دويتشه فيله : هل تواجه حكومة مستشار ألمانيا خطر الانهيار ؟

 

التخلي أم إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ هذه أيام حاسمة بالنسبة للحكومة الألمانية، التي ستمضي ثلاث سنوات على توليها السلطة في بداية شهر كانون الأول/ديسمبر القادم. من المعروف أنَّ أحزب الائتلاف الحاكم الثلاثة، الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر والحزب الديمقراطي الحر (اللبرالي)، في خلاف مستمر لأنّ قناعاتها السياسية الأساسية مختلفة للغاية.

وفي هذا الائتلاف الحاكم (ائتلاف إشارة المرور) يتواجه حزبان يساريان وحزب ليبرالي وجها لوجه في المجال الاقتصادي. فحزب المستشار شولتس، الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر يراهنان على دولة قوية تتبع أيضًا سياسات ممولة بالديون. بينما يتبنى الحزب الليبرالي وجهة نظر معاكسة.

وأوجه التشابه الأولية بينها استنفدت بسرعة. وباتت تزداد الآن باستمرار صعوبة “الأخذ والعطاء” الضروريان في أي تحالف. وكذلك أصبح الابتعاد كبيرًا، ولم تعد الثقة الضرورية موجودة.

لقد تصاعد الوضع مؤخرًا في السياسة الاقتصادية وسياسة الميزانية. فمنذ أن أدى قبل عام تقريبًا حكم من المحكمة الدستورية الاتحادية إلى وضع الحكومة في مشكلة مالية، وذلك من خلال إلغائه إعادة تخصيص أموال جائحة كورونا لصناديق المناخ، لم تعد توجد أية تقاطعات في الائتلاف الحاكم.

وكل حزب يحاول التميُّز من خلال اقتراحاته الخاصة. في حين تعاني ألمانيا من حالة ركود وانخفاض عائدات الضرائب، وهذا سيخلق فجوة إضافية في خزانة الدولة التي تعاني أصلًا من ضائقة مالية.

أقام المستشار أولاف شولتس (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي) قمة صناعية مع كبار رجال الأعمال، ولكنه لم يدع إليها لا وزير الاقتصاد روبرت هابيك (من حزب الخضر) ولا زعيم الحزب الليبرالي ووزير المالية الاتحادي كريستيان ليندنر. وبدوره عقد ليندنر اجتماعه الخاص مع ممثلين أقتصاديين آخرين، بينما رد هابيك باقتراحه إنشاء صندوق سيادي مموَّل بالديون قيمته مليار يورو من أجل تشجيع الشركات على الاستثمار.

واقتراح هابيك غير قابل للنقاش بالنسبة للحزب الليبرالي، الذي يصر على الالتزام بالحد من الديون وكبحها. ولكن يبدو أنَّ الاعتراض لم يكن كافيًا بالنسبة لليندنر. ففي ورقة أساسية مكونة من عدة صفحات حول السياسة الاقتصادية، طالب ليندنر بتغيير الاتجاه في سياسة الحكومة، من دون تنسيق مسبق مع الائتلاف. وهذه الورقة تبدو مثل برنامج انتخابي خاص بالسياسة الاقتصادية من الحزب الليبرالي. بل هي حتى مذهب الليبراليين ذاته.

طالب ليندنر بتخفيف الأعباء عن الاقتصاد كله، وحتى من خلال وقف فوري لجميع القواعد والضوابط الجديدة. كما طالب بخفض الضرائب المفروضة على الشركات وكبار أصحاب الدخل. وبضرورة تخفيف قيود أهداف حماية المناخ باستبدال الأهداف الوطنية بأهداف أوروبية.

“هدف تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2045 هو مسار ألماني خاص، أما تحقيق الهدف الأوروبي بحلول عام 2050 فهو بالفعل طموح جدًا بالنسبة لنا كدولة صناعية”، هذا ما قاله الأمين العام للحزب الليبرالي، بيجان جير-ساراي.

وهذه المواقف لا يمكن قبولها بالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، وهي تتعارض مع ما اتفق عليه الائتلاف سياسيًا. ولهذا السبب يدور الحديث لدى شركائه في الحكومة الائتلافية عن محاولة استفزازهم أيضًا، ويفكرون إن كان ليندنر يريد طرده من الائتلاف ليتمكن من البقاء سياسيًا في الانتخابات القادمة.

وحاليًا معدلات شعبية تحالف إشارة المرور في أسوأ حالاتها. وهذا يؤثر على نتائج استطلاعات الرأي حول الأحزاب الثلاثة، ولكن بالنسبة للحزب الليبرالي أصبح الأمر يتعلق الآن بوجوده. فلو أجريت الآن انتخابات اتحادية، سيكون أداء الليبراليين سيئًا جدًا بحيث أنَّهم لن يبقوا ممثلين في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ). ومنذ فترة طويلة يطالب أعضاء الحزب الليبرالي وكذلك ناخبوه بمغادرة حكومة إشارة المرور.

ولكن حكومة المستشار أولاف شولتس ستفقد من دون الحزب الليبرالي الأغلبية في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ). وصحيح أنَّ هذا لا يعني تلقائيًا إجراء انتخابات جديدة. لأنَّ الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر يمكنهما أيضًا الاستمرار كحكومة أقلية والبحث عن أغلبيات متغيرة في البوندستاغ لمشروعاتهما.

ويشكل حزبا التحالف المسيحي (الحزب الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري) أقوى قوة معارضة في البوندستاغ – ولكن لا يمكنهما إيجاد شركاء ائتلاف محتملين لتشكيل أغلبية ضد حزبي الاشتراكي وحزب الخضر.

ومع ذلك فإنَّ المستشار أولاف شولتس يريد أن يتجنب وبأي ثمن حدوث انهيار في ائتلاف إشارة المرور. ويجري منذ نهاية الأسبوع محادثات حول الأزمة في مكتب المستشارية. في البداية مع أبرز قيادات حزبه الاشتراكي الديمقراطي، ثم دعا زعيم الحزب الليبرالي ووزير المالية ليندنر. وأعلن المتحدث باسم الحكومة شتيفِن هيبشترايت عن نية شولتس عقد عدة اجتماعات ثلاثية مع هابيك وليندنر في الأيام القادمة.

وشدد هيبشترايت على أنَّ “الكثير يحدث حاليًا تحت ضغط عالٍ”. وأضاف أنَّ الهدف هو التوصل من مقترحات السياسة الاقتصادية المختلفة إلى “مفهوم شامل” يمكن تطبيقه بالنسبة لجميع شركاء الائتلاف الثلاثة.

من جانبه قال شولتس على هامش اجتماع مع الأمين العام لحلف الناتو مارك روته في برلين، بعدما سأله صحفيون إن كانت حكومته غير مستقرة، إنَّ: “الحكومة ستقوم بمهامها”. وأضاف شولتس، الذي بدا متوترًا بشكل ملحوظ: “أنا المستشار، وهذا يتعلق بالبراغماتية وليس بالأيديولوجية”.

يسعى المستشار الألماني شولتس من خلال محادثاته مع هابيك وليندنر إلى تجهيز اللجنة الائتلافية يوم الأربعاء، 6 تشرين الثاني/نوفمبر، بحيث لا تكون هناك مفاجآت. سيجلس للمرة الأولى منذ فترة طويلة زعماء الأحزاب الثلاثة ومجموعاتهم البرلمانية على طاولة واحدة في الدائرة التي تحدد في العادة القواسم المشتركة وتشرح الخطط المقبلة.

وهذا يعني أيضًا أنَّ قادة هذه الأحزاب يجب أن يجتمعوا وينظروا إلى أعين بعضهم بعضًا وأن يوضحوا ما الذي ما يزال ممكنًا أصلًا في إشارة المرور.

والوقت ضيق، لأنَّ ميزانية عام 2025 يجب إقرارها في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر. وقد تقرر عقد ما يعرف باسم اجتماع التسوية للجنة الميزانية، والذي سيتم فيه الانتهاء من الحزمة بأكملها، في الرابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر. وحتى ذلك الحين ما يزال يجب سد ثغرات بالمليارات.

ومن جانبه اقترح ليندنر في ورقته الاقتصادية خفض قيمة إعانة المواطنيين، التي يحصل عليها العاطلون عن العمل. وهو يريد بالإضافة إلى ذلك استخدام عشرة مليارات يورو كانت مخصصة في الواقع كدعم لشركة صناعة الرقائق إنتل (Intel). لذلك فقد تم تجميد بناء مصنعها.

أما زعيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي زاسكيا إسكن فتريد ترك هذه الأموال حيث كانت مخصصة في الأصل. وتقول إنَّ “جعل الأموال تختفي في مكان ما داخل شقوق الميزانية لا يؤدي نحو الهدف”.

بينما بات وزير الاقتصاد (حزب الخضر) هابيك يريد فجأة إعادة تخصيص هذه الأموال والتجاوب بالتالي مع الحزب الليبرالي. وفي هذا الصدد قال هابيك بعد ظهر يوم الاثنين في برلين إنَّ الأموال يمكن “طبعًا أن تساهم الآن في تقليص عجز الميزانية”. وأضاف: “من الواضح أنَّنا يجب أن نقدم مساهمات في أماكن عديدة، وأنت نتخد أيضًا خطوات غير معتادة”.

ويأمل حزب الخضر والحزب الاشتراكي أالديمقراطي ن تتمكن أحزاب إشارة المرور في لجنة الائتلاف من إعادة توحيد صفوفها على نحو ما. “هذه ليست مواجهة حاسمة”، كما قالت زعيمة الحزب زاسكيا إسكن: “لا يوجد لدينا على الإطلاق أي ميول لإفشال التحالف، نحن بحاجة إلى حكومة جديرة بالمسؤولة”. وسنرى إن كان شركاء الائتلاف لديهم القوة للقيام بذلك.

وكذلك يحذِّر الخضر من انهيار الائتلاف. فقد قال زعيم حزب الخضر أوميد نوريبور: “شركة فولكسفاغن تتجه حاليًا نحو الهاوية، وتجري انتخابات في الولايات المتحدة، وإسبانيا تغمرها الفيضانات، وفي أوكرانيا يخترق الروس جبهة تلو الأخرى. وهذا يحتاج التعامل بجدية مختلفة، ونحن نطالب بها أيضًا داخل هذا الائتلاف”. (DW)

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها