” عنترية ” الأسد في قمة الرياض تثير دهشة المتابعين

استضافت الرياض أول من أمس الإثنين القمة العربية الإسلامية وهي ثاني قمة من نوعها تعقد بعد تفجر الحرب في غزة ولبنان، وبهدف البحث في طريقة لوقفها وحماية المنطقة من تداعياتها الخطرة التي تلوح في الأفق. وأبعد من بيانها الختامي اللافت في مضمونه الذي عكس موقفاً عربياً إسلامياً موحداً، لا سيما في قضية التمسك بحل الدولتين واحترام سيادة لبنان، عشية الهندسة التي يعمل عليها الرئيس الأميركي الجديد لإنهاء الحرب وحلول السلام كما وعد، توقف كثيرون عند خطاب رئيس النظام السوري بشار الأسد العائد إلى الحضن العربي منذ سنة، بعد 12 عاماً على تعليق عضوية بلاده في جامعة الدول العربية.

كانت كلمة الأسد في القمة مختلفة عن طريقة تعامله مع مشاركته في القمتين العربيتين السابقتين، ففي حين اكتفى في الأولى التي ترجمت عودة سوريا للمشاركة في أعمال القمة وأنشطة الجامعة، بكلام عام عن الحال العربية وأهمية التضامن والوحدة وتشخيص المشكلات ووضع البرامج المؤسسية لحلها، فضل في الثانية عدم الكلام، أما هذه المرة فعاد لأسلوب الخطابات السابقة التي كانت تمتد لساعة كاملة من عيار ما قاله قبيل غزو العراق في خريف عام 2002.

وفي حين اعتبر بعض المقربين من النظام السوري أن كلمة الأسد شكلت صلة الوصل بين القمة والواقع، رأى آخرون أنها عكست فجوة بين الأقوال والأفعال، وتضمنت كثيراً من “العنتريات” التي لم تكُن لها أية ترجمة على الأرض، مما يعيد إلى الذاكرة خطابات مماثلة لقادة عرب توعدوا بإنهاء إسرائيل ولم يفعلوا، والرئيس الليبي معمر القذافي من هذه المدرسة كما الأسد، فيستخدمون اللغة اللفظية باعتبار أن المعركة هي معركة ألفاظ وجمل حادة ومصطلحات وعبارات تبقى فقط في إطار الكلام.

وعلى رغم أن خطاب الأسد لم يخرج عن السياق والأسلوب الذي كان يعتمده في قمم عربية سابقة عندما كان نظامه في أوجه ويقبض ليس على سوريا فحسب، بل على لبنان وعلى الفصائل الفلسطينية كذلك، إذ كان يستخدم دائماً تلك المنابر لتسليط الضوء على الاعتداءات الإسرائيلية ويحث الدول العربية على دعم القضية الفلسطينية، فإن كلامه هذه المرة تضمن تناقضاً حاداً بين حياده السلبي منذ بدء حرب غزة من جهة وتشديده على مواجهة إسرائيل من جهة أخرى، فقال إن “الأولوية حالياً هي لإيقاف المجازر والإبادة وإيقاف التطهير العرقي الذي تقوم به إسرائيل”، وانتقد أيضاً غياب الخطة التنفيذية لوقف الهجوم الإسرائيلي وقال “هم يستخدمون القتل ونحن الكلام”، على رغم أن نظامه لم يستخدم لمساندة غزة ولبنان ضد إسرائيل، لا الصواريخ ولا حتى الإدانات.

ولم ينزل كلام الأسد برداً وسلاماً على قلب الفلسطينيين على رغم مضمونه الداعي إلى عدم الاكتفاء بالكلام والذهاب إلى خطة تنفيذية لمنع الهجوم الإسرائيلي، ومتهكماً على كلام الأسد يعلق مدير مركز التطوير للدراسات الفلسطيني هشام دبسي، قائلاً “قليل على بشار الأسد وهو من موقع المتفرج أن يكتفي بهذا القدر وكان يجب أن يزايد على الدول العربية أكثر”. ويضيف في حديث إلى “اندبندنت عربية”، “أحببت أن أبدأ بهذا المدخل الساخر لأن الإسرائيلي يبرر جرائمه بأنه لم يصل إلى مستوى جرائم الأسد بحق الشعب السوري ولا بحق الشعب الفلسطيني ولا بحق الشعب اللبناني”.

ويتابع دبسي أنه “يحق لأي شخص أن يتكلم عن همجية إسرائيل إلا بشار الأسد وعائلته الذين مارسوا أبشع الجرائم بحق الشعب السوري، بحجة أنهم حاضنة الإرهاب ويجوز قتلهم، وفق ما برر في إحدى إطلالاته الإعلامية”، مذكراً بارتكابات الأسد بحق شعبه واستخدامه للأسلحة الكيماوية ضدهم وبقتله أكثر من نصف مليون سوري وتهجير خمسة ملايين، ويضيف أنه “لا يمكن إلا أن نشمئز عندما نسمع الأسد يتحدث في القمة العربية بهذا الكلام”.

وبحسب دبسي، فإن “الأسد يجيد المزايدة على الآخرين وهو بدلاً من اعتماد خطاب ناضج ومعتدل ورؤية حداثية في القمة العربية الإسلامية والتحالف الدولي من أجل إقامة دولة فلسطين، ذهب إلى المزايدات السخيفة والتافهة، فيما كان أكثر من حطم الحركة الوطنية الفلسطينية وحاول كسر قرارها السياسي من خلال حروب لم تنتهِ”، ويذكر بأنه فيما كان الرئيس ياسر عرفات يعمل على اتفاق أوسلو عام 1993 وتم الإفراج عن عشرة آلاف معتقل فلسطيني من السجون الإسرائيلية كان الأسد يعتقل عشرة آلاف فلسطيني من لبنان بحجة أنهم “عرفاتيين” ووضعهم في سجون بسوريا هي أقسى من السجون الإسرائيلية، بالتالي لا يحق له الكلام بشيء.

ويستغرب الصحافي جاد الأخوي من جهته عودة الأسد للحضن العربي واستقباله من قبل القادة العرب، فيما لا يزال يستخدم الخطاب البعثي القديم الذي يتضمن كثيراً من الفوقية والفلسفة عاكساً تموضعه المستمر ضمن محور الممانعة. ويرى أن خطابه لم يختلف عن الخطابات السابقة التي تتضمن كثيراً من التنظير والدروس في الفلسفة، ويسأل متوجهاً إلى الأسد “ما دام أن السيد نصرالله حيّدك، فلماذا تريد التدخل ولماذا لا تقبل بموقع الحياد الذي وضعوك فيك وتصمت”.

وإذ يذكر بأن الأسد لم يقدم يوماً على أي شيء ملموس يساند من خلاله القضية الفلسطينية، يعتبر أنه اليوم في موقف حرج بين الاعتداءات الإسرائيلية التي تطاول المصالح الإيرانية على الأراضي السورية واضطراره إلى الرد عليها، ويصف الأخوي خطاب رئيس النظام السوري بأنه شبيه بالمياه الباردة وأنه لا طعم له ولا لون، ويستخدم المثل الشعبي ليضيف أنه اليوم مثل “الفستق الفاضي”، و”يتمرجل فيما يتعرض يومياً للقتل والضرب في كل المناطق السورية ولم نسمع حتى الآن بيان استنكار، أو أي رد صاروخي”. ويختم الأخوي “لنبتعد قليلاً من السياسة إلى الأحجية، من هو الذي قتل نصف مليون وتسبب بتهجير عشرة ملايين وشارك في القمة العربية والإسلامية مدافعاً عن قتل 60 ألفاً وتهجير مليونين؟”.

ما يثير الذهول في كلام رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال القمة العربية بحسب الكاتب والمحلل السياسي سمير سكاف هو “غيابه التام عن الموقف تجاه سوريا والمستغرب أنه في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 لم يأخذ موقفاً واضحاً وصريحاً تجاه ما يحصل في غزة، بالتالي كانت سوريا وكأنها مالطا أو اليونان ليست لها أية علاقة بما يحصل على حدودها. فالأسد يعتبر أن سوريا تقدم الدعم من خلال السماح بتمرير الصواريخ من إيران إلى ’حزب الله‘ ومن خلال استضافة الاجتماعات التي تضع التخطيطات التي ينسقها الحرس الثوري الإيراني، وهذا كافٍ من وجهة نظره. وحتى الأمين العام السابق السيد حسن نصرالله كان برر للنظام السوري عدم المشاركة في حرب الإسناد، لكن في الواقع أن الأسد بقي على الحياد مثله مثل كل المحور الإيراني الذي اكتفى ببعض الضربات البعيدة غير الفاعلة”.

ويضيف سكاف أن “الأسد سجل غياباً كاملاً عما حصل بين إسرائيل و’حماس‘، ولم يكتفِ بهذا الحد بل غاب جيشه أيضاً عن الدفاعات في وجه عمليات اغتيال حصلت على أرض بلاده وغارات استهدفت قنصلية إيران ومحيط مطارات ومصانع تسليح، وعلى رغم ذلك فإنه يحرك ساكناً ولم ينفذ أي رد على عكس طهران التي أطلقت في الأقل عدداً من الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل”.

ويرى سكاف أن “صمت سوريا وغياب إطلاق ولو رصاصة واحدة من حدودها على إسرائيل أو الجولان المحتل أمر مستغرب، بالتالي هو اتخذ موقف الحياد مثله مثل أي دولة غير معنية بما يحصل إطلاقاً”.

دنيز رحمة فخري – إندبندنت عربية

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها