسطة الحجم لخدمات الطاقة. ومن المقرر الآن بيع هذه الشركة الأخيرة من قبل مالكها السويسري بارتنرس غروب إلى المستثمر الأمريكي تي بي جي/ TPG .
والاستحواذ على الشركات الألمانية التي لا يزال لدافع الضرائب الألماني حصة فيها؟ بالنسبة للعديد من المراقبين، عملية طبيعية تمامًا. بالنسبة لكارستن برزيسكي، كبير الاقتصاديين في بنك آي ان جي/ ING من الواضح أن الركود الاقتصادي والتغيير الهيكلي له بطبيعة الحال عواقب على الشركات أيضًا”. وقال لـ DW: “في مثل هذه الأوقات، هناك أيضًا عمليات استحواذ – داخل البلد أو من الخارج”.
ويلخص ستيفان كوثس، مدير في معهد كيل للاقتصاد العالمي هذا الأمر في صيغة مختصرة: “الشركات ليس لديها جواز سفر”. وهو يعتقد أن “جنسية أصحاب الشركات ليست هي العامل الحاسم لازدهار بلد ما، بل نوعية الموقع على صعيد مناخ الاستثمار”.
كما يلاحظ كوثس أيضًا أن “الاتجاه التنازلي على صعيد الاستثمار المباشر في ألمانيا هو مؤشر آخر على نقاط الضعف في هذا الموقع”. ويقول إن المواقع القوية تجتذب رؤوس الأموال الأجنبية، “بينما ‘يعطي المستثمرون المواقع الضعيفة مساحة واسعة”.
وحسب كوشس فأن دخول رؤوس الأموال غير الألمانية إلى السوق المحلية ليس أمراً سيئاً أيضاً، بل على العكس: “إذا كان لدى المستثمرين الأجانب أفكارا أفضل حول كيفية الاستفادة من الموارد في ألمانيا، فإن ذلك سيعود بالنفع على اللاعبين المحليين في نهاية المطاف من خلال مكاسب الإنتاجية”.
منذ ثمانينيات القرن العشرين وعدت جميع الحكومات بالحد من البيروقراطية من أجل تسهيل تدفق الاستثمار. ومع ذلك فقد انتظرنا تحقيق انفراج منذ عقود. ويقول ستيفان كوثس: “الجهود معترف بها، لكنها لا تؤدي باستمرار إلى العمل”، مضيفًا أن هناك “بيروقراطية جديدة” يتم إيجادها بالتوازي مع مبادرات النمو”.
ومع ذلك ليست برلين وحدها المسؤولة عن ذلك، بل الاتحاد الأوروبي أيضًا. فالمانيا مسؤولة جزئياً عن الأعباء البيروقراطية: “على وجه الخصوص، مع نظام الإبلاغ المترامي الأطراف – من تصنيف الاتحاد الأوروبي إلى تنظيم سلسلة التوريد وغيرها من الإجراءات البيروقراطية المعقدة- فإن الجهات الفاعلة في السوق الداخلية تعترض طريقها بشكل متزايد”.
وبالنسبة لكارستن برزيسكي، فإن الحد من البيروقراطية هو النهج الصحيح أيضًا، ولكن “لم ينته الأمر بعد”. ولدى الخبير الاقتصادي مطلب واضح: “نحن بحاجة ماسة إلى المزيد من الحكومة الإلكترونية. وهذا من شأنه أن يسرع في الحد من البيروقراطية ويواجه أيضًا النقص في العمالة الماهرة في العديد من المؤسسات”.
وزير الشؤون الاقتصادية في المانيا هو المسؤول أيضًا عن حماية البيئة، بينما تحاول المفوضية الأوروبية في بروكسل التوجه إلى “الطريق الأخضر” للمستقبل. ومع ذلك لا يعتقد أي من الخبراء الذين تمت مقابلتهم أن إعطاء الأولوية للبيئة يمكن أنيساعد الاقتصاد أيضًا. ويقول كوثس: “بشكل عام لا يمكن أن تصبح إزالة الكربون قصة نمو”، لأن “سياسة إزالة الكربون تعاني تدخل الكثير من الجهات وبيروقراطيتها”.
ويتبنى الخبير الاقتصادي في آي ن جي/ ING برزيسكي وجهة نظر مماثلة إذ يقول: “إن التركيز على التقنيات الخضراء لم يطلق حتى الآن سوى القليل من الاستثمارات. وضع كل شيء على البطاقة الخضراء “أخضر” سيكون قصير النظر. لقد فقد الاقتصاد الألماني قدرًا كبيرًا من القدرة التنافسية على مدى السنوات العشر الماضية، وهذا هو المكان الذي يجب أن نبدأ فيه الآن”.
ويعتقد ستيفان كوثس أيضًا أن القدرة التنافسية للصناعة الألمانية هي مفتاح العودة إلى النمو. ومع ذلك فهو يحذر بشدة من الحمائية الرأسمالية: ” لا يجب تحفيز النمو، بل يجب تمكينه”.
ويقول لـ DW إن برامج التحفيز الاقتصادي ليست ضرورية لهذا الغرض، ومبادرة النمو الحالية تشير فقط إلى ” الاتجاه الصحيح، ولكنها لن تكون قادرة على إحداث تحول. وهذا يتطلب تغييرًا جوهريًا في المسار بعيدًا عن السياسة الصناعية التدخلية نحو سياسة تنظيمية تعزز جاذبية الموقع، أي جاذبية ألمانيا للاستثمار”.
ويذكر شتيفان كوثس بشكل قاطع أنه لا ينبغي للحكومة الألمانية أن تفعل شيئًا لمنع البيع الوشيك للشركات الألمانية ويحذر من “الحمائية الرأسمالية”. وبدلاً من ذلك، يشير إلى قوانين السوق التي تصبح الشركات بموجبها مرشحة للاستحواذ “عندما لا تعود هياكلها قادرة على مواجهة المنافسة”. (DW)
[ads3]