دويتشه فيله : قتل النساء .. موجة جديدة من العنف تهزّ تركيا

 

يوم خريفي مشمس في إسطنبول. اجتمعت نحو ثلاثمائة شابة في منطقة كاديكوي على الجانب الآسيوي من مضيق البوسفور من أجل الاحتجاج على العنف ضد النساء والبنات. وقد دعا إلى هذا الاحتجاج “اتحاد النسويات الشابات” بعد سلسلة من جرائم قتل وحشية.

فقد أقدم في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر شاب عمره 19 عاماً على طعن شابتين وقطع رأسيهما في إسطنبول. وارتكب جريمة القتل الثانية على جدار ثيودوسي، وهو جزء من تحصينات تعود إلى القرن الخامس. وثم انتحر هناك أمام مرأى الكثيرين في العاصمة التركية إسطنبول.

وقبل ذلك بأسبوع، قُتلت شرطية شابة أثناء أدائها عملها. وفي شهر آب/أغسطس، حبست قضيةُ طالبةٍ مفقودة أنفاسَ الأتراك لأسابيع حتى عُثِر على جثتها الهامدة بجوار نهر في جنوب شرق الأناضول.

تركز القنوات التليفزيونية التركية على ذلك وتعرض من الصباح حتى الليل برامج حول العنف ضد النساء والبنات: حيث تحكي في استطلاعات الرأي التلفزيونية التي تجرى في الشوارع الشابات عن خوفهن؛ ويتحدَّث الآباء عن فزعهم عندما تتأخر بناتهم في الرجوع إلى المنزل.

وتقول المحامية في منصة “سنوقف قتل النساء”، إيسين إيزيل أويسال إنَّ “العنف ضد النساء ليس جديداً، ولكنه اتخذ بعداً جديداً. فالجرائم أصبحت أكثر وحشيةً والضحايا والجناة أصغر سناً”.

لقد سجَّلت منصة “سنوقف قتل النساء” 295 جريمة قتل و184 حالة وفاة مشبوهة خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام 2024. وفي عام 2023، وقعت 315 جريمة قتل للنساء و248 حالة وفاة مشبوهة. وتشمل الحالات المشبوهة على سبيل المثال حالات تسقط فيها نساء من شرفات العمارات أو النوافذ أو يُقال أنَّهن انتحرن من دون سبب معروف.

وبحسب المحامية إيسين إيزيل أويسال يزداد العنف ضد النساء، وخاصة عدد حالات الوفاة المشبوهة، التي ارتفعت بنسبة 82 بالمائة بين عامي 2017 و2023، كما أوضحت في حوار مع DW. وغالباً ما يحدث العنف في المنزل، ولكنه بات يحدث أيضاً وبشكل متزايد في الشارع. وفي معظم الحالات، يكون الجناة من الأزواج والشركاء أو المطلقين أوالشركاء السابقين أو من الأهل. وفي هذا العام أقر خمسة وستون بالمائة من الجناة الذين قتلوا نساء بأنَّهم قتلوهن لأنَّهن أردن الانفصال أو لأنَّهن رفضن الارتباط أو الزواج.

وترى الناشطات النسويات الشابات أنَّ المسؤول عن هذا العنف هو النظام الذكوري، الذي يعيق المساواة بين الرجل والمرأة. وقد هتفن في إسطنبول يوم السبت الماضي: “المشكلة هي السلطة الذكورية! المشكلة هي الحكومة!”. كما أنَّهن يتهمن الحكومة بأنَّها مسؤولة جزئياً عن هذا التصعيد من وخلال سياساتها الإسلامية المحافظة الخاصة بالأسرة والمرأة.

ودأبت جمعيات الإسلاميين المقربين من الحكومة وكذلك أحزاب تحالف حكومة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى إلغاء القوانين القائمة لحماية المرأة وتحديد مدة دفع النفقة بعد الطلاق.

ونتيجة الضغط من هذه الجماعات فقد انسحبت تركيا في عام 2021 من اتفاقية إسطنبول لمنع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي. وقد برَّرت أنقرة خطوتها هذه بأنَّ اتفاقية المجلس الأوروبي تشجِّع المثلية الجنسية وتهدِّد القيم الأسرية التقليدية.

ومن جانبه يرى الرئيس التركي إردوغان أنَّ الوضع القانوني في تركيا يوفِّر الحماية الكافية للنساء حتى من دون اتفاقية إسطنبول. ولكنه أعلن الأسبوع الماضي وبعد الانتقادات المتواصلة عن نيته تشديد قانون العقوبات.

ومع ذلك يعتقد كثير من الناشطين الحقوقيين أنَّ قانون العقوبات الحالي كافٍ، وأنَّ المشكلة تكمن في تطبيقه. وهم ينتقدون الحكومة لأنَّها ركَّزت محاكماتها الجنائية خلال الأعوام الأخيرة على معارضيها فقط، بدلاً من التركيز على المجرمين العنيفين الخطرين.

وفي الواقع باتت الحكومة التركية تستهدف في المقام الأوَّل منتقديها، خاصةً منذ محاولة الانقلاب الفاشل في عام 2016. والسجون التركية مكتظة بسجناء سياسيين أُدينوا بتهمة العضوية في تنظيم إرهابي أو بتهمة الدعاية للإرهاب، وبسجناء محتجزين منذ أعوام على ذمة التحقيق من دون محاكمات.

ومن أجل توفير مساحة في سجونها المكتظة فقد غيَّرت تركيا قانون تنفيذ الأحكام عدة مرات في الأعوام الأخيرة. ولذلك أصبح الكثير من المجرمين العنيفين يخرجون من السجن بشروط قبل إنتهاء مدة حكمهم. وخلال جائحة كورونا، أطلقت الحكومة سراح نحو مائة ألف سجين بسبب خطر العدوى، باستثناء السجناء السياسيين. وهذه الممارسة ينظر لها في المجتمع على أنَّها إفلات من العقاب.

وهذا ما حدث على سبيل المثال في حالة شرطي سابق اختطف صديقته السابقة وعذَّبها طيلة أيام. ومن ثم تركها تذهب وقال لها مهدِّداً: إن لم تكوني لي، فلن تكون لأي أحد غيري. وحكم على هذا الشرطي الذي يبلغ عمره 51 عاماً بالسجن عامين ونصف العام بسبب جريمته هذه. وبعد قضائه شهرين فقط في سجن مفتوح، أُطلق سراحه بشروط، ثم قام بتهديد المرأة من جديد في بداية هذا العام. وبعد أن نشرت المرأة نداء استغاثة على وسائل التواصل الاجتماعي، استصدر الجاني حكم قضائي يقضي بحظر نشر منشورها لأنَّه ينتهك حقوقه الشخصية.

وحول ذلك تقول المحامية المدافعة عن حقوق المرأة إيسين إيزيل أويسال إنَّ مثل هذا الإفلات من العقاب يشجِّع الرجال على ارتكاب المزيد من أعمال العنف ضد النساء: “لأنَّهم يعرفون أنَّهم سيخرجون مرة أخرى من السجن بعد بضعة أيام أو أشهر”. (DW)

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.