تقرير : 800 ألف مسن على هامش الحياة في الشمال السوري

 

“هل تخيلتَ يوما أن تعيش وحيدا داخل خيمة، وقد تجاوزت السبعين من عمرك؟”، بهذه العبارة يلخص النازح السوري المسن صادق المحمد حاله المقيم في مخيم “وطن” للنازحين بريف إدلب شمال غربي سوريا.

ومنذ أكثر من 5 أعوام، يعيش صادق داخل خيمته الصغيرة في المخيم الذي لطالما يحمل اسمه -لقاطنيه- دلالات رمزية يفتقدونها، منذ أكثر من عقد على الصراع في البلاد التي أنهكتها الحرب.

مغالبا البكاء، يروي المسن كيف انتهى به المطاف وحيدا بعد النزوح الجماعي لأهالي ريف حماة، إثر الحملات العسكرية المتعاقبة التي شنها النظام السوري وحليفه الروسي على مناطق سيطرة المعارضة، مما دفعه وأقرانه إلى النزوح شمالا.

ويشير صادق إلى أن غالبية أفراد أسرته تفرقوا ما بين مخيمات النازحين وتركيا ولبنان، على مدار سنوات الحرب الطويلة، في وقت لم يجد فيه مكانا أفضل من خيام النزوح المترامية على أطراف إدلب وريفها.

ويشتكي من قلة الدعم، إذ يتحصل على سلة غذائية بين الحين والآخر ترسلها المنظمات الإنسانية التي تضطلع بالإغاثة، في حين يجلب له الجيران والمحسنون بعضا من الطعام والشراب، ويقاسمه البعض جلسات الشاي، لتخفيف آلام الوحدة والعزلة.

لا تقتصر المعاناة عند المسن صادق على مسألة نقص المؤن والاحتياجات الغذائية، إذ يعاني من أمراض مزمنة تلازمه منذ قرابة عقد، تقض مضجعه وتحرمه لذة النوم، منها مرض الضغط والتهاب المفاصل، فضلا عن حاجته لعملية جراحية في عينيه.

ومن تحت وسادته الصلبة، يخرج صادق كيسا يحتوي على أدويته، مشيرا إلى أن جزءا كبيرا منها نفد ولم يعقد بمقدوره شراء الجديد منها، الأمر الذي يفاقم آلامه الجسدية في ظل غياب الرعاية الصحية.

غير بعيد عن خيمته، تواجه المسنة السورية زينب الخالدي العزلة الطويلة منذ أكثر من 3 سنوات، وتفتقر إلى المعيل الذي يقدم لها احتياجاتها اليومية، في الوقت الذي تقدم فيها أختها الصغرى القليل من الرعاية لها.

لا تستطيع الخالدي (73 عاما) التنقل داخل خيمتها دون الاستعانة بالعكازين المعدنيين، لآن آلام الانزلاق الغضروفي في ظهرها تمنعها من الحركة بسهولة ويسر.

كل آمالها هي العودة إلى ديارها في ريف حماة كي تقضي ما تبقى من عمرها هناك، أما ما ينقصها فهو الكثير الذي لا يمكن حصره أو ذكره، بدءا من الطعام والشراب ونهاية بالأدوية والعلاج.

وصادق والخالدي هما من بين نحو 800 ألف مسن يعيشون في شمال غربي سوريا، غالبيتهم يسكنون في مخيمات النازحين في المنطقة دون معيل أو معين لهم، وفق تقرير لفريق “منسقو استجابة سوريا”.

وبحسب الفريق، فإن المسنين يعانون من مشاكل وأزمات مركبة تتمثل في غياب الرعاية الصحية وشح المعونات الغذائية، إضافة إلى أزمات نفسية قد لا تظهر للعيان.

ويؤكد الناشط في المجال الإغاثي بالشمال السوري هيثم الحمود، أن إيقاف برنامج الأغذية العالمي مساعداته في جميع أنحاء سوريا مطلع العام الجاري، جراء نقص التمويل، أثر بشكل كبير على توزيع المساعدات للنازحين بالمنطقة.

وأشار إلى أن قرابة نصف مليون سوري في شمال غربي سوريا تأثروا من توقف المساعدات التي يقدمها البرنامج، لافتا إلى أن غالبية الأسر تعتمد بشكل أساسي على تلك المعونات بسبب انعدام الدخل.

وبلغ عدد السكان في مناطق شمال غربي سوريا -وفق الفريق- أكثر من 6 ملايين نسمة، يشكل النازحون في المخيمات وخارجها نسبة 49% من عددهم الكلي، ويصل عدد المخيمات إلى 1873 مخيما ومركز إيواء ومخيما عشوائيا، ويسكنها ما يزيد على مليوني نازح. (aljazeera)

 

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها